رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

الإدارة الأمريكية الجديدة والشرق الأوسط

بعد ان عاش الشرق الأوسط فى حالة ترقب واستعداد لما ستكون عليه السياسة الخارجية الأمريكية فى ظل ساكن البيت الأبيض الجديد الرئيس جوزيف بايدن تجاه المنطقة، فقد جاء خطابه الاول عن سياسته الخارجية منذ ايّام يكاد يكون خاليا من القضايا والازمات الكبرى والاوضاع المتفجرة فى سوريا والعراق وليبيا والقضية الفلسطينية وأمن الخليج العربى، بل حتى تجاهل البرنامج النووى الايرانى ـ فى تقديرى ـ نظرا لتعقده، وان كان قد بعث ببعض الرسائل التطمينية لحلفاء الولايات المتحدة فى المنطقة.

ويمكن القول إن السياسة الخارجية الامريكية بشكل عام قد حسمت تعاملها مع منطقة الشرق الاوسط من خلال رؤية إستراتيجية تبلورت معالمها منذ احداث الحادى عشر من سبتمبر 2001 ، ثم العملية العسكرية لغزو العراق وإسقاط نظام صدام حسين عام 2003 ، ثم تبلورت بشكل اكثر قبل وفى أثناء ثورات الربيع العربى فى ظل ادارة الرئيس اوباما/ بايدن. وعلى الرغم من ان منطقة الشرق الاوسط تعد منطقة جيواستراتيجية مهمة للولايات المتحدة الامريكية ، فإنها لم يعد لها الاولوية فى السياسة الخارجية الامريكية نظرا لتحول الاهتمام الامريكى الى منطقة آسيا لمواجهة المارد الصينى الذى أضحى يهدد الزعامة الامريكية اقتصاديا وتكنولوجيا وسياسيا، وعسكريا بعد تضخم الترسانة العسكرية الصينية، ومحاولة عسكرة بحر الصين الجنوبى، بل, لأول مرة, إقامة قواعد عسكرية صينية فى الخارج، ومواجهة ايضا الصعود الروسى الكبير سياسيا وعسكريا .

وإذا كانت ادارة اوباما / بايدن قد اتسمت تجاه الشرق الاوسط بالانحسار والانسحاب مما أدى الى تراجع دور ومكانة الولايات المتحدة فى العديد من القضايا الإقليمية وأدى الى تصاعد دور قوى إقليمية ودولية فى المنطقة مثل تركيا وروسيا لتحقيق مصالحهما. وعلى الرغم من ان الرئيس السابق دونالد ترامب قد انتقد سياسة ادارة اوباما فى الانسحاب من قضايا الشرق الاوسط، فإنه قد سار على النهج، نفسه بل أعلن اكثر من مرة ان الشرق الاوسط ليس ضمن أولويات اجندته السياسية.

ومع ذلك ورغم خطاب الرئيس بايدن الذى بدا متجاهلا قضايا الشرق الاوسط، فليس متوقعا ان يكون الانسحاب الامريكى من الشرق الاوسط فى ظل ادارته - او اى ادارة اخرى - انسحابا كاملا نتيجة لحسابات المصالح الامريكية فى المنطقة ونتيجة لتعاظم الدور الروسى فيها مما يؤثر سلبا على نفوذ الولايات المتحدة ومصالحها ، ليس فقط فى الشرق الاوسط، وإنما ايضا فى كثير من مناطق العالم مثل شرق اوروبا وآسيا . كما ان هناك ثوابت للسياسة الخارجية الامريكية فى المنطقة تحرص كل ادارة أمريكية, سواء جمهورية أو ديمقراطية على الحفاظ عليها, وان اختلفت الآليات لتحقيقها, التى تتمثل أساسا، بالاضافة الى المصالح الامريكية فى المنطقة ، فى الحفاظ على أمن إسرائيل، واستمرار تدفق النفط خاصة ان الدول الخليجية تلعب دورا مهما فى تحديد سعره مما يؤثر على الاقتصاد العالمى . هذا فضلا عن تأمين حرية الملاحة فى قناة السويس والممرات البحرية.

ولذلك فإن الادارة الجديدة سوف ينصب اهتمامها على ملفين أساسيين فى الشرق الاوسط هما القضية الفلسطينية لما يخدم المصالح الإسرائيلية وليس الفلسطينية، والملف النووى الإيرانى الذى سوف يعد التحدى الأكبر الذى سيواجه ادارة الرئيس بايدن فى المنطقة مع اصرار ايران على رفع العقوبات أولا، ورفضها إعادة التفاوض على الاتفاق النووى، وإعلانها أنها قد رفعت نسبة تخصيب اليورانيوم إلى 20% ، وهو ما يتعارض مع الاتفاق النووى لعام 2015، وفِى الوقت نفسه الاصرار الامريكى على اضافة بنود اخرى مثل برنامج الصواريخ الباليستية والسلوك الإيرانى فى المنطقة والمدى الزمنى للاتفاق، بالاضافة الى وجود هذا التحالف العسكرى والاستراتيجى الذى يضم الدول الخليجية المطبعة مع اسرائيل الرافضة جميعها عودة الولايات المتحدة الى الاتفاق النووى الإيراني, مع اهتمام هامشى بباقى قضايا الشرق الاوسط التى تموج بها المنطقة، فليس متصورا أن تنغمس فيها الادارة الجديدة مع وجود أولويات اخرى أكثر إلحاحا مثل مواجهة الصعود الصينى والروسى اللذين أصبحا يهددان الهيمنة الامريكية على العالم، ومع وجود القضايا الداخلية المتفاقمة وعلى رأسها الانقسام الامريكى الخطير حيث إن اكثر من 70% من مؤيدى الرئيس السابق دونالد ترامب لايزال يعتقد ان نتيجة الانتخابات قد سرقت منه الامر الذى فاقم الانقسام التقليدى الذى تعانيه الولايات المتحدة منذ عقود بسبب النزعة العنصرية وغيرها, هذا فضلا عن أزمة كورونا والوضع الاقتصادى المنهار الذى نتج عن تلك الأزمة.

كما أنه من المتوقع أيضا أن يتراجع اهتمام ادارة بايدن بحقوق الانسان والديمقراطية فى دول الشرق الاوسط, إلاّ ربما ببعض التصريحات والإدانات المعلنة, فى مقابل الحفاظ على العلاقات الاستراتيجية التى تربط الولايات المتحدة بدول المنطقة ،مع اتخاذ سياسة اكثر تشددا عن الادارة السابقة تجاه هذه الدول فى بعض القضايا مثل حرب اليمن التى تسببت فى أسوأ كارثة إنسانية.


لمزيد من مقالات د. أميرة الشنوانى

رابط دائم: