رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

الدائرة اللبنانية المفرغة

انفض اللقاء رقم ١٨ بين رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون ورئيس الحكومة المكلّف سعد الحريرى دون إحراز أى تقدم فى مسألة الاتفاق على التشكيلة الحكومية، وفى الواقع فإن أحدًا لم يكن يتوقع الانفراج فى أزمة تشكيل الحكومة بعد هذا اللقاء، وذلك أن الأسباب الخارجية والداخلية لهذه الأزمة تعقدت أكثر فأكثر منذ عرَض الحريرى على عون أول تصور لشكل الحكومة قبل فترة طويلة. فى الأسباب الخارجية لتعثُر التشكيل هناك بالطبع قضية الملف النووى الإيرانى، ومَن ينظر إلى أداء الجماعات المرتبطة بإيران فى المنطقة يلحظ تصعيدًا كبيرًا جدًا خلال الأسابيع القليلة الماضية كنوع من استعراض القوة قبل الجلوس علانية إلى طاولة المفاوضات، هذا فضلًا عن استمرار تخفف إيران من التزاماتها فى الاتفاق النووى وصولًا لتهديد المرشد -فى اجتماعه مع مجلس الخبراء -بزيادة نسبة التخصيب إلى ٦٠% حيثما كان ذلك ضروريًا. أما فى الأسباب الداخلية لتعثر تشكيل الحكومة اللبنانية فيمكن القول إنها تتمثل فى ثلاثة أسباب رئيسة. السبب الأول هو تغيُر مواقف الأطراف السياسية الفاعلة من المبادرة الفرنسية، فبعد أن كان هناك قبول (ولو ظاهريا) لاقتراح ماكرون تشكيل حكومة من الاختصاصيين غير الحزبيين، أصبحت تُطرح فكرة تشكيل حكومة فى الحد الأدنى تكنو-سياسية، أى حكومة تجمع مابين اختصاصيين وحزبيين. ولقد تعرّض حسن نصر الله لتغيُر موقفه بوضوح فى خطابه الذى سبق اجتماع عون والحريرى الأخير، فذكر أنه كان قد وافق فى البداية على تشكيل حكومة اختصاصيين رغم عدم اقتناعه بها، لكن مع تعذُر التوافق على هذا التشكيل فإنه مع حكومة ذات ظهير سياسى لأنها ستتخذ قرارات اقتصادية صعبة وستحتاج لوزراء حزبيين يروجون لها. بطبيعة الحال يمكن الرد على هذا الكلام بالقول إن دعم القرارات الإنقاذية المؤلمة لا يحتاج إلى وزراء بخلفية سياسية بالضرورة، ثم إن الأداء الاقتصادى لكل الحكومات التى تشكلت فى ظل الرئيس عون كان أداء بائسًا تستوى فى ذلك الحكومات السياسية والحكومة التى قيل عنها إنها تكنوقراطية، وهذا يعنى أن هناك عوامل لا علاقة لها بخلفيات الوزراء مسئولة عن استمرار الأزمة الاقتصادية وتفاقمها، لكن لها علاقة بالفساد والصراع على السلطة.

السبب الثانى من الأسباب الداخلية للتعثر هو التوظيف السياسى لشعار حقوق المسيحيين بأكثر من أى وقت مضى، ومعلوم أن جبران باسيل- صهر الرئيس عون -يرفع هذا الشعار من سنوات ويقدّم نفسه بوصفه المتحدث باسم المسيحيين ليس فقط فى لبنان لكن ربما حتى فى المشرق العربى كله، ولننظر إلى رغبته فى أن يكون من بين مستقبلى بابا الفاتيكان عند زيارته للعراق!. وفى دفاعه عن حقوق المسيحيين يدعو باسيل لأن يسترد رئيس الجمهورية (المسيحي) صلاحياته الدستورية التى قلّصها اتفاق الطائف لصالح رئيس الحكومة (المسلم )، وبالتالى فمن المنطقى أن يرفض باسيل انفراد الحريرى بتشكيل الحكومة. وفى تلك الأجواء وبمناسبة أزمة التشكيل الحكومى الراهنة فُتح الباب على مصراعيه أمام المطالبة بتعديل الدستور على أساس أن فيه التباسا بشأن دور كلٍ من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة فى عملية اختيار الوزراء، وكذلك بسبب عدم وجود مدة محددة يتعين فيها إنجاز تشكيل الحكومة. ويمكن الرد على ذلك بأن من الوارد جدًا أن يكون الدستور فى حاجة إلى تعديل فى موضع أو آخر، لكن بالتأكيد ليس هذا هو التوقيت المناسب لتعديله ولبنان فى ذروة أزمة سياسية واقتصادية طاحنة، هذه واحدة. والأخرى أن التعاطى مع التعديل الدستورى يجب أن يؤخذ بحذر شديد فى ظل مطالبات شيعية متكررة باعتماد المثالثة فى توزيع المناصب، بمعنى أن يجرى التوزيع بين المسيحيين والسنة والشيعة وليس بين المسلمين والمسيحيين، فهذه المثالثة الدينية/الطائفية تزيد فى تفتيت لبنان. ولقد أعجبنى كثيرًا رأى البطريرك المارونى بشارة بطرس الراعى بخصوص المثالثة التى يرفضها إذ قال: لبنان هو تعايش إسلامى -مسيحى وكانوا يشبهونه للطير بجناحين تحطوا له ٣جوانح ما بيمشى.

السبب الثالث هو أن المواجهة بين عون والحريرى بلغت مديً لم يبلغه من قبل أى خلاف سابق بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكّلف، اتهامات متبادلة بالكذب ونشر وثائق ووثائق مضادة حول خفايا التشكيل الحكومى، ودعوة كل طرف الآخر إلى التنحى لحلحلة الأزمة. ليس واردًا بالنسبة لعون التنحى وهو الذى جاء لمنصبه بشق الأنفس، فضلًا عن حاجته لتمهيد الطريق لقصر بعبدا أمام جبران باسيل. وليس واردًا بالنسبة للحريرى أن يتنحى بعد أن ارتفعت شعبيته داخل طائفته بسبب أدائه القوى فى الدفاع عن صلاحيات رئيس الحكومة السنى، وهو يستفيد فى معركة التشكيل الحكومى من مسألة أساسية بالنسبة للمجتمع الدولى، وتلك هى التمسك بصيغة المبادرة الفرنسية عن حكومة الاختصاصيين، ورفضه كل الضغوط التى تُمَارس عليه لتغيير موقفه منها، فماذا تبقى إذن من احتمالات لتطور الأزمة اللبنانية؟ هذا هو موضوع مقال الأسبوع المقبل إن شاء الله.


لمزيد من مقالات د. نيفين مسعد

رابط دائم: