تخيل عالما تُصنع فيه ملابسك من وحدات الـ «بيكسل» الرقمية بدلا من المنسوجات، تخيل أنه بضغطة زر واحدة، يمكنك امتلاك خزانة ملابس كاملة دون الحاجة إلى الذهاب إلى المتجر أو بذل الجهد وضياع الوقت فى إيجاد ما يناسبك. والمثير للدهشة أكثر، أنه يمكنك اقتناء ملابس قد لا تجدها فعلا على أرض الواقع بسبب قوانين الفيزياء، مثل فستان مصنوع من الماء أو الإضاءة، أو حتى سترة جلدية مع بنطال أخضر لامع لتبدو وكأنك أحد الأبطال الخارقين!.
قد يرى البعض أن امتلاك خزانة «ملابس رقمية» هو شيء من أفلام الخيال العلمى، ومع ذلك، قيل نفس الشيء عندما تخيلت الأجيال السابقة يوما يكون باستطاعتهم الاتصال بأصدقائهم من خلال ساعات المعصم الخاصة بهم، واليوم، هناك صناعة كاملة تقوم على هذه التقنية تربط الناس ببعضهم فى جميع أنحاء العالم، وتدر دخلا كبيرا للاقتصاد العالمي.
فى عام 2019، دفع ريتشارد ما، الرئيس التنفيذى لإحدى شركات الأمن فى سان فرانسسكو، 9500 دولار ثمن شراء فستان لزوجته، وهو مبلغ كبير حقا إذا كانت الزوجة لن ترتديه على الإطلاق، أليس كذلك؟، لكن الفستان الذى يوصف بأنه «رقمي» صمم خصيصا للزوجة وكان متاحا فقط على الإنترنت، بمعنى أن الزوجة ستقوم بارتدائه فقط «افتراضيا»، وتلتقط به بعض الصور لنشرها على مواقع التواصل الاجتماعى، دون عناء البحث عن فستان مختلف لا ترتديه سيدة أخرى فى العالم!.
إنها عملية بسيطة للغاية، يقوم العملاء باختيار الملابس الإلكترونية التى يرغبون فى ارتدائها، تماما كما يختارونها من خلال متجر عادى عبر الإنترنت، وبعد ذلك يتعين عليهم تحميل صورة لأنفسهم يريدون تركيب الملابس الإلكترونية عليها، وباستخدام برنامج ثلاثى الأبعاد، يقوم القائمون على الموقع بتركيب صور العملاء على ملابسهم الالكترونية المطلوبة وإرسالها لهم مرة أخرى، بعد دفع ثمن الملابس بالطبع.
الأزياء الرقمية تغزو مواقع التواصل الاجتماعى
«يمكنك الحصول على أفضل ما فى العالمين»، هكذا تعتقد كارولين ماير، hخصائية علم النفس السلوكى المتخصصة فى الموضة، حيث تقول إن البشر مرتبطون بالبحث دائما عن الحداثة والجماليات المبهجة، ويكمن جوهر الموضة فى أنها تواصل إعادة ابتكار نفسها، ويمكن للأزياء الرقمية أن تلبى حاجة الناس لارتداء ملابس جديدة فى كل مرة ينشرون فيها صورهم على وسائل التواصل الاجتماعي. كما تناسب هذه التقنية من يبحث عن الصورة المثالية، فإذا كنت لا تحب ما ترتديه لكنك تحب المكان الذى توجد فيه، فلديك الآن القدرة على تغيير خزانة ملابسك، وتحسين صورتك بطريقة رقمية لتجعلها تبدو كما لو أنك ترتدى الأحدث والأفخم من الملابس، وكل ذلك مقابل بضعة دولارات فقط. والأهم من ذلك أن «الموضة الرقمية» تروج لفكرة أن أى شخص، بغض النظر عن نوع الجسم أو الحجم أو الجنس، يمكنه ارتداء أى شيء, وذلك يعطى معنى جديدا تماما لعبارة «مقاس واحد يناسب الجميع», كما تقضى أيضا على فكرة نفاد المنتج, لأنه من الممكن تصميم أى عدد تريده منها.
«الملابس الافتراضية» لها فوائد أخرى أكثر أهمية، فهى تقدم حلولا أكثر صداقة للبيئة عن الطريقة التقليدية التى تنتج بها الملابس. فشركات الأزياء الرقمية لا تستهلك شيئا سوى البيانات، ولا تستغل سوى خيالها، فمن المعروف أن صناعة الأزياء التقليدية تنتج حوالى 150 مليار قطعة من الملابس كل عام, ينتهى 80% منها فى مكبات النفايات أو يتم حرقها، وتتراوح النفايات المرتبطة بها ما بين مخلفات النسيج فى مراحل التصميم والتلوث الناجم عن صباغة الأقمشة ومعالجتها، وتساقط الألياف الدقيقة، وفى النهاية تنتهى هذه القطع بانتهاء صيحاتها. أما «الموضة الرقمية» فتوفر فرصة للاستدامة, وتعالج المشكلات البيئية التى تمت مواجهتها خلال دورة حياة المنتج بأكمله, إذ يدعى أحد متاجر البيع الرقمية أن إجمالى البصمة الكربونية لإنتاج عنصر رقمى واحد أقل بنسبة 95% من متوسط الملابس المادية، بينما قدّر بحث حديث أنه فى المجموع، ساهم مشترو الأزياء والمصممون الذين يحضرون أسابيع الموضة فى نيويورك ولندن وباريس وميلانو, بـ 241 ألف طن من انبعاثات ثانى أكسيد الكربون سنويا.
الموضة الرقمية تقلل أيضا من تكاليف الإنتاج ووقت التسويق، خاصة مع استمرار سيطرة فيروس كورونا على حياتنا، وظروف حظر السفر وصعوبة الحصول على العينات المادية اللازمة، فمن خلال تكييف عملية ابتكار المنتجات، قللت إحدى أشهر الماركات الرياضية العالمية، من استهلاكها للمياه بنسبة تصل إلى 17.4%، كما خفضت فى التسويق والتكاليف بنسبة 30%.
هناك كثير من المتشككين الذين يرفضون فكرة «الملابس الافتراضية» ويصفونها بأنها «أزياء جديدة لأباطرة عصر الإنترنت»، أو يشعرون بالقلق من أنها قد تكون مؤشرا لتراجع سيطرة العنصر البشرى أمام شاشات الكترونية، بينما يزيد الهوس بأزياء الأبطال الخارقين وأفلام الخيال العلمى، لكن بالنسبة لجيل ما بعد الألفية، فالأمر مختلف بعض الشيء، إذ يعتبر هؤلاء أن شخصياتهم على الانترنت ما هى إلا امتداد لشخصياتهم فى الواقع, والموضة الرقمية توفر لهم الطريقة المثلى لاختيار كيف يريدون أن يطلوا على العالم الافتراضي..
رابط دائم: