رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

كلمات
«جاهين» فيلسوف الغلابة

رغم أحزانه كان الساخر الأعظم ورغم شجنه كان ملك ملوك الضحك سواء وهو يكتب الشعر أو يرسم الكاريكاتير أو يداعب أحد أصدقائه فى دردشة عابرة ، ظهرت بوادر السخرية مبكراً عند صلاح جاهين وهو طالب فى الثانوية إذ يقول صديقه الرسام هبة عنايت: كنت أرسم بخطوط سريعة ومن الذاكرة وجه فلاح فما أكاد أنتهى من الرسم حتى يكتب تحته «فلاح مصرى ابن ناس يستاهل ضرب المداس».. وعندما أرسم وجه خواجة مثلاً فيكتب «عجوز انجليزى ابن هرمة يستاهل ضرب الصرمة».. وذات مرة كنا نستمع إلى صوت أسمهان تغنى: «دخلت مرة فى جنينة أشم ريحة الزهور» فعلق صلاح قائلاً: «ريحة الزهور ممكن نشمها من غير دخول الجنينة! ثم إن أى واحد ممكن يدخل جنينة، يعنى مافيهاش شطارة»! قلت: طيب قولى لى عاوزها تقول إيه علشان يبقى فيها شطارة؟! فسكت برهة وقال: دخلت مرة فى قزازة أشم ريحة الكازوزة، قالوا حلوة بلذاذة لقيتها حلوة بلذوذة.. كده يبقى ليها طعم وريحة كمان.

وتتجلى الضحكات عند صلاح جاهين فى رسومه الكاريكاتيرية، والمدهش أنه تناول قضايا فى السبعينيات والثمانينيات مازالت تعيش بيننا حتى الآن ولو نشرت هذه الرسومات اليوم لما أحسست بفرق الزمن فيها فمثلاً رسم كاريكاتير يظهر فيه مراقب وطالب فى لجنة امتحان، والطالب يسأل المدرس:

وهناك رعب الثانوية العامة الذى يبدو أن الوزارة تحاول علاجه منذ السبعينيات حتى الآن بلا جدوى.. إذ رسم صلاح جاهين صديقين يمران أمام دار سينما وكتب عليها «البعبع.. فيلم الموسم.. ودار التعليق منهما كالتالى:

ده مش فيلم رعب يا عبيط.. ده فيلم تسجيلى عن امتحان الثانوية العامة!

وفى رسم آخر هناك طالبان أمام مدرسة، أحدهما مبسوط يقول لصاحبه «الِكشرى»

يابنى اعقل.. ح يمتحنونا فى إيه إذا كان فيه أزمة ورق؟

وفى رسم آخر يظهر مركز رصد الزلازل وبه موظف يقول: ده مش زلزال وانت الصادق.. دى مصارين أهالى تلامذة الثانوية العامة بتكركب!

تروى شقيقته بهيجة كيف كانت طفولة صلاح جاهين تحمل شقاوة لا مثيل لها تقول «كان يكره العدوانية ولا يميل الى الصخب وكن شجاعا وجريئا» لدرجة ان هناك صديقا للعائلة اسمه الدكتور محمد العنانى جاء الى بيتنا مرة وكان صلاح فى الثالثة من عمره فوقف على كرسى

وقال : كانى مانى ودكان الزلبانى .. الدكتور العنانى !

بهرتنى شجاعة هذا الطالب وتشبثه بصدقه النبيل ، فقلت له ، هل فى امكانك ان تحدد لى موعدا التقى فيه مع والدك ؟؟

وفى اليوم التالى جاء «صلاح» بصحبة والده ، الذى جلس فوق مقعده كأنه احد تماثيل كهنة آمون .. بادرته بقولى : ارحب بك كوالد لواحد من اكفأ الطلبة الذى اتنبأ له بمستقبل يشرفك ويشرف مصر ، والفن يا سيدى المستشار ليس مهنة يتبرأ منها الانسان ؟ فهناك من عمالقة التاريخ من يتربعون فوق قمة المجد والشهرة امثال «مايكل انجلو» و «مبرانت» فى الخارج ، وامثال محمود مختار ومحمود سعيد فى مصر .

رحم الله فيلسوف البساطة الذي رحل عن عالمنا 21 ابريل 1986 ، وقد أمتعنا بفنه وإمكاناته تاركا لنا إرثاً من البهجة والفخر معا .

لمزيد من مقالات د.هبة عبدالعزيز;

رابط دائم: