رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

الحصاد

كان الحوار صاخبا، ينبئ عن وجود جدال بيّن، لاسيما أن طرفيه راشدون، وبلغا من العمر كبره، كما يبلغ شيب شعرهم، وانحناءة ظهرهم، إلا أن موضوع الحوار كان كفيلا بجذب كل كيانى، وليس أذنى فقط، فالأول يجلس بجانبى فى أحد الأماكن منتظرا دوره، وطرفه الثانى يجلس أمامه يشكو إليه انصراف أبنائه عنه.

قد يبدو الحديث بسيطا وعاديا، فبعد زواج الأبناء قد تشغلهم هموم الحياة و متطلباتها، وقتا ما، فيغفلون السؤال عن آبائهم، ولأن السياق قد يكون مقبولا، فالعودة السريعة لمتابعتهم، وكسب ودهم، أيضا مقبولة.

إلا أن ما استوقفنى، رد فعل الرجل الآخر، حينما ذكره بظروفه وهو أصغر سنا، يبدأ حياته الأسرية، كانت تشغله همومه، بشكل يبعده عن متابعة والديه، حتى بالسؤال عليهم لبعض الأيام، فقد كان عمله شاقا ومجهدا، وكان يعتبر ذلك مبررا مقنعا لتأخير السؤال على والديه، فما كان من الرجل إلا أن سكت لفترة قصيرة، ولكنها كانت بالنسبة لى كسنوات كثيرة يعود بها بذاكرته للوراء، لمراجعة تلك الأحداث.

أومأ الرجل برأسه لمحدثه، وكأنها إشارة منه بقبول كلامه، حان موعد انصرافى، إلا أن حديثهم الممتلئ بالشجن، ذكرنى بحوار دار بينى وبين أحد الأصدقاء الذى يربى نجله العزيز على أحقيته فى فرض ولايته على بقيه أخواته البنات، لأنه ولده الوحيد، وقتها، قلت له، إن ما يفعله خطأ سيجنى تبعاته هو شخصيا فى أحد الأيام، وأعطيت له حكمة أؤمن بها، إذا زرعت شجرة، وتركتها تنمو دون رعاية منك، فيرتفع أحد فروعها مائلا، تركك له دون تقويمه، سيجعله يواصل انحناءه واعوجاجه. عندما تكبر الشجرة، سيكون حل تقويم الفرع المائل كسره و فصله عنها، وهو ما يعنى موت الفرع، وهو خيار صعب.

فهم صديقى مغزى الحكمة، وآثر إنهاء الحديث لرفضه رؤيتى، ومرت الأيام، لتجمعنا المصادفة، وأراه مهموما، يشكو لى نجله و سوء معاملته له و لأخواته، ويعلن لى ندمه على سوء تربيته، وعلى عدم الأخذ بنصيحتى له، ويقول لى إن ابنه أضحى الآن مثل فرع الشجرة المعوج، ولا يستطيع تقويمه.

غزت مجتمعنا فى الفترة الأخيرة بعض الظواهر الدخيلة علينا، ظواهر لم تكن مقبولة فى العقود السابقة، وأطلقنا عليها أسماء مؤلمة، مثل التنمر، فقد أمسى واقعا مفروضا، علينا التعامل معه، وفق مقتضيات خاصة، نمقته ونعلن بكل الطرق والسبل ذلك الكُره، ومازال ذلك منتشرا، ومع كل مرة تطفو على السطح تلك الظاهرة ببزوغ أحد التصرفات السيئة، نعاود ادراج الحديث عن التنمر وسوءاته، وتناسينا أو تغاضينا عن سبب ظهوره، ومن ثم الطريقة الصحيحة لعلاجه.

إن الأسرة وطريقة التربية سبب رئيسى فى ظهوره، فحينما تربى الأبناء على السلوك السليم والصحى، سيكون نموهم سليما وصحيا بالتبعية، والعكس صحيح بكل تأكيد، ولا يمكن إنكار بقية المؤثرات، مثل البيئة التعليمية والدينية، ولكنها تأتى فى مراتب تالية. وينتقل الحديث لسلوك بدأ يظهر ولم ينتشر، ولكنى أراه أكثر سوءاً من التنمر، إنه التسلط، هذا السلوك، قد يفسر لنا بعض الانحرافات المجتمعية التى نؤكد على مقتها، دون التعامل الحاسم معها بالجدية اللازمة لوقفها.

فزيادة معدلات الطلاق بدرجة ملحوظة، أحد مراجعه الأساسية، التسلط، ولأن قرار الطلاق بيد الرجل، فيكون التسلط السمة الأكثر وضوحا عنه، رغم أن تلك الصفة ليست لصيقة به وحده، إلا أن تبعات الطلاق فى الأغلب مؤلمة، خاصة حال وجود أبناء لهذا الزواج، وأغلبنا يعلم قصصا غير مرضية لآليات التعامل بين المطلقين، خاصة فيما يتعلق بأبنائهم، غير عابئين بمردود تلك التصرفات على مستقبل الأبناء. من الحالات الغريبة، حالة طلاق كانت ثمرتها ابنة جميلة، فى العقد الثانى من عمرها، تم الطلاق وعمرها عامان، يرفض والدها الإنفاق عليها، ولم يشاهدها مرة واحدة منذ الطلاق، فما كان من ابنته إلا أن غيرت اسم عائلتها لتجعله اسم عائلة والدتها، رغم أنه لا توجد إحصائية دقيقة للأبناء من أُسر مُطلقة، إلا أن هناك مئات الآلاف من الحكايات المشابهة، لتسلط الآباء، يدفع ثمنها الأبناء، ولا يخفى علينا أننا بتلك الكيفية نقدم للمجتمع نماذج مشوهة، إلا ما رحم ربي.

نماذج التنمر والتسلط كثيرة ومتشعبة، نكاد نحتك بهم يوميا فى ظروف ومواقف متغيرة، أكثر أدوات تعاملنا معهم غالبا تجنبهم، ولكننا لم نقدم على حل واضح لعلاج تلك الظواهر الآخذة فى النمو بشكل قد يجعلنا ندفع ثمنا باهظا مستقبلا.

هل القانون كفيل بضبط النفس؟ الإجابة بكل تأكيد لا، فما العمل؟

بات جليا، أن ما تزرعه، هو ما ستحصده، ولأن المجتمع أسرة كبيرة تتكون من أُسر صغيرة، علينا، وبهدوء، البحث عن طرق مختلفة غير مباشرة، تدعم تقويم السلوك، من نواح عديدة، بدءًا من الدروس الدينية فى المساجد والكنائس، التى تٌعلى قيم السلوك المنضبط، مع استحداث مادة التربية السلوكية،فى المدارس، التى تربى الأبناء على القيم السلوكية الحميدة، فهم آباء المستقبل، وصولا للإعلام، وبخاصة الدراما، فأثرها كبير على البيئة المصرية، فبقدر إبراز النماذج المنضبطة لتكون قدوة، بقدر استشرائها فى المجتمع. فإن أردنا حصادا جيدا، علينا متابعة الزراعة بدرجة جيدة.

[email protected]
لمزيد من مقالات عماد رحيم

رابط دائم: