رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

رسالة «البراق»:
النصر يتحقق بالقدرات لا المعجزات

الشيخ أحمد ربيع الأزهرى;

جعل الله ـ عز وجل ـ دابة تحمل النبى صلى الله عليه وسلم فى إسرائه إلى بيت المقدس ثم معراجه للسموات العُلي، هى البراق.. السؤال الذى يفرض نفسه: ما الدلالة التى يشير إليها؟ ولماذا لم ينقل ربُنا سبحانه وتعالى نبيه فى لمح البصر؟ خاصة أن هناك عبدًا من عبيده جاء بعرش بلقيس من اليمن إلى فلسطين فى لمح البصر؟. والإجابة تتجلى فى نقاط عدة:  

 

1ـ رغم أن الإسراء والمعراج معجزة كبري، لكن الله يريدُ أن  يعلمنا أن نأخذ بالأسباب، إذ اتخذ الله البراق سبباً لتنقل الرسول ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فى رحلة الإسراء والمعراج؛ وخطوة البراق كمد بصره، إلا أنها مهما اتسعت فلابد أن تبدأ فى نقطة وتنتهى عند  نقطة، أى أنها حكمت بالمكانية، فيجب علينا أن نعلم أن الأمة تنصر بالقدرات وليس المعجزات.

وهذا المعنى تحقق مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فربنا أنزل سورة «يوسف» فى العام العاشر من البعثة نظرًا لما أصاب النبي  صلى الله عليه وسلم من قومه ومن غيرهم، لكن الله لن ولم يدع نبيه بهذه الحالة النفسية والمعنوية فبدأ فيض عطائه عليه بأن أنزل السورة للتسرية عن قلبه، ولتكون بلسماً لأحزانه، وتؤنسه فى حزنه، فتذكّره بالأنبياء السابقين: يعقوب ويوسف.

والملاحظ أن الله لم يجعل يوسف يصل إلى مقام عزيز مصر بالمعجزات بل بالقدرات، فهو لم يخرجه من الجب بمعجزة تبهر القوم «فيُسلمُوا» له كما كان من شأن سحرة فرعون مع موسى بل جعله اللهُ وهو النبى الكريم يباع ويشترى ويتعرض للفتن فى قصر العزيز حتى دخل السجن.

والذى رفع  يوسف هو العلم: «قَالَ اجْعَلْنِى عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّى حَفِيظٌ عَلِيمٌ«، فلم يقل (اجعلنى على خزائن الأرض إنى جميل مليح، أو كريم بن كريم)، ورفع أبويه على العرش فى المنتهي، فكأن الرسالة بنزول سورة «يوسف» فى العام العاشر عام الإسراء والمعراج هى تأكيد أن النصر يكون بالقدرات وليس المعجزات، لأنه يأتى زمان على أمة الإسلام وهى آخر إرسال السماء إلى الأرض لا معجزات فيه لانقضاء النبوات.

وبالفعل بعد حادث الإسراء والمعراج بأقل من ثلاث سنوات تأتى رحلة الهجرة ويخرج الرسول مهاجرًا إلى المدينة ويتعرض لكيد القوم، وما فعله مشركو مكة من التآمر على قتله والخروج فى إثره خير دليل على ذلك، ومع ذلك لم ينقله الله إلى المدينة فى لمح البصر، بل على العكس جعله يُعمل السببية فى كل مراحل حادث الهجرة من تخطيط محكم وتقسيم للأدوار واعتماده على عبدالله بن أريقط ـ وهو المشرك ـ كدليل...إلخ برهان على ذلك. وتلك هى الرسالة العظمى لاتخاذ البراق كوسيلة للصعود إلى السماء، أن نأخذ بالأسباب حتى لا نكون عالة على من يملكون الأسباب فيتحكمون فى مصائرنا. 

2ـ إن وصف البراق ـ كما ذكرت كتب الحديث والسيرـ كان  أقرب إلى البغل وليس الخيل، والخيل هو دابة الحرب، والبغال هى أداة السلم، وعليه فالأمم تحتاج فى رقيها وترقيها وعروجها إلى أعلي: إلى علم وسلم وحلم، علم يوضع به أساس البنيان، وسلم يتراكم فيه البنيان، وحلم حتى إذا اختلفنا لا نهدم ما بنيناه، فإذا كانت رحلة العروج رحلة ترق وارتفاع وعلو، فإننا فى واقعنا المعيش نحتاج لمدلول وصف البراق لكونه أقرب لصورة دابة السلم وليس دابة الحرب، فننفر من الحروب والاقتتال ونمتطى دابة السلم والاعتدال.

3ـ حمل البراق للنبى صلى الله عليه وسلم - فوق ظهره، والارتقاء به إلى السموات العلي يؤكد أن من يحمل مواريث النبوة من علماء الأمة لابد من أن تكون مطيتهم مطية وسطا؛ إن أرادوا أن يؤموا الأمم فى صلاة جامعة وأن يصعدوا إلى العلياء بالبشرية جمعاء. 

4ـ من المتعارف أنه لو دعا عظيم شخصا إلى بيته فإن من وسائل التكريم أن يبعث له بمركبة خاصة تحمله إليه، ويجعل عظماء قومه فى شرف استقباله، ولله المثل الأعلي، فرحلة الإسراء رحلة تشريف قبل أن تكون تكليفا .. إذ اصطف الأنبياء خلف رسول الله فى الأقصى ووقف أبو البشر فى السماء الأولى فى شرف استقباله وأصحاب التجارب الفارقة من الأنبياء  يستقبلونه فى السموات كموسى كليم الله فى السماء السادسة وإبراهيم خليل الله فى السماء السابعة .. فلم يكن وجود البراق عن عجز بنقله فى لمح البصر، بل لإظهار مزيد تشريف وإكرام. 

5ـ وجود البراق يتوافق مع مقصد من مقاصد تلك الرحلة، هو أن يُرى الله رسوله الكثير من آياته يقول تعالي:  سُبْحَانَ الَّذِى أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِى بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ، وهذا لن يتحقق إذا كان الانتقال خاطفا فى لمح البصر كما فى رفع عيسى عليه السلام. 

6ـ ركوب البراق ورؤية الآيات آية بعد آية يأتى تهيئة تدريجية لولوج النبى صلى الله عليه وسلم إلى سدرة المنتهي، فناسب ألا يكون الانتقال فى لمح البصر، بل بهذا التدرج وبدابة مهما تكن سرعتها محكومة بالمكانية على الرغم من أن الرحلة فى مجملها طوت الزمان والمكان طيا.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق