تبدو سيطرة الرجال واضحة على المشهد الموسيقى وعادة ما تتجه أغلب المشاركات النسائية فى هذا المجال إلى الغناء لا إلى صناعة الموسيقى أوعزفها إلا أنه فى السنوات الأخيرة برز عدد من الموسيقيات والعازفات فرضن أنفسهن على المشهد وأصبح وجودهن شيئا مألوفا على خشبات المسارح وحفلات الأوبرا كعازفات وسط الاوركسترا أو فى حفلاتهن الخاصة، وظهرت أكثر من فرقة موسيقية مصرية نسائية للعزف بالآلات متنوعة وحققت الأيدى الناعمة شهرة عالمية كبيرة محليا وإقليميا ودوليا ونجحن فى تقريب الموسيقى الرفيعة من أسماع المصريين وحصلن على العديد من الجوائز العالمية وأصبحن يشار إليهن بالبنان وحفرن أسماءهن فى وجداننا جميعاد.
مشيرة عيسى..عازفة البيانو الأكثر تأثيرا
د. مشيرة عيسى
هى واحدة من أهم عازفى البيانو فى العالم، واختارتها هيئة الإذاعة البريطانية كواحدة من أهم مائة شخصية مؤثرة عالميا فى 2019 كما منحتها هيئة اليونيسكو لقب أحسن عازفة فى مهرجان تسالونيكى باليونان. قدمت فنها فى خمس قارات و40 دولة خلال رحلة إبداع طويلة بدأتها فى سبعينيات القرن الماضى.
إنها د.مشيرة عيسى الأستاذ بأكاديمية الفنون وسوليست أوركسترا القاهرة السيمفونى وأول من قدمت حفلات عزف منفرد فى دار الأوبرا والحاصلة على العديد من الجوائز محليا ودوليا. درست وتدربت على يد أمهر الفنانين فى العالم وعلى رأسهم اجناز تيجرمان وهو يهودى بولندى نزح إلى مصر فى الثلاثينيات هربا من جحيم النازية وأقام بها حتى وفاته فى السبعينيات وافتتح معهدا خاصا للموسيقى وكان أستاذ والدتها السيدة آمال السبنجى ابنة عائلة تجار الموبيليا الشهيرة فى وقتها والحاصلة على دبلوم الكلية الملكية فى الموسيقى فى لندن. وكان تيجرمان واحدا من أشهر مؤلفى الموسيقى الكلاسيكية فى العالم وتعود شجرة عائلته إلى الموسيقار العالمى بيتهوفن وهو من اكتشف موهبتها ودربها وعندما سافرت لتنال درجة الدكتوراه فى فيينا كان موضوع رسالتها عن موسيقى تيجرمان.
حصلت د.مشيرة من هناك على دبلوم فن الأداء على البيانو وعلى درجة الدكتوراه فى الموسيقى عام 1987 وعادت إلى مصر لتبدأ رحلتها الإبداعية فحصلت عام 1976 على جائزة الشباب الموسيقى ثم جائزة ستيبانوف الموسيقية من فيينا وجائزة شيكاجو للفنون عام 1987 وشاركت بالعديد من المهرجانات الدولية وأسابيع الموسيقى وكانت أحد من شاركوا فى حفل افتتاح دار الاوبرا المصرية الجديدة عام 1988والمستشار الموسيقى لحفل افتتاح وختام الدورة الإفريقية للألعاب عام 1991 ورشحت لجائزة الدولة التقديرية مرتين.
وتتذكر د.مشيرة بدايتها فتقول ولدت فى بيت فنى بالدرجة الأولى فوالدتى رغم انها ربة منزل فإنها عاشقة الفن ودراسته له ووالدى هو د.صلاح عيسى طبيب النساء والولادة والذى كان عاشقا للموسيقى أيضا وكان البيانو لعبتى الأولى فقد ولدت لأعزف عليه وعندما لاحظت عائلتى حبى للموسيقى اصطحبتنى امى الى أستاذها تيجرمان وهو من تنبأ بموهبتى ودربنى حتى التحقت بالكونسرفتوار ونجحت بتفوق فكنت الاولى دائما وسافرت فى بعثة إلى فيينا لنيل درجة الدكتوراه وعندما عدت «خطفتني» د.رتيبة الحفنى وأصرت على تعيينى فى المعهد العالى للموسيقى العربية.
وللأسف كما تقول د.مشيرة فالعديد من الموهوبين وطلاب المعهد لا يكملون طريقهم إلى الموسيقى ويمضون فى طريق أخر وهو ما يجعل عازفى البيانو فى مصر قلة محدودة واغلبهم من الرجال فعلى عكس الصورة الذهنية عن عزف البيانو بانها تحتاج إلى الرقة والنعومة ولا يحتاج لعضلات فإن هذا غير صحيح كما تقول فالعزف على البيانو يحتاج إلى قوة بدنية وتوافق ذهنى عضلى ويعتمد على سرعة وحساسية واستجابة الاصابع واستقامة الظهر وهى إلى اليوم وإلى جانب التمرين والتدريب المستمر تذهب إلى الجيم يوميا كى تحافظ على لياقتها البدنية. ومازالت حريصة على تقديم حفلاتها المستمرة والتدريس لطلابها وتدريبهم وترى أن نهضة مصر بدأت مع البيانو عندما دخل مصر لأول مرة مع الحملة الفرنسية وأصبح فى كل بيت وقامت المدارس والإرساليات الاجنبية بدور فعال فى نشر ورفع الذوق الموسيقى وهو ما نحتاجه لعودته مرة اخرى.
د.منال محيى الدين.. الهارب بأنامل شرقية
د. منال محيى الدين
ربما لولاها لما اعتادت اسمعانا على كلمة «الهارب» ولكنها استطاعت أن تعيد لوجدان المصريين آلة فرعونية قديمة انتقلت الى أوروبا وأصبحت آلة غربية غير مناسبة للموسيقى الشرقية لكنها استطاعت أن تطوعها لتعزف عليها أجمل المقطوعات الكلاسيكية والشرقية
إنها الدكتورة منال محيى الدين الأستاذ بأكاديمية الفنون وعازفة الهارب الشهيرة والمعروفة محليا ودوليا والحائزة على جائزة الدولة التشجعية عام 2013
وهى أول عازفة هارب مصرية فى أوركسترا القاهرة السيمفونى فمن قبلها كان العزف مقصورا على الأجانب لعدم وجود من يجيد العزف على هذه الألة بين المصريين.
ورغم كبر حجم آلة الهارب وثقل وزنها فإنها عندما تقدمت للدراسة فى معهد الكونسرفتوار وكان عمرها 10 سنوات اختار لها أساتذتها هذه الآلة التى تحتاج الى دراسة وتدريب مبكر ولارتفاع ثمنها فكان لا يمكن اقتناؤها والذى قد يبدأ من 15 ألف دولار فكانت تحتاج للبقاء ساعات طويلة للتمرين بالمعهد وهو ما جعل طفولتها مقصورة على الموسيقى والهارب فقط.
بعد تخرجها حصلت على منحة تعليمية لألمانيا وحصلت على الدكتوراه من هناك وعادت لتشارك فى حفل افتتاح الأوبرا المصرية كأول عازفة مصرية للهارب وعلى مدى أكثر من ثلاثين عاما شاركت د.منال فى العزف مع الأوركسترا وكانت أول من يقيم حفلات سولو للهارب. وكما تقول فقد أردت أن اقرب الآلة من الناس ولا ترتبط فى الأذهان بالموسيقى الغربية فقمت بتأسيس فريق «أنامل شرقية» ثم مجموعة عازفات الهارب المصريات وبالرغم من قلة إعداد عازفى الهارب فى مصر فإن السيطرة فيها نسائية بامتياز رغم طبيعة الآلة وحجمها وهى ظاهرة ربما لا تكون موجود إلا فى مصر ففى الفرق العالمية اغلب العازفين من الرجال لكن فى مصر هن سيدات ولا يوجد رجل واحد ورغم ذلك ايضا تقدمت الدكتورة منال باستقالتها من اوركسترا القاهرة السيمفونى لا لشيء الا ان تفسح المجال لجيل جديد من العازفين وتكتفى بمجموعتها الخاصة. وتحلم بأن تقدم فنها فى ربوع محافظات مصر وتحيى حفلا فى كل شبر منها وكما تقول فعلى العكس الناس تتلهف لسماع الموسيقى وحتى وان كانت الغلبة للغناء فنحن بلد كبير ولدينا كل الأذواق ولا ارى فى شيوع ظاهرة «المهرجانات» عيبا بل على العكس ربما كان شيئا يميز ثقافتنا ونستطيع ان ننقله للعالم ولكن فقط اذا وجد من يقدمونه من يحتويهم ويوجههم فهى فى النهاية موسيقى خارجة من قلب الناس واليهم ولا تختلف عن أغانى «الراب» فى شيء بل العكس حققت انتشارا محليا واقليميا يمكن الاستفادة منه وتطويره.
عزفت الدكتورة منال على أشهر المسارح الدولية وشاركت فى العديد من المهرجانات الموسيقية وقدمت العديد والعديد من الحفلات ونالت شهرة كبيرة فى الداخل والخارج لكنها تعتبر ان انجازها الاكبر هو ابنتها «أمينة» ذات الثلاثة عشر ربيعا فقد كان الحلم والانجاز الاكبر
د. رانيا يحيى.. فراشة الفلوت
رغم أنها واحدة من أشهر عازفى الفلوت فى مصر وأستاذ بأكاديمية الفنون وعضو باوركسترا القاهرة السيمفونى فإن فراشة الفلوت د.رانيا يحيى لا تكف عن الدوران والاشتباك مع قضايا المجتمع وهمومه وصاحبة دور واضح فى العمل العام وعضو فى المجلس القومى للمرأة وكاتبة وناقدة صدر لها أكثر من 9 كتب حول النقد الموسيقى والموسيقى التصويرية
ولدت د.رانيا لأب ضابط شرطة عاشق للموسيقى وأم خريجة كلية السياحة والفنادق عاشقة للفن والثقافة والمتاحف وكان لديها خطة لتربية أولادها فكانت الألعاب التى تشتريها لهم هى العاب تعليمية هادفة وآلات موسيقية وعندما لاحظت موهبة ابنتها وذائقتها الموسيقية قررت إلحاقها بدورات التعليم الحر بمعهد الكونسرفتوار لكن لحسن حظى كما تقول د.رانيا يحيى فقد كانت الدورات مغلقة فالتحقت بالمعهد كطالبة واختار لى الاساتذة آلة الفلوت فقد كان عمرى وقتها 12 عاما وبالطبع كان فى ذهنى اننى سأتعلم البيانو او اى آلة اخرى ولم أكن اعرف الفلوت لكنى عندما أمسكت بها وقعت فى هواها وأصبحت رفيقة أيامى. وتستكمل حديثها قائلة:تخرجت فى المعهد بتفوق طوال سنوات الدراسة وعينت بأكاديمية الفنون لكنى اخترت الحصول على درجة الدكتوراه من المعهد العالى للفنون فقد كنت اشعر دائما بميل للبحث والدراسة الى جانب الموسيقى. وانضممت لاوركسترا القاهرة السيمفونى منذ عام 1995 وأقمت اول حفل سولو فلوت فى عام تخرجى عام 1998.
لم تكتف رانيا بحفلاتها الخاصة ومع اوركسترا القاهرة ولكنها قامت بتأسيس فريق عائلى يضم ابنتها وابنها «يحيى وفريدة» فقد انتقل إليهم عشق الفلوت وأصبحا يشاركونها فى الحفلات. تحلم د. رانيا بتدريس الموسيقى فى المدارس وكما تقول فقد علمتنا دراسة الموسيقى قبول الأخر والانفتاح على الثقافات المختلفة فمن يحمل آلة موسيقية لا يمكنه أن يحمل آلة للقتل والتدمير.
رابط دائم: