رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

أحمد حسن الزيات.. «الرســـالة» لا تزال تقرأ

كتب ــ محمد القزاز
> الزيات يقرأ الصحيفة

مات الأديب أحمد حسن الزيات (2 إبريل 1885 - 12 مايو 1968) وقبل مماته بخمسة عشر عاما توقف مشروعه الأهم وهو مجلة «الرسالة»، التى كانت ملء السمع والبصر،

ودارت فيها أشهر المعارك الأدبية، لكن شعاعها لم يتوقف، ومعينها لم ينضب بعد، فلا تزال المجلة بأعدادها فترة 20 عاما متصلة، قبلة الباحثين والدارسين، ولا تزال تشكل أحد أهم مصادر الثقافة خلال القرن الماضى، وزادا وفيرا لكل من يتلمس خطواته الأولى فى الثقافة والأدب.

> ..وفى لقاء بحضور إبراهيم نافع

أحمد حسن الزيات باشا أحد كبار رجال النهضة الثقافية فى مصر والعالم العربى، رابع الثلاثة الكبار: مصطفى صادق الرافعى، وطه حسين، والعقاد، لكن الأديب العراقى جمال الدين الآلوسى يذهب أبعد من ذلك فيقدمه على هؤلاء الثلاثة، إذ يقول: «الزيات أحد الكُتاب القلائل، الذين يكتبون لغتهم عن علم، ويفهمون ويعالجون أدبها عن فهم وإدراك، أمثال العقاد، والرافعى، وطه حسين، ولكن الزيات أقوى الثلاثة أسلوبا، وأوضحهم بيانا، وأوجزهم مقالة، وأنقاهم لفظا. يُهَنْدِسُ العبارة قبل أن يُسطِرها على الورق، ويصطفى الكلمة قبل أن يرصفها مع لِداتها، يُعنى بالازدواج، ويُغرم بالتجنيس والطِّباق. وعند الكثرة الكاثرة هو أكتب كُتاب المقالة الأدبية المثالية، وأشد الكُتاب التزاما بالأساليب العربية المُشرقة، وأكثرهم عنايةً باللفظ الأنيق للمعنى الرفيع، يُعطى الكلمة حقها، ويُقدِرها حق قدرها»، ويميل إلى الرأى السابق كثيرا صلاح حسن رشيد فى كتابه» مجمعيات أحمد حسن الزيات» فيقول إنه كان» عميداً للأساليب العربية فى القرن العشرين، فهو مدرسة عريقة فى البلاغة الجديدة، والتفنُّن الصياغى، والأداء المُحكم، والتجديد فى الألفاظ والمعانى، ومُصاولة فحول العربية، وبلغائها أمثال عبد الحميد الكاتب، والجاحظ، وابن العميد، وأبى حيان التوحيدى، وغيرهم من أعلام الكتابة العربية، حتى أصبح ركناً ركيناً من أعمدة الأدب الحديث.

> ..ومع أحمد لطفى السيد

كانت غاية الزيات من مجلته «الرسالة» كما قال فى العدد الأول منها « أن تقاوم طغيان السياسة بصقل الطبع، وبهرج الأدب بتثقيف الذوق، وحيرة الأمة بتوضيح الطريق، أما مبدأ الرسالة فربط القديم بالحديث، ووصل الشرق بالغرب»، لذا تميز الزيات بأسلوبه الرشيق فى كل كتاباته، ولغته السليمة، وحصافته الفقهية التى مكنته من الإلمام بكل المواضيع والقضايا فى شتى مناحى الحياة.

منذ زمن بعيد والزيات يحث العرب على القراءة والكتابة، ويرى أننا «ما دمنا لا نرى الكتابَ ضرورةً للروح ، كما نرى الرغيفَ ضرورةً للبدن، فنحن مع الخليقة الدنيا، على هامش العيش أو على سطح الوجود»

كانت الرسالة وغيرها من مؤلفات الزيات زادا وفيرا لكل من يتلمس خطواته الأولى فى الثقافة والأدب وغيرها من شتى العلوم، فيصف المفكر والفيلسوف زكى نجيب محمود فى مقالة له تحت عنوان «منابع التحصيل» بما أحدث أسلوب الزيات فيه «فُتنتُ بأسلوب الزيات يومئذٍ؛ فلا هو الأسلوب الذى يفوح برائحة القِدم من لفظٍ غريب وسجعٍ أغرب، ولا هو الأسلوب الذى يخلو من العناية الشديدة باختيار اللفظ، وصَقل العبارة، وحُسن التركيب فى الجملة الذى يُعطيك شيئًا من التوازُن بين أجزائها».

حين بدأت «الرسالة» فى الصدور فى ثلاثينيات القرن الماضى، كانت مصر والمنطقة العربية تشهد زخما ثقافيا لا مثيل له، وكانت الصحافة فى القلب من هذا الزخم، وهو ما حدا بالكاتب أديب مروّة فى كتابه «الصحافة العربية نشأتها وتطورها» أن يلقى الضوء على أهمية الصحافة فى تلك الفترة، فيقول: «لسنا فى حاجة إلى تبيان الدور الكبير الذى قامت به الصحافة فى تاريخ نهضتنا الحديثة، إن كان فى ميدان السياسة أو الاجتماع أو الاقتصاد أو الأدب أو العلم أو حتى اللغة بصفة خاصة، فالصحافة وحدها هى التى كونت لغتنا المعاصرة التى نكتب بها اليوم وجعلتها على مثل هذه السهولة واليسر والبساطة فى التعابير والوفرة فى الكلمات المستحدثة المألوفة، كما أن الصحافة هى التى أسهمت إسهاما فعليا فى كفاح جميع البلدان العربية إلى أن نال معظمها الاستقلال».

على أن حلم الزيات الذى لم يتحقق طيلة حياته، وأدركه الموت قبل تحقيقه، أبصر النور العام الماضى فقط، بعد نحو 53 عاما من وفاته، فقد ظل الأديب الراحل يتمنى أن يكتب سيرته الذاتية فى حياته، وشرع فى كتابة مقالات كثيرة لتكون بذرة لهذا الكتاب، لكن مؤلف الكتاب د. عبدالرحمن بن حسن قائد تولى هذه المهمة صلةً لرحم الأدب، وبرًّا بتحقيق أمنية الزيات هذه التى ظلَّ يتمنَّاها نحو أربعة عقود، فسماه «ذكرى عهود أشلاء سيرة ذاتية للأديب الكبير حسن الزيات» حررها، ورتبها على عهود حياته، ونظَّمها واعتنى بها كما كان يريد أن يفعل أو كما لعله قد فعل، حتى استوى كتابًا مشرق الوجه، من أجمل ما تتمنى قراءته فى أدب السيرة الذاتية البليغة المعاصرة.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق