رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

إنسانية المواطنين

فى كثير من الأحيان يأخذ بعضنا الحقد الى طريق مسدود ويجعلنا نتخبط فننسى إنسانيتنا وآدميتنا ونرفض كل شيء يعود بالنفع علينا أو على مواطنينا. مثال على ذلك ما يقوله البعض منا على جزء من مشروع حياة كريمة الموجه من الحكومة إلى ريف مصر، وتحديدا الجزء الخاص بصرف الاموال فيه على الصرف الصحي. سمعت من يقول ليه كل الفلوس دى على الصرف الصحي، هو حد طلب صرف صحى للفلاحين.

نعم يوجد من طلب من الحكومة تنفيذ مشروع الصرف الصحى لريف مصر. انا منهم. ومنذ زمن ومنذ ان اكتشفت أن كل وأكرر كل الحكومات السابقة منذ بداية نهضة مصر أنكرت هذا الحق الانسانى على الريف المصرى حتى فقد الريفيون بيئتهم الصحية وفقدت الارض الزراعية جانباً، من حيويتها. فلم تع الحكومات كلها أن قضية توفير المياه النقية للريف تدخل فى منظومة متكاملة. فإذا أردنا إدخال المياه النقية الى الريف المصرى فعلينا لان نعرف أين سيذهب صرفها. حتى وصلنا الى نتيجة ان 3% من ريف مصر يحتاج للمياه النقية مقابل احتياج 97% منه للصرف الصحي. نضيف الى ذلك نتائج إهمال الصرف الزراعى فباتت الارض الزراعية تحتاج الى هذا الكم من الانفاق الذى تعلنه الحكومة لنعيد إصلاحها. بمعنى إعادة بناء البنية التحتية للريف المصرى ليصبح صالحا للحياة وللإنتاج.

ولدى ثلاثة مواقف مررت بها فى حياتى علمتنى المعنى الحقيقى للتوزيع العادل لخيرات البلاد بحيث نعبر عن الانسانية لكل منا بالتساوى والعدل. الاول كان فى نهاية تسعينيات القرن الماضى عندما قابلت السيدة الدكتورة ليلى اسكندر فى محافظة المنيا. يومها روت لى كيف انها أدخلت نظام الصرف الصحى فى قريتها فى المحافظة. كان والدها قد توفى تاركا الارض لمسئوليتها. وبجانب الاهتمام بالأرض كونت السيدة ليلى جمعية تنمية وبدأت تجمع التبرعات من أجل إدخال الصرف الصحى فى منازل القرية. ولم يكن الصرف الصحى كما نعرفه فى العاصمة وإنما كان نوعا من الصرف الذى يضمن عدم خروج النساء الى خارج القرية ليلا لقضاء حاجاتهن. ثم طلبت منى الدكتورة ليلى زيارة المنازل للتأكد من كلامها. وبالفعل اتجهت الى المنازل وقابلت السيدات اللاتى ذكرن مع اختلاف العبارات ربنا يستر عرضها زى ما سترت عرضنا. لحظتها لم أفهم المعنى الحقيقى للدعوة، فهمت أن الدكتورة ليلى اسكندر التى عينت بعد ذلك وزيرة للبيئة انها بالفعل أفادت القرية.

وكان الحادث الثانى عندما ذكر لى الدكتور محمود شريف كنا زملاء فى المجلس القومى للمرأة انه عندما كان وزيرا للإدارة المحلية لاحظ أثناء مروره على بعض قرى الصعيد عدم دخول الكهرباء على إحدى القرى دون كل القرى المجاورة لها وعندما سأل زملاءه أخبروه ان رجال القرية رفضوا مشروع أنارة القرية لأسباب لم يذكروها. فطلب الوزير زيارتهم. فعلم أنهم رفضوا إدخال الكهرباء لأن بيوتهم ليس بها دورات مياه، وأن نساء القرية يتجمعن بعد الغروب فى الظهير الصحراوى للقرية ليقضين حاجاتهن وهم كرجال يفضلون سير نسائهم فى الظلام بدلا من النور. ثم وصل معهم الدكتور الوزير الى اتفاق يقضى بإدخال الكهرباء مناصفة بين الوزارة واهل القرية مقابل إنشاء دورات مياه فى المنازل مناصفة ايضا بين الوزارة وأهل القرية. واتفقوا وحدث أن دخلت الكهرباء القرية وامتلكت كل أسرة دورة مياه ولم تعد النساء يخرجن ليلا الى الخلاء.

والقصة الثالثة كانت مع الدكتور إبراهيم ريحان الاستاذ الجامعى والذى كان مسئول إدارة القرى فى وزارة التنمية عندما كان الراحل الدكتور عبد الرحيم شحاتة وزيرا للتنمية الريفية. فى هذه الفترة كانت الدولة تحاول ان تجمع بعض الآراء عما يريده المواطنون من خطة التنمية وبعد تجميع اراء الريفيين اتضح انهم يطالبون بالصرف الصحى فى قراهم، وان عدد الطلبات من صعيد مصر كان 240 الف طلب. إذا كان هناك طلب عام لبناء نظام او منظومة للصرف الصحى فى الريف. وكان البعض منا يسمعها والآخر لا يسمعها. كان الذين يسمعونها هم الاكثر حساسية لمطالب الفقراء، أو بالمعنى الأدق لإنسانية الفقراء وآدميتهم. اما الذين لا يسمعونها فهم الذين يعيشون لذواتهم ولا يطالبون إلا مصالحهم الخاصة جدا. ولكن الحمد لله أن لنا رئيس دولة من الجماعة الأولى ذات الحساسية لمطالب الفقراء.

ولا شك ان حوارات عديدة دارت قبلا حول الصرف الصحى وإدخاله لكل مصر. وكان الخلاف حول الميزانية. أحد الوزراء دون ذكر اسمه كان يطرح تعميم نظام الصرف كما هو فى المدينة. أما بعض الخبراء ومنهم الدكتور إبراهيم ريحان أستاذ الزراعة فكان يرى ان نظاما خاصا يحتاجه الريف بقراه وتوابعه وأن هذا النظام لن يحتاج الى ميزانية ضخمة، وإنما سيحتاج الى أموال تسمح بها قدرات مصر الاقتصادية الحالية. وذلك للتوزيع الهائل للقري، وللعدد الهائل للتوابع من عزب ونجوع وكفور. وعلى كل حال لا هذا الرأى أخذ به ولا ذاك، واستمر الحال على ما هو عليه مع الزيادة فى الأصوات المطالبة بالإصلاح. بالقطع ما تقوم به الحكومة الآن هو الصح، لأنها تعترف بأخطاء السابقين عليها الذين لم يخططوا للريف فى حين ان الفرصة كانت سانحة جدا فى سبعينيات القرن الماضى عندما كانت السيولة المالية فى القرى متدفقة بسبب حقبة النفط. ولكن لم تنتبه الحكومة فى ذلك الوقت، لأنها كانت مشغولة بالانفتاح الاقتصادي، وبدل ان توجه المال القادم الى الريف إلى داخله فى إصلاحات واستثمارات تركته ينزف الى خارجه فى شوارع المدن وتركت البنايات القبيحة تعلو فى شارع فيصل وغيره من الشوارع على حساب الأرض الخضراء التى تنتج غذاء الشعب المصري.


لمزيد من مقالات أمينة شفيق

رابط دائم: