رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

حول زيارة بابا الفاتيكان للعراق

على مدى نحو أربعة أيام قدّم العراق للعالم صورة مشرّفة تليق بحضارته العريقة التى تضرب فى عمق التاريخ ، فكل محطة من المحطات التى توقف بها البابا فرانسيس بابا الفاتيكان لها بصمة على تاريخ المنطقة والعالم، من بغداد مقر الخلافة العباسية، إلى النجف الأشرف حيث ضريح الإمام عليّ بن أبى طالب، إلى أور التى انطلق منها سيدنا إبراهيم أبو الأنبياء ، إلى قرة قوش بيت الآلهة سنوات طويلة قبل الميلاد. وفى كل تلك المحطات كان تنوع العراق حاضرًا بمسلميه ومسيحييه وصابئته وأيزيدييه، وممثلًا بعربه وأكراده وآشورييه، وهذا جزء أصيل من خصوصية الشعب العراقى. فى تحليل هذه الزيارة قيل كلام كثير عن تسليطها الضوء على مسيحيى العراق الذين كانوا هم والأيزيديون من أشد العراقيين معاناة من ويلات الإرهاب، وبدا مشهد القدّاس الذى أقامه البابا فرانسيس ، فى ساحة حوش البيعة بالموصل قرب الأطلال الكنسية، غنيًا عن أى تعليق. لكن بالتأكيد فإن المحطة الأهم فى زيارة الحَبْر الأعظم للعراق كانت هى محطة النجف ولقاءه المرجع الأعلى للشيعة السيد على السيستانى، فبالنسبة لكثيرين من خارج العراق اقترن التشيع فى أذهانهم بإيران وارتبطت المرجعية الشيعية العليا بآية الله على خامنئى ، ولعلها المرة الأولى التى يدرك فيها هؤلاء محورية دور حوزة النجف فى المذهب الشيعى، وأن التشيع انتقل من العراق لإيران وليس العكس . هذا التطور المهم حمل البعض على القول إن زيارة البابا للنجف جعلت منها مركز التشيع فى العالم مايعنى أنها سحبت البساط من حوزة قم . وساعد على شيوع هذه الفكرة /الأمنية أنه بعيدًا عن المجاملات الدبلوماسية الإيرانية التى رحبّت بالزيارة ، تعامل الإعلام الإيرانى مع زيارة البابا ببعض التحفظ ، بل وتخلى بعض الصحف عن هذا التحفظ أحيانًا حتى أن صحيفة جماران الإيرانية علّقت على الزيارة بما نصه: نحن لا نشعر بالغيرة من زيارة البابا فرانسيس للنجف...نحن مَن زرع البذرة ونحن مَن عرّف الشيعة للفاتيكان ، والفاتيكان سعى فى أكثر من مناسبة لزيارة إيران. والنص الأخير الذى تنسِب فيه إيران لنفسها فضل زيارة البابا للعراق إنما يذكّرنى بقول خامنئى فى عام 2011 إن المصريين نقلوا عن إيران ثورتها الإسلامية، وهذا جزء من الاستعلاء الفارسى فى التعامل مع العرب شيعةً وسنةً. على أى حال، أدت الزيارة إلى تعزيز الوضع الدولى لمرجعية النجف وهذا واضح، أما أن النجف تحولت بسبب هذه الزيارة إلى مركز التشيع فى العالم فتلك مسألة فيها نظر .

لم تكن قضية المرجعية وحدها هى القضية التى دار من حولها النقاش سواء فى أثناء الزيارة أو بعدها ، فهناك على الأقل ثلاث قضايا أخرى كانت محل نقاش واسع . القضية الأولى تتعلق بتكييف زيارة البابا، وفِى هذا السياق برز اتجاه فى التحليل يجرد الزيارة من أى أبعاد سياسية ويعتبرها زيارة روحية خالصة تهدف لبث قيم التسامح والسلام والعيش المشترك بين البشر ، وهذا كلام يحتاج إلى الرد عليه، فكل قيمة من القيم المذكورة لها مدلولات سياسية ترتبط باحترام التعددية بمعناها الواسع ووقف الصراعات الأهلية وحصر السلاح بيد الدولة ، وقد دعا البابا بالفعل الحكومة العراقية إلى حسن الأداء ومقاومة الفساد ووقف العنف ، ومن جانبه نُقل عن السيستانى أنه اشتكى للبابا من الطبقة السياسية العراقية ، فأين هو الحد الفاصل بين السياسى والدينى فى هذه الحالة؟. القضية الثانية ترتبط بتأويل الصلاة التى أقامها البابا فى مدينة أور، وهى الصلاة التى ركّزت على الجذر الإبراهيمى المشترك للديانات السماوية الثلاث اليهودية والمسيحية والإسلام. وفِى هذا التأويل ذهب البعض إلى اعتبار أن القدّاس البابوى فى أور جاء ليمثّل ترويجًا للسلام الإبراهيمى ومقدمةً لتطبيع العلاقات بين العراق وإسرائيل . وبصفة شخصية فإننى أتفهم منطق هذا التحليل على ضوء توظيف فكرة التشارك فى الأصل الإبراهيمى بين الديانات الثلاث من أجل تطبيع العلاقات العربية -الإسرائيلية .لكن الموضوعية تقتضى القول إن البابا منذ بداياته الأولى فى عام 2013 وهو يركز على فكرة الجمع بين الديانات الثلاث تحت المظلة الإبراهيمية وسبق له طرحها فى العديد من زياراته الخارجية، ومن حيث المبدأ فإنه لا توجد مشكلة فى التعايش الدينى: لكم دينكم ولى دين، إنما المشكلة الأساسية تتعلق بالصهيونية ومشروعها الاستيطانى التوسعى .القضية الثالثة تدور حول خلو برنامج البابا من زيارة المرجعية السنية فى العراق، وفِى هذا الاتجاه ذهب البعض للقول إن مرجعية السنة فى العراق لا تقل عن مرجعية الأزهر الشريف ولا يجوز إسقاطها من برنامج الزيارة . وواقع الحال أن المرجعية السنية فى العراق موزعة على عددٍ من الجهات ، فهناك المجمع الفقهى وديوان الوقف السنى وهيئة علماء المسلمين ، مايعنى أن الأمر ليس بنفس الوضوح الذى عليه الحال مع المرجعية الشيعية فى العراق ، ولعل تلك مناسبة لدعوة السنة العراقيين إن أرادوا أن تكون لهم قوة روحية وازنة أن يتفقوا فيما بينهم على من يمثلهم فى الداخل والخارج على حدٍ السواء .وبالمناسبة لقد انتقد بعض الشيعة عدم زيارة البابا ضريح الإمام علّى فى أثناء وجوده فى مدينة النجف ، مايعنى أن كل فريق لديه مآخذه على برنامج الزيارة من منظوره الخاص.

كلمة أخيرة تتعلق بتخصيص رئيس الوزراء العراقى مصطفى الكاظمى 6مارس يومًا وطنيًا للتسامح والتعايش فى العراق احتفالًا بالتلاقى الكاثوليكى - الشيعى، والسؤال الذى يراودنى هو: متى يحدث التلاقى السنى - الشيعى على المستوى العربى ويكون هناك يوم وطنى للاحتفال به؟.


لمزيد من مقالات د.نيفين مسعد

رابط دائم: