طفت قضية تزوير الكتب إلى سطح الأحداث الثقافية خلال الأيام الماضية، بعد ضبط 49 ألف كتاب مزور فى مخزن واحد، ما يعنى أن أضعاف هذا العدد يمكن أن تكون تسربت إلى السوق، ويؤكد أن هذه الظاهرة فى ازدياد مستمر ما يهدد سوق النشر بشكل عام، خاصة فى ظل السطوة المتزايدة للكتاب الإلكترونى، فأصبحت القضية ذات ثلاثة محاور مهمة: قانون غير رادع يحتاج إلى تعديل، ومبدع فقد حقوقه المادية ما يؤثر بشدة على مستقبله الإبداعى، ودور نشر تئن وتصرخ أنها على وشك الإفلاس.
قانون جديد
يقول رئيس اتحاد الناشرين المصريين سعيد عبده: أصبحت هناك عصابات منظمة تقوم بتزوير الكتب، ففى العام الماضى ضبطنا أكثر من مليونى كتاب مزور، هذا غير الكتب المقرصنة على شبكة الإنترنت، ويحدث ذلك فى ظل ضعف العقوبات المفروضة على تزوير الكتب فى ظل القانون القديم، وآخر الضبطيات كانت نحو 49 ألف كتاب لدور نشر مصرية وعربية فى مخازن إحدى شركات الشحن، وتم التحفظ على الكتب، وإبلاغ الناشرين لاتخاذ الإجراءات اللازمة للحفاظ على حقوقهم.
وأضاف عبده: المزور يبيع الكتب بسعر أقل؛ لأنه لا يرتبط بحقوق للمؤلف ولا بضرائب أو أعباء التصحيح والمراجعة وتصميم الغلاف، وغيرها من الأعباء التى يتحملها الناشر كى يصدر منتجًا جيدًا، بل يسطو على جهود الناشر، ويضيع حقوقه فى كتبه الرائجة، كما أن المؤلف لا يحصل على حقوقه أيضًا، هذا بالإضافة إلى ضرر كبير آخر، وهو تصنيفنا كدولة لا تحمى الملكية الفكرية، خاصة أن هناك مزورين يبيعون الكتب المصرية بصيغة pdf لجهات خارجية بسعر ألف دولار للكتاب الواحد، وهكذا فإن عمليات القرصنة تضر بعملية النشر بشكل كامل.
وتابع عبده: نسعى لمكافحة الظاهرة، فى الكتاب الورقى والرقمى، بالتعاون مع إدارة المصنفات فى وزارة الداخلية، ومباحث الإنترنت، ونبلغ الناشرين الذين تنتهك حقوقهم لاتخاذ الإجراءات القانونية فى ضوء عمليات الضبط الموجودة، كما قدّم اتحاد الناشرين مشروعًا لتعديل قانون الملكية الفكرية الحالى، لتغليظ العقوبات المفروضة، فليس من المعقول أن يكسب المزور100 ألف جنيه فى الكتاب، وتوقع عليه غرامة 10 آلاف جنيه، لذا طالبنا برفع الغرامة لتتدرج من ربع مليون إلى نصف مليون جنيه مع جواز الحبس، ومصادرة المعدات وغلق المطبعة التى قامت بالتزوير، وهو ما يحد كثيرًا من هذه الجريمة.
تشديد العقوبات
أما د. حسام لطفى مقرر لجنة حماية الملكية الفكرية بالمجلس الأعلى للثقافة، فيقول: نعمل على التصدى لهذه الجرائم بمنتهى القوة، لأن التعدى على الكتب بالتصوير لطرح نسخ غير أصلية منها يقتل صناعة الكتاب، ويؤدى بالناشرين إلى العزوف عن النشر، وبالمؤلفين إلى فقد الثقة فى الناشر، وفى نهاية الأمر يصاب أى مؤلف يسعى إلى التفرغ للكتابة بالإحباط، ويتجه إلى أعمال أخرى لكسب عيشه، لأن ما سيربحه من طباعة الكتب لن يكفيه لشراء الزاد وتحمل نفقات الحياة، وهذا سيضر بحركة الإبداع بشكل عام، خاصة مع تفاقم الأمر فى ظل جائحة كورونا، إذ تنامى تداول الكتب بصيغة PDF ، وتراجع البيع الورقى، وأُلغيت المعارض العامة للكتب، وتراجعت الطباعة، وزادت نسب البطالة فى مجال النشر.
وأضاف لطفى: من خلال لجنة الملكية الفكرية بالمجلس الأعلى للثقافة، أعددنا مشروع قانون للملكية الفكرية، وشددنا العقوبة لتصبح الحبس كحد أدنى لمدة ستة أشهر، والغرامة خمسين ألف جنيه فى المرة الأولى، وتتضاعف فى حالة العودة، مع الإلزام بسداد ضعف ما عاد على المتعدى من فائدة مادية، كما تم زيادة مدة الحماية لحقوق المؤلف إلي70 عامًا، وهذا هو المشروع المطروح على وزارة العدل حاليًا ليُرسل إلى مجلس النواب، كما انتهت اللجنة إلى حتمية الانضمام إلى اتفاقية «ويبو» لحق المؤلف لعام 1996، واتفاقية «ويبو» لحماية الأداءات الصوتية وفنانى الأداء لعام 1996، واتفاقية «بيجين» لحماية هيئات البث الإذاعى، واتفاقية «مراكش» لتيسير النفاذ إلى المصنفات من ذوى الإعاقة البصرية.
مافيا التزوير
وقال الروائى إبراهيم أحمد عيسي: المفترض أن يسعد الكاتب عندما يرى غلاف كتابه يزين شاشات التلفاز، وهو بيد إحدى الممثلات فى مسلسل ما، ولكن ماذا لو كانت تلك اللقطة العابرة لنسخة مزورة من الكتاب؟، هذا ما حدث لى عندما رأيت أحد كتبى فى مشهد بأحد المسلسلات، لكنى لم أسعد لأن النسخة كانت مزورة.
وأضاف: الكثير من الكتاب يعانون تزوير كتبهم، وهو الأمر الذى يؤثر سلبيا على الكاتب ومشواره الأدبى، فالكثيرون يعلمون أن أرباح الكاتب من مبيعات كتابه ضئيلة جدًا حتى إن تجاوز الكتاب عشرات الطبعات، أما تزوير الكتب فربما يحقق نسبة من الانتشار والرواج لاسمه، لكنه فى النهاية يحتاج للمكسب المادى ليُكمل مسيرة الإبداع، وكثير من الكتاب يتوقفون عن الكتابة بسبب المشاكل المادية مع الناشرين، لأن متطلبات الحياة لا تعترف بالشهرة، والرواج إن لم يكن له عائد، حتى ولو قليلا، فربما يكون الكاتب هو أكثر الأطراف خسارة فى معادلة المزورين والناشرين.
وتابع عيسى: على الرغم من كل ذلك، فإن هناك طرفًا فائزًا فى المعادلة، وهو القارئ الذى يشترى الكتب بسعر زهيد، ولا يفرق معه إن كانت مزورة أم لا، بل قد يبتعد عن الأصلى بسبب ارتفاع سعره، وأحيانًا يخبرنى بعض القراء أنهم اشتروا نسخة مزورة من كتابى، ويرجون أن ألتمس لهم العذر، وبالفعل قد أعذرهم ولكنى لا أوقع على تلك النسخ لأنها سُلبت رغمًا عنى، وسمح المزورون لأنفسهم بسرقتها والترويج لها دون موافقة صاحبها، وأتمنى مواجهة مافيا المزورين بحزم من خلال سن قوانين خاصة بحماية الملكية الفكرية، لحماية الحقوق الضائعة للمؤلف والناشر على حد سواء.
ويقول حسام أبو العلا مدير عام إحدى دور النشر: قد لا يتخيل أحد كيف يخسر الناشرون جراء تزوير كتبهم، فالناشر ينفق آلاف الجنيهات على إعداد الكتب فى مراحلها المختلفة، من الجمع والتصحيح والتصميم والإجراءات الإدارية والطباعة، ثم يفاجأ بأن قراصنة التزوير قد جنوا ثمار تعبه، وكبدوه خسائر فادحة، لأنهم ينشرون الكتب بأسعار أقل كثيرًا من الكتاب الأصلى، فهم لا يعانون أعباء مالية فى إعداده، باستثناء تكاليف الطباعة، الرديئة فى معظم الأحيان، والغريب أن البائعين يحتالون على القراء للترويج للكتب المزورة على حساب الكتاب الأصلى، فحينما يُطلب كتاب منهم، يخيرون الطالب بين الطبعتين الأصلية والمزورة، بادعاء أن المزورة هى طبعة شعبية من إصدار دار النشر نفسها، وبالتأكيد فإن القارئ يختار الطبعة المزورة لأنها أقل سعرًا حتى لو كانت أقل جودة.
ويضيف أبو العلا : المطلوب من الجهات المختصة تغليظ العقوبات بحق قراصنة التزوير، لأن العقوبات الحالية غير رادعة على الإطلاق، ولا يمكن أن توقف هذه الظاهرة، التى أصبح لها أباطرة معروفون، يحترفون التزوير الورقى والإلكترونى أيضًا، فإن لم ننجح فى الضرب على أيديهم بقوة، فلا أستبعد أن يعلن الناشرون إفلاسهم، وتنقرض صناعة النشر تمامًا فى غضون أعوام قليلة.
رابط دائم: