لأن إخراج الحدث في سياق مناسب قد لايقل أهمية عن الحدث ذاته، فإن إنهاء الوجود العسكري الأمريكي في أفغانستان في السنة التي تواكب الذكري العشرين لهجمات سبتمبر الإرهابية قد يوحي بأن شيئا عظيما تم إنجازه. فبعد أربعة رؤساء أمريكيين وحروب ضد الإرهاب بين أفغانستان والعراق، أعلن الرئيس جو بايدن، أن هدف الغزو الأمريكي لأفغانستان، وهو معاقبة الإرهابيين وراء هجمات سبتمبر الإرهابية، قد تحقق منذ فترة طويلة وأنه لايوجد مايستدعي البقاء هناك.
وبطبيعة الأشياء، فإن الحروب لايُفترض أن تستمر للأبد حتى وإن لم تحقق أهدافها، فالحروب تنتهي عندما يزيد عبء تكلفتها أو لظهور تهديدات جديدة أكثر إلحاحا. وبعد عقدين من الصراع في أفغانستان واستثمارات أمريكية بلغت تريليون دولار، ومفاوضات صعبة وغير حاسمة بين حكومة كابول وطالبان، يرى البعض أن الخروج ضروري لوضع حد للخسائر المادية والبشرية التي تكبدتها واشنطن.
وبالانسحاب من أفغانستان يكون بايدن قد استكمل خطة سلفه دونالد ترامب التي بدأها بخفض عدد القوات تمهيدا للخروج نهائيا هذا العام. وهذه على أى حال ليست المرة الأولى التي تخرج فيها أمريكا من حرب تحت ضغط مقاومة ميليشيات محلية. حدث ذلك في فيتنام 1973، وفي لبنان 1984.
وكان الجنرال كينيث ماكينزي، قائد القوات الأمريكية في الشرق الأوسط وجنوب آسيا قد قام الشهر الماضي بجولة تفقدية لمناطق انتشار قواته في العراق وسوريا ولبنان وأفغانستان. وقد نقلت عنه مجلة «نيويوركر» قوله، إن حجم القوات الأمريكية الموجودة في الدول الأربع لايتعدى نسبة 2 في المائة مما كانت عليه في بداية العمليات العسكرية، وأنها تقريبا لاتقوم بأي عمليات قتالية بل تنحصر مهامها في مساعدة الحلفاء المحليين وأعمال المخابرات. وأضاف أنه في ظل الظروف الراهنة لاتستطيع أمريكا الانتصار في أي من هذه الميادين الأربعة. لايعود ذلك فحسب لضعف الحلفاء المحليين، بل ولزيادة قوة الأطراف المعادية. ووصف ماكينزي الوضع السياسي في كل من هذه الدول بأنه سيىء، وأسوأ في بعضها مما كان عليه قبل التدخل الأمريكي.
وبخصوص أفغانستان قال ماكينزي ، إن طالبان تسيطر على نصف أراضيها، وأن قوات حكومة كابل لاتزال، رغم التدريبات التي تلقتها، أضعف من صد أي هجمات محتملة لقوات طالبان. بل ويقدر الجنرال ماكينزي أنه في غضون ثلاث سنوات كان تنظيم القاعدة الإرهابي سيتمكن من العودة تحت قيادة طالبان ويقوم بعمليات ضد القوات الأمريكية إن لم تنسحب هذا العام.
يلقى الانسحاب معارضة من بعض أعضاء مجلس الشيوخ ومن عسكريين، كمستشار ترامب السابق للأمن القومي، الفريق المتقاعد إتش.آر ماكماستر الذي أوصى في إفادته أمام لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ الشهر الماضي ببقاء القوات الأمريكية هناك. وتتلخص وجهة النظر المعارضة في احتمال اندلاع حروب أهلية فور خروج القوات الأمريكية، وما سيترتب على الانسحاب من فراغ يغري بزيادة نفوذ روسيا والصين وسيطرتهما على مناطق غنية بالموارد الطبيعية، فضلا عن احتمال عودة قوية للجماعات المتطرفة وزيادة المشاعر المعادية لأمريكا. ومع ذلك فقرار الانسحاب يلقى تأييد الرأي العام الأمريكي الذي لم يتفهم جدوى التورط العسكري طويل الأمد فى هذه البلاد الوعرة البعيدة. وبالنسبة لهؤلاء فالانسحاب في حد ذاته انتصار.
رابط دائم: