رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

بالأحزاب والمُشاركة تبنى مصر حيويتها السياسية

اتخذ حزب مستقبل وطن القرار السليم عندما أعلن يوم الجمعة 26 فبراير الماضى أنه سيتقدم فى مجلس النواب بمشروع قانون لتعديل أحكام قانون الشهر العقارى المُعدل وتحديدًا الجزء الخاص بالتصرفات العقارية الذى أثار إعلان تطبيقه استياءً عامًا بين المصريين. فكان فى هذا القرار استجابة للرأى العام، وإحساسًا من الحزب بمسئوليته باعتباره حزب الأغلبية فى البرلمان خاصة، أن هناك أحزابا أخرى وشخصيات برلمانية اتخذت مواقف مماثلة.

جاء هذا التحرك ضمن مُؤشرات أخرى تشير إلى تغير فى عدد من الممارسات السياسية فى مصر. منها، النشاط الملموس لمجلس النواب الذى ظهر فى الأيام الأولى لدورة انعقاده، فقام المجلس بدعوة رئيس مجلس الوزراء وأعضاء الحكومة للإدلاء ببيانات عما تحقق فى كل وزارة بناء على الخطط والبرامج التى التزمت بها. وتمت مناقشة كل ذلك فى اجتماعات لجان المجلس، ولم تكن هذه المناقشات روتينية أو شكلية، بل تعرض بعض الوزراء لأسئلة جادة وانتقادات حادة فى مضمون السياسات التى اتبعوها وأساليب تنفيذها. وبلغ الأمر رفض لجنة الإعلام بالمجلس البيان الذى تقدم به وزير الإعلام جملة وتفصيلا وأن الوزير وجهازه الإدارى لم يحققا الأهداف المرجوة، وأن هناك مُخالفات مالية وإدارية تستحق المساءلة والتحقيق. كما تعرض وزير قطاع الأعمال للنقد بسبب قرار تصفية شركة الحديد والصلب وتقدم ثلاثة نواب بطلبات استجواب للوزير بشأن هذا الموضوع.

ومنها، الاجتماع الذى عقده د. مصطفى مدبولى رئيس مجلس الوزراء مع رؤساء اللجان النوعية بمجلس النواب فى 16 فبراير، بهدف توفير آلية لتعميق التواصل بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، وإتاحة الفرصة لكل جانب لعرض وجهات نظره حول السياسات العامة المتبعة والاستماع إلى ملاحظات الطرف الآخر. وأتوقف أمام إشارة دكتور مدبولى فى كلمته فى هذا الاجتماع إلى التحديات التى تواجهها الحكومة، لأنها فتحت ملفات شائكة أشبه بالقنابل الموقوتة التى ظلت مهملة لسنوات طويلة، وأن حلها يتطلب التعاون بين عديد من الهيئات الحكومية. وكان واضحًا وصريحًا فى هذا الشأن. وأتوقف أيضًا أمام بعض الأفكار التى وردت فى مداخلات رؤساء اللجان بالمجلس، مثل أهمية تنشيط دور القطاع الأهلى مع الدولة فى تنفيذ المشروعات الخدمية، وإعطاء القطاع الخاص مساحة أكبر فى تنفيذ المشروعات التنموية والخدمية، والدعوة إلى مزيد من التركيز على قطاع الصناعة باعتباره قاطرة التنمية. وفى هذا الاجتماع، اقترح المهندس أشرف رشاد رئيس الأغلبية أن يتم عرض مشروعات القوانين التى تزمع الحكومة التقدم بها إلى اللجان النوعية بالمجلس لمناقشتها قبل عرضها على مجلس الوزراء، وهو الاقتراح الذى رحب به دكتور مدبولي.

ما تحقق فى هذا الاجتماع مهم وينبغى أن يتكرر بشكل دوري، وسوف تزداد أهمية هذا النوع من الاجتماعات إذا ركزت كل جلسة منها على موضوع أو اثنين من الموضوعات التى تمس حياة المواطنين كالتعليم أو الصحة أو مشروع تنمية الريف المصرى بحيث يُتاح الوقت اللازم للتعمق فى هذه الموضوعات ومُناقشة البدائل والسياسات المُختلفة بشأن سُبل تنفيذها.

ومن هذه المؤشرات أيضًا، المشاركة المدنية التى قام بها بعض المواطنين للاعتراض على مشروعى عين القاهرة وإنشاء كوبرى بالقرب من كنيسة البازيليك أو كاتدرائية العذراء، والتى استخدموا فيها مختلف أدوات الإعلام والاتصال للتعبير عن موقفهم، ومخاطبة الرأى العام، وعرض الحجج التى تؤيد وجهات نظرهم. وانتهى الأمر باستجابة المسئولين لهذه الآراء وتغيير مكان المشروعين.

لم يكن لهذه المشاركة طابع مؤسسي، ولم يجمع بين المشاركين هيئة

أو تنظيم أو جمعية، واعتقد أنها خبرة ايجابية جديرة بالتحليل والتعرف على عوامل نجاحها، والتى ترجع فى تقديرى إلى ان المشاركين فيها تبنوا قضية محددة، وشرحوا سلبيات القرار الذى اعترضوا عليه بشكل علمى وموضوعي، وقدموا اقتراحات بديلة ممكنة التنفيذ، واستخدموا الإعلام لكسب الرأى العام لوجه نظرهم، ثم أنهم، أخيرًا، حظوا بتأييد عدد من نواب البرلمان الذين دعموا موقفهم.

فى هذا السياق، أتى حديث الرئيس السيسى أثناء افتتاحه المجمع الطبى المتكامل بالإسماعيلية فى 16 فبراير، والذى أشار فيه إلى أهمية حرية التعبير عن الرأي، وأن تعدد الآراء والمُعارضة هو حق للمواطنين وأمر مُرحب به للتنبيه إلى الأخطاء فى التنفيذ وعرض بدائل ومُقترحات للسياسات العامة، وأن ذلك كُله يكون بهدف تحسين أحوال الناس وحياتهم. ولذلك، لم يكن غريبًا أن يستجيب الرئيس للانتقادات الموجهة إلى تنفيذ التعديلات على قانون الشهر العقاري، وأن يوجه الحكومة بتأجيل تطبيق القرار لفترة لا تقل عن عامين بهدف إجراء حوار مُجتمعى بشأن هذا الموضوع.

توضح هذه المؤشرات تغيرات فى الممارسات السياسية مثل دور أكبر للبرلمان فى المُتابعة والرقابة والمُحاسبة للحكومة، وانفتاح أكبر من السُلطة التنفيذية تجاه السُلطة التشريعية وتوجهات الرأى العام، وظهور مُبادرات طَوعية شعبية للتعبير عن مواقفها تجاه قرارات حكومية بعينها. وهى كلها مؤشرات إيجابية تستحق التسجيل والدعم لأنها تجعل الشعب أكثر اقترابًا من الحكومة وأكثر ارتباطًا بسياساتها لأنه مُشارك فيها.

ونتذكرُ دومًا أن السياسة هى حل مشكلات الناس والاستجابة إلى احتياجاتهم، وأنه لا يمكن تحقيق ذلك من خلال آراء المتخصصين والخبراء فقط دون الاستماع إلى الناس، والهيئات التى تمثلهم وتُعبر عنهم. والحُكم الرشيد هو الذى يسعى إلى التعرف على مطالب الناس واحتياجاتهم وان يعبر عنها فى سياساته وقراراته العامة.


لمزيد من مقالات د. على الدين هلال

رابط دائم: