على كثرة الكتابات قديمها وحديثها عن رمضان وفلسفة صومه، لم أجد أفضل مما قاله العقاد( 1889- 1964)عنه بكتابه عالمية الإسلام: «أدبه أدب الإرادة، وحكمته حكمة الإرادة، وليست الإرادة بالشيء اليسير فى الدين، والخلق فى الدين، وما الخلق إلا تبعات وتكاليف، ومن ملك الإرادة فإن زمام الخلق جميعا بين يديه».
يأتى الشهر الكريم، ومعظمنا راغب بإعادة التوزان لحياته، دينيا وسلوكيا وصحيا، فإذا بالروح الاستهلاكية تتلبسنا، فلا نملك إلا الخضوع لأوامرها. يوما بعد يوم، نشعر بأن حكمة الصيام تسربت من بين أيادينا.. نوم ساعات الصوم أو إعداد لما لذ وطاب، وتسامح مع البطن والعقل والنفس بعد الإفطار.. ماذا يتبقى إذن من روحانيات رمضان؟. إنه عند كثير منا، جائزة ننتظرها كل عام، للترويح عن أنفسنا والتعامل معها كطفل طلباته لا ترد.
ورغم هذه الأريحية فى التساهل مع النفس، نبدو ضائقى الصدر، لا نحتمل كلمة من أحد، فقد تجشمنا عناء الصوم، وعلى الآخرين تحمل غضبنا مع أنهم صائمون مثلنـا. لم يعد الصوم، كمـا قـال مصطفـى صـادق الرافعـي(1880- 1937): «فقر إجبارى يُراد به إشعار النفس الإنسانية بطريقة عملية واضحة أنَّ الحياة الصحيحة وراء الحياة لا فيها، وأنها إنما تكون على أتمّها حين يتساوى الناس فى الشعور لا حين يختلفون، وحين يتعاطون بإحساس الألم الواحد لا حين يتنازعون بإحساس الأهواء المتعددة».
تحول الصوم نتيجة أسلوب حياتنا إلى ما يشبه الألم لنا وللآخرين، ولذلك نبرر لأنفسنا الابتعاد عن الحكمة الإلهية من فرضه.
الإرادة، حسب العقاد، فضيلة الفضائل فى الصيام، وآداب رمضان محصورة فى معناها، وليس من أدب رمضان أن يتململ الصائم أو يتجهم كأنه مكره عليها مطيع لها بغير رضاه. ونقول أيضا إنه ليس من أدب رمضان التفاخر والتباهى وتحويل كل شيء لسلعة ووليمة ومسلسل وإعلان.
النجاح إرادة والحياة أيضا، ولا يمكن لوم الغرب لأنه زرع فينا روح الاستهلاك أو لوم الآخرين لأننا فشلنا بحياتنا اليومية أو لم نحقق الأهداف الكبرى لبلادنا دون أن نتساءل: وأين إرادتنا؟. إنها الفريضة الغائبة.. رمضان كريم.
[email protected]لمزيد من مقالات عبدالله عبدالسلام رابط دائم: