رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

منمنمات ثقافية
فى حضرة الموكب الذهبى

«الجمهور عايز كده»!.. عبارة تبخرت فجأة من قاموس حياتنا وكأنها لم تكن!، فخلال ساعتين فقط أسقط المصريون العبارة الشهيرة التى لطالما صدع بها رؤوسنا مدعو الفن، ممن تصوروا أن ما يلقون به فى وجه الجمهور يندرج تحت مسمى الكتابة الدرامية أو التأليف الموسيقى أو التمثيل والغناء، كلما قدموا أعمالا مبتذلة لا تمت للفن بصلة، تسهم فى انحدار الذوق العام وترويج العنف وتزييف الواقع.. ولكن بدون سابق انذار ومع دقات الطبول وانعكاسات الضوء فى أنحاء الميدان وإطلالة مفتاح الحياة وجميلة الجميلات نفرتيتى من برج القاهرة، إيذانا ببدء الموكب الذهبى لنقل مومياوات أجدادنا لمتحف الحضارة بفسطاط مصر وقاهرتها العريقة، انقشعت السحابة السوداء التى غشيت البصر والبصيرة لسنوات وغلفت القلب بسواد، فتكسرت الروح والإحساس بالانتماء والاعتزاز بتاريخ وحضارة سبعة آلاف عام، وأصبحت الهوية والوطن مفاهيم ملتبسة، خاصة بين الشباب! 

خيم الصمت وتنبه الجميع مترقبين الظهور الجليل.. تلاشت التساؤلات والمهاترات الفارغة التى ألهتنا أياما عن الحدث نفسه. تبخر الجدل حول من يشارك ومن لا يشارك فى الموكب، والمتابعة الحمقاء المعتادة لمهرجان استعراض ملابس ومظهر الممثلات، والتململ من تعطل مصالح البعض نتيجة إغلاق عدة محاور لطرق القاهرة.. لم يبق إلا الانبهار ومحاولة ملاحقة المشهد وأسئلة تتكاثر مع وجوه الأطفال المشرقة المتطلعة لسماء القاهرة التى أضاءتها ألوان انعكست على طريق الموكب، الذى تقدمته العربات الحربية وحاملات القرابين وفرقة موسيقى عسكرية ربطت بزيها وانضباط حركتها بين ماض عريق وحاضر نحاول أن تستلهم فيه عبق وروح زمن الأجداد.. تتناثر علامات الاستفهام، بدءاً من أسماء مؤلف الموسيقى والمايسترو وعازفى الأوركسترا ومخرج الحدث والإضاءة، وصولا لتصميم وبناء عربات الموكب وشعور قائد كل مركبة، وكأنهم لا يصدقون أن كل تفصيله يرونها صنعتها يد مصرية!

 لم تتأخر الإجابة.. نعم الحدث صناعة مصرية مائة بالمائة، فالموسيقى التى حبسنا أنفاسنا ونحن نتابع كل حركة فيها، ألفها الموسيقار المصرى هشام نزيه، ودونها للأوركسترا المصرى الفنان أحمد الموجى، وقاد الأوركسترا الفنان نادر عباسى، وعازفو الأوركسترا مصريون حتى النخاع (عازفة الكمان «سلمى سرور» والناى «هانى البدرى» والربابة «أحمد منيب» وعازفة التيمبانى «رضوى البحيرى» والدف «تقى على»، والغناء لـ«سوليست» دار الأوبرا المصرية للغناء الشرقى الفنانة «ريهام عبد الحكيم» والسبرانو «أميرة سليم» و«نسمة محجوب» ..كل هؤلاء و غيرهم أبدعوا، فعايشنا وتوحدنا مع ترنيمة إيزيس بعد آلاف السنين .  

وفى الكواليس تطالعنا وجوه مصريين عملوا لشهور بكد وإتقان وإبداع لإنجاز كل تفصيلة فى الموكب الملكى بشكل يليق باسم مصر وتاريخها وملوكها، وظهرت متمثلة فى الإضاءة الباهرة والشكل المميز لعربات نقل المومياوات والعجلات الحربية والأبواب التى زينت الطريق وقام بتصميمها وتنفيذها نخبة من أفضل المهندسين والعمال المصريين. 

فى ذات السياق تتداعى للذاكرة أسماء فريق العمل الذى عكف على العمل ما يزيد على 10 أعوام بقيادة د. على رضوان ومجموعة الأساتذة المتخصصين فى الحضارة المصرية، منهم د.أسعد نديم ود. نوال المسيرى ود. أحمد مرسى وغيرهم، لوضع سيناريو العرض المتحفى، بما يعكس حلقات تواصل الحضارة المصرية عبر العصور مظهرا اختلافه عن المتاحف الأثرية التقليدية. 

وفى ظنى أن أهمية الموكب الذهبى للمومياوات الملكية لاتقتصر على روعة وجلال مشهده، ولا فى رعاية واستقبال رئيس جمهورية مصر لرفات أجدادنا بكل إكبار يليق بهم، وبما يطمح فيه لاستعادة واستمرارية حضارة ما تزال تبهر العالم، ولا فى الترويج السياحى لمصر والمكاسب الاقتصادية لو أحسنا استثمار الحدث، بل فى استعادة المصرى لوعيه وافتخاره بحضارته، وإيمانه بقدرة المصريين، وإسقاطه لحجة «الجمهور عايز كده»، وكل التفاهات التى أفسدت الذوق العام، وتأكيده أنه يتوق لفن راق.  

وهنا تلاحقنى علامة استفهام مشاغبة..ألم يحن الوقت أن تتبنى وزارة الثقافة وقطاعاتها مبادرة للخروج بعروضها للجمهور، وإقامة شاشات فى الميادين لاستثمار اللحظة واستعادة وعى وذائقة حاول البعض تغييبها؟!


لمزيد من مقالات ســناء صليحــة

رابط دائم: