رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

معجزة إلهية
رحلة الإسراء بين الصبر والأمل

لم تكن أرض مكة المكرمة فى مطلع البعثة المحمدية على صاحبها أفضل الصلاة وأتم السلام ممهدة لدعوة الإسلام، فقد انصرف عامة أهلها عن هذه الدعوة السمحة، وسلكوا فى الحيلولة عن هدايتها كل طريق.

لكن النبى المكرم صلى الله عليه وسلم صبر وجاهد، وفى هذه الأثناء قال لعمه أبى طالب: «يَا عم، والله، لو وضعوا الشَّمْسُ فِى يَمِينِي، وَالْقَمَرُ فى يساري، على أن أترك هَذَا الْأَمْرَ-حَتَّى يُظْهِرَهُ الله أو أهلك فيه - ما تركته» (دلائل النبوة للبيهقي)، وقدَّر الله تعالى موت السيدة خديجة رضى الله عنها زوج النبى صلى الله عليه وسلم وعمه أبى طالب فى عام واحد، فيما عُرِف بـ «عام الحزن».

وهى شدائد كبيرة استقبلها النبى صلى الله عليه وسلم بتسليم جميل لمولاه تعالى وثبات وسعى حثيث إلى تحقيق المقاصد ببشارة الأمل التى تصنع أجواء إيجابية وتذيب الشدائد وتجدد الآفاق؛ التماسًا للفرج الإلهى الذى وعد الله عباده بحصوله وترقبه عقب نزول الأزمات.

وما إن مضت السنة العاشرة بعد البعثة بشدائدها وأحمالها، وأقبل العام الحادى عشر حتى حدثت المعجزة الكبرى، رحلة الإسراء والمعراج، فكانت فى ليلة السابع والعشرين من شهر رجب قبل الهجرة الشريفة بعدة أشهر؛ طبقًا لعمل المسلمين والمشهور المعتمد من أقوال العلماء الأثبات.

والإسراء يطلق على تلك الرحلة الأرضية الواقعة للنبيِّ صلى الله عليه وسلم ليلًا التى انطلقت من المسجد الحرام بالبلد الأمين وانتهت إلى المسجد الأقصى المبارك بالقدس الشريف، وهى رحلة حددها الله مكانًا وزمانًا، وهدفًا ومقصدا، فى قوله تعالى: (سُبْحَانَ الَّذِى أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِى بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)[الإسراء: 1].

لقد سبق هذه الرحلة الفريدة إعداد وتأهيل للنبى صلى الله عليه وسلم، حيث شُق صدره الشريف قبيل بدئها تأهبًا للمناجاة الإلهية واستعدادًا لأنواع النفحات والفتوحات الربانية، وفى ذلك يقول النبى صلى الله عليه وسلم: «فُرِجَ سَقْفُ بَيْتِى وَأَنَا بِمَكَّةَ، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَفَرَجَ صَدْرِي، ثُمَّ غَسَلَهُ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ، ثُمَّ جَاءَ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مُمْتَلِئٍ حِكْمَةً وَإِيمَانًا فَأَفْرَغَهَا فِى صَدْرِي، ثُمَّ أَطْبَقَهُ..»(صحيح مسلم).

ثم انتقل الركب المحمدى الملائكى بين المسجد الحرام الذى قام بتشييد قواعده خليل الرحمن إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما الصلاة والسلام، وبين المسجد الأقصى الذى بناه دواد وسليمان عليهما الصلاة والسلام فى أقل زمن.

وفى هذه الرحلة الأرضية مرَّ النبى صلى الله عليه وسلم بمحطات رئيسة، منها الأماكن المباركة التى كانت مقر عبادة الله ومهبط الوحى على رسله وأنبيائه؛ وقد تشرفت مصر المحروسة بعبوره صلى الله عليه وسلم فوق أرضها حيث طور سيناء وواديها المقدس الذى هو بقعة مباركة تجلَّى الله تعالى فيها على كليمه موسى عليه الصلاة والسلام، وصلى بها ركعتين، كما مرَّ ببيت لحم حيث البقعة المباركة التى ولد فيها سيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام، وصلى بها ركعتين أيضًا، ثم انْطَلَقَ النبى صلى الله عليه وسلم مع سيدنا جبريل عليه السلام نحو بيت المقدس، فصلى بالأنبياء والمرسلين إمامًا.

إن معجزة الإسراء ستظل ترسخ فى قلوب المسلمين وضمائرهم قضية المسجد الأقصى؛ إذ هو جزء لا يتجزأ من المقدسات الإسلامية، انتهى إليه إسراء نبينا ومنه بدأ معراجه إلى السماوات العلا، ثم إلى سدرة المنتهى.

كما أن هذه المعجزة الخالدة فيها من الدروس والعبر ما نحن بحاجة إلى استلهامه فى تحدياتنا المعاصرة، مثل الثقة بنصر الله وحسن التسليم والتوكل عليه والأخذ بالأسباب، ويبقى الدرس الأعظم فيها هو ترقب الفرج فى كل شدة والثقة فى الأمل والمستقبل؛ فالمحن تتبعها المنح من خلال السعى بجد واجتهاد لتحصيل ثمار الكد والصبر عليه، فكل محنة وشدة وراءها منحة وعطاء وتكريم من الله تعالى.


لمزيد من مقالات د. شوقى علام

رابط دائم: