رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

مؤسسات الدولة واستثمار الأصول

عندى يقين أن الأشياء أغلى من الأموال وأن البشر أفضل ما تملك الشعوب وأن هناك أشياء تباع وأشياء ينبغى ألا تباع .. وإذا كان كل إنسان ألزمناه طائره فى عنقه فأنا أعترف بأننى كنت أعارض برنامج الخصخصة فى سنوات عبرت وكنت أرى فيه تجاوزات كثيرة ..

< كان أخطرها أننا صنعنا طبقة جديدة من السماسرة والمغامرين وتجار الفرص.. وأعترف بأننى كنت شاهدا بل مراقبا لأهم الصفقات التى تمت فى برامج الحكومات السابقة .. ابتداء بصفقة بيع ٣٦ ألف فدان لاحدى الشركات العربية فى العياط وهى قضية مازالت أمام القضاء حتى الآن وانتهاء ببيع شركات الاسمنت لشركة لافارج الفرنسية مرورا على وقف بيع حديقة قصر محمد على بالمنيل مرورا على شركات الأغذية والغزل والنسيج والمحالج والفنادق ومنها فندق المريديان وقد اقترب الآن من عشرين عاما وهو يغلق أبوابه.. لقد كنت شاهدا على ذلك كله ومن هنا مازال الخلاف قائما هل نبيع الأصول أم نستثمرها .. خاصة أن مبدأ البيع سيطر على فكر سلطة القرار فى أكثر من حكومة وأكثر من مسئول..

< إن الخلاف مازال قائما رغم أن هناك الآن أصواتا تفضل قضية الاستثمار عن فكر البيع .. خاصة فى صفقات الأراضى وقد توسعنا كثيرا فى سياسة البيع .. وهنا لابد أن أتوقف عند بعض الأفكار حتى لا تتكرر أخطاء حكومات سبقت..

أولا : إن هناك أكثر من جهة الآن لديها ملفات الأصول التى يمكن أن تعرض للبيع أو الاستثمار.. هناك وزارة التخطيط ووزارة قطاع الأعمال العام والصندوق السيادى .. والشركة القابضة لقطاع التأمين ووزارة الإسكان وهيئة التعمير وهذه المؤسسات لديها سلطات كاملة تمنحها الحق فى بيع أصول الدولة باختلاف أنواعها .. إن وزارة قطاع الأعمال العام تسيطر على أصول المشروعات الصناعية وهى تملك الجزء الأكبر من الصناعات التى تملكها الدولة ومنها الحديد والصلب وكفر الدوار والمحلة وأسيوط للاسمنت ومنها مشروعات معروضة للبيع .. وأخرى تسعى الحكومة إلى تطويرها وإعادتها للإنتاج مرة أخرى .. ولا شك أن فيها مشروعات يمكن أن تجد شراكة مع مستثمرين مصريين أو أجانب أو عرب وهذا أفضل كثيراً من بيعها..

ثانيا : هناك مساحات كبيرة من الأراضى سوف تخلو مع انتقال مؤسسات الدولة إلى العاصمة الجديدة .. ويبدو أن فكر المسئولين يتجه إلى بيع هذه الأراضى لمستثمرين عرب أو أجانب وإن كنت أفضل أن تباع لأموال مصرية..

ثالثاً : لا أحد يدرى حتى الآن ما هى توجهات الصندوق السيادى وهل يتجه إلى الاستثمار والبيع وما هى الأصول التى يتحمل مسئولية تسويقها .. وهل هى الأصول القديمة أم هى أصول من العقارات والأراضى والمباني..

رابعا: إن أهم ما فى هذه الأصول هى الأماكن التاريخية من الوزارات والقصور .. وهنا سوف نجد مبانى مجلس الشعب ومجلس الوزراء ووزارة الإنتاج الحربى وعددا كبيرا من السفارات وهى ملك لأصحابها .. ثم تجيء منشآت أخرى مثل مجمع التحرير والجامعة الأمريكية ووزارة التربية والتعليم وهذه المنشآت تحتاج إلى تشكيل لجنة من الخبراء لوضع تصور عن مستقبلها والاستفادة منها .. حتى لا تتحول إلى أماكن مغلقة كما أن الاستفادة منها أو تأجيرها تحتاج إلى قدر كبير من الوعى والفكر والرؤي..

< نحن أمام تحول كبير فى موقفنا من قضية أصول الدولة وهى ليست أصولا عادية إنها القاهرة أغلى ما نملك من القيمة والتراث .. خاصة بعد أن شهدت برنامج تطوير وتجميل منحها الكثير من المعاصرة والجلال .. إن المطلوب الآن أن يتم التنسيق بين مؤسسات الدولة التى تملك الحق فى التعامل مع أصول الدولة بيعا أو استثمارا .. إن تحدد المواقف ما بين ما لا يباع وبين ما يصلح للاستثمار أو مجالات أخرى يمكن بيعها والاستفادة منها ..

< نحن أمام قضية خطيرة وقرارات صعبة ينبغى ألا تكون فى يد مسئول واحد ويجب أن نحرص فيها على أكبر قدر من الأمانة والشفافية .. لقد بقيت شهور قليلة على انتقال أهم وأكبر مؤسسات الدولة إلى العاصمة الجديدة .. وسوف يترك ذلك فراغا كبيرا فى عاصمة المعز ويجب أن نقف بجلال أمام مبانيها العتيقة ونسأل أنفسنا ماذا نحن فاعلون أمام تاريخ لا يباع؟! .. وأمام منشآت يمكن أن نعيد استثمارها وأمام صناعات يمكن أن تنتج وأخرى يمكن أن تباع ..

< يجب أن تبقى القيمة فوق كل شيء إن بيع مشروعات خاسرة غير التفريط فى أصول من حق أجيال قادمة وعلينا أن نكون أمناء على أصول تباع وأخرى ينبغى ألا تباع .. أعترف بأننى كنت دائما مشغولاً بكل ركن فى أرض المحروسة وأرى أن الأجيال لابد أن تحفظ حقوق أجيال قادمة وتدرك مسئوليتها فيما يباع أو ما لا يباع..

< نحن الآن أمام أكثر من وزارة وهيئة تملك سلطة القرار تجاه أصول الدولة .. بعضها قديم مثل وزارة التخطيط ووزارة قطاع الأعمال العام والبعض الآخر جديد مثل الصندوق السيادى وله اختصاصات كثيرة .. ولا أعتقد أن الاختصاصات مفتوحة بيعا أو استثمارا ولهذا يجب أن تخضع جميعها لضوابط صارمة فى الإجراءات والضوابط والتنسيق الكامل .. إن تعدد الجهات المسئولة عن الأصول فى الدولة يتطلب أن تكون تحت سلطة قرار نهائى يتسم بقدر من المركزية والشفافية..

< نحن كما قلت أمام أصول ضخمة وتتمتع بمكانة خاصة على المستوى الحضارى والتاريخى .. وهناك أطراف وجبهات كثيرة متربصة بالكثير من هذه الأصول وينبغى أن نكون على وعى كامل بما يدبر لنا .. إننا أمام التزامات مالية ضخمة فرضتها خطط برامج الإصلاح الاقتصادى سوف نحتاج أموالاً كثيرة ما بين الديون والتوسع العمرانى والبنية الأساسية .. وأخشى أن يكون بيع الأصول هو اقرب الحلول أمام الدولة ..وإن كنت أرى أن الإنتاج والعمل وترشيد الإنفاق والسياحة والعاملين والضرائب كلها موارد يمكن أن تكون أهم كثيراً من بيع الأصول..

< سوف تبقى المنشآت المهمة والتاريخية مصدرا للتساؤل والقلق ماذا نفعل بها ، وكيف نستفيد منها ، أو نعيد استثمارها.. خاصة أن للتاريخ قدسيته ولهذه المنشآت قيمتها .. يبقى الخلاف قائما حول قضية البيع أو الاستثمار وإن كنت أفضل أن يكون الاستثمار هو طريق البناء والإنتاج والعمل .. بعد شهور قليلة سوف نجد مبنى مجلس النواب خاليا من جلساته وذكرياته فمن يا ترى سوف يسكن هذا المبنى العريق .. وسوف نجد مبنى مجلس الوزراء بلا اجتماعات أو حوارات وقرارات فما هو مصير هذا كله .. وماذا ينتظر قصر وزارة التربية والتعليم ووزارة الإنتاج الحربى أمام ضريح سعد زغلول زعيم الأمة..

< تساؤلات كثيرة حول القاهرة العريقة وما ينتظر مبانيها الشامخة فى ثوبها الجديد .. فى أحيان كثيرة تكون التحولات الكبرى مثاراً للخلاف والحيرة والتساؤل وهذا حالنا الآن.. ويبقى السؤال إلى أكثر من مسئول تحت يديه مشروعات ومنشآت وتاريخ وصناعات وأرزاق للناس ماذا نفعل بأصول الدولة هل نبيع هل نستثمر والقرار يحتاج الكثير من الأمانة والحكمة..

< أصول الدولة قضية وطن وشعب وأجيال لها حقوق ولابد أن تكون مثارا للحوار حتى لو اختلفنا حولها .. ولكن ينبغى ألا تكون قرار مسئول أو مؤسسة أو وزارة مهما تكن عوائد المال فإن الأصول أغلى من كل أموال الدنيا فما بالك إذا كانت التاريخ والقيمة والتراث.

 

ويبقى الشعر

نِيلٌ لأيّ زمَان ٍصرْتَ يَا نِيلُ

هلْ كلُّ لغـو لديكَ الآنَ تنزيلُ ؟

هلْ كلٌ زيف ٍتَراه ُالآنَ معجزةً

هلْ كلُ سُمَّ على كفيكَ تقبيلُ؟

هلْ كلُ فجْر ٍعلى الأشْهادِ تَصلبهُ

هلْ كلُ نارٍ على عَينيْك َقِنديِلُ؟

هلْ كلُ من شَيدَ الأصْنامَ تعبدهُ

أمْ كلُّ مَنْ بهْرجَ الكلماتِ جبريلُ؟

أيْنَ الشَّموخ الذى أصْبَحتَ تجهلهُ

السـَّـيْفُ ماتَ ..فأغرتنَا الأقاويلُ

<<<

عـــِـشْنا مَع الحــُـبَّ أطـْـفالاً تُدللنـَـا

تنسَابُ شوْقاً ..وبعْضُ الشَّوق ِتدلِيل

كُنتَ الحَبيبَ الذِى دَاوَى مَوَاجِعنَا

أيْنَ الهَوى والمُنَى..أين َالمَواوِيلُ؟

قـدْ كُنتَ يَا نيلُ خَمراً لاَ نُحرَّمُها

أصْبحْتَ سُمّا.. فهلْ للِقتل ِتَحليلُ؟

قَدْ شَوهُوا الصبحَ فيِ عَينيْكَ مِنْ زَمَنٍ

فـَـــالطين مِسكُ..وخِزْيُ العَارِ إكْليلُ

كَمْ مَاتَ صَوْتي. فَهلْ أدْمنتَ مَقتلنَا

هــلْ كُلُّ قـــوْل ٍوإنْ يَخْدعْكَ إنجيلُ؟

الصَوتُ صَوْتى ..تُراكَ الآنَ تُنكِرُهُ

أمْ ضَاعَ صَوْتَى لأنَّ العُرسَ تَطبِيلُ؟

<<<

قـَــالـُوا لنَا منْ يَذوقُ النَّهرَ يـذكُرُه

الناسُ تنْسَى ..فبعْضُ العِشق ِتَذليلُ

كُنت َالشُموخ َالذِى لاَ شَيْء يَرهــبُهُ

فـَالماءُ وَحْيٌ..وصَوتُ الطَّيْر تَرتيلُ

كُـــنتَ المَلِيك َالذِى يــأتيِ ونَحـــملُهُ

فـالزَّهرُ يَشْدُو وهمْسُ الكَونِ تَبجيلُ

<<<

وَجهى ِالذِى لم يَعدْ وَجْهى..أطارِدُهُ

فى كُــــل شْيءٍ..فيبدُو فِيــك يَا نِيـلُ

فــيِ الطَّيــن ألـقاهُ حِينًا..ثُم أحْملُـه

مَــزقتَ وَجْهِي..ومَا للوجهِ تبديلُ

وَجْهى الذى ضَاعَ فى عَينيكَ مِنْ زَمَنٍ

يـَـجفُــو قـَـليلاً ..وتُنسـيهِ التَّعــَـاليِــلُ

ضَيــعْتَ وَجْهاً جَمـيلاً عِشـتُ أعْشَقــهُ

مـَــا أسْوَأ العُمـْــرَ لوْ ســـــادتْ تماثيـــلُ

<<<

غَيرتَ لَونِى الذى مَا زلْتُ أذكرُهُ

أصبْحتُ مَسْخـًا..وَمَا للَّونِ تَعديلُ

فيِ كُلَّ شيءٍ نرَاكَ الآنَ تَسرقِـُنا

فـَالحــُـلمُ دَينٌ..وكُل العُمر ِتأجيلُ

أرْضَعتـَنَا الحُزْنَ فى الأرْحامِ نَشْربُهُ

صِرنَا دُمـُــوعًا..وملَّتنَا المـَــوَاويلُ

مَا زالَ يَا نيلُ عِشقَى فيكَ يَهزِمنِى

والعِشقُ كـَــالداءِ..لا يَشفيــِـهِ تأمِيلُ

يَكفيكَ يَا نِيلُ مَا قدْ ضَاعَ مِنْ زَمَنٍ

لَنْ يَنفــَعَ القُبـحَ مَهمَا طالَ تَجمِــيلُ

إنْ صَارتِ الأرضُ أقزَامًا تُضللنَا

لنْ يـْرفعَ القـَـزْمَ فَوقَ الأرضِ تـَهْليلُ

أحْلامُنَا لَمْ تَزلْ فى ِالطين ِنَغرِسُهَا

إنْ يَرْحــلِ العُمــرُ..مـَـا للِحـُـلم ِتـَـرحِيلُ

<<<

مَا زالتِ الأسْدُ خَلفَ النهْرِ تَسألهُ

هـَـلْ يُنجبُ الطُّــهر إفــكٌ..أو أبـَـاطِيـلُ؟

فلتُغرقِ الأرضَ نوراً كيْ تُطهرها

مـَـا أثـْــقلَ العـُـمرَ..سـَـجَّانُ..وتـَـنـكِيلُ

أطلِقْ أسودَ الوَغَى للنَّهرِ تَحْرُسُهُ

لـَــنْ يَحــرُسَ النْهــرَ بَعدَ اليوْمِ تَضــْـليلُ

لنْ يَقتُلوا الشَّمسَ مَهْمَا غَابَ مَوْعِدُهَا

إنْ مَزقُوا الشَّمْسَ..لَنْ تَخبُوا القناديلُ

مَا زِلتَ فيِ العَيْن ضوءاً لا يُفارِقنَا

فالـــُكلُّ يَمـْـضي..وتبقـَـى أنتَ يَا نِيــلُ

<<<

[email protected]
لمزيد من مقالات يكتبها فاروق جويدة

رابط دائم: