رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

مصر وليبيا فى مشهد ختامى «ممالك النار»

تحتاج بعض الأعمال الفنية إلى إعادة قراءة وتحليل مكثف، فهناك من المبدعين من يبعث رسائله في ثنايا المشاهد، وتكمن المتعة في استخراج المعنى من الرمز والوقوف على مغزى الإشارات وإسقاطها على الواقع المعيش. أعدتُ مشاهدة المسلسل الرائع ممالك النار الذي أُعيد عرضه على إحدى الفضائيات مؤخرًا، وكنت قد استخرجت على صفحات الأهرام في عدة مقالات العديد من الرسائل والإسقاطات من أطروحاته التي تمزج بصورة مدهشة بين التاريخ والواقع حينما عُرض للمرة الأولى العام الماضي، وهذه المرة توقفت مليًا أمام المشهد الختامي الذي تضمن شنق رمز المقاومة المصرية السلطان طومان باي، واسترعى انتباهي أنه لم يجر تصويره باستدعاء نفس تفاصيله التاريخية والتي كانت تكفي لإخراج مشهد درامي مؤثر، لكنه حوى مع ذلك العديد من العناصر الدرامية التي ميزت مشهد إعدام البطل الليبي عمر المختار في الفيلم الشهير الذي أخرجه الراحل مصطفى العقاد. أظهر المخرج البعد الديني في شخصية طومان باي عبر تكرار مشهد المصحف الذي حمله الممثل العالمي أنتوني كوين الذي جسد شخصية عمر المختار وهو في طريقه للمشنقة بثبات وبنظرات مشحونة بالكبرياء والفخر، وكذلك وظف رمزية مواصلة النضال بعد التخلص من رمز المقاومة عبر الحديث الصامت والابتسامات ذات المغزى بين عمر المختار والصبي الصغير الذي التقط نظارته عقب شنقه بجانب تعمد تكرار زغرودة نجمة هوليوود الشهيرة إيرين باباس عبر الفنانة كندة حنا التي جسدت دور دلباي حبيبة طومان باي ورفيقته في النضال. عكست هذه المشاكلة التي تمزج بحرفية بين النضالين المصري والليبي وعيًا بأهمية استدعاء صورة البطل الشعبي المقاوم في مواجهة الأطماع الخارجية، وبضرورة وحدة هذه المقاومة على المستوى العربي والجبهتين المصرية والليبية لمواجهة تحديات مشتركة لا تقل خطورة عن تلك التي واجهها المشرق العربي زمن الغزو العثماني القديم.الانتصار المصري رفضًا لكل مظاهر الاحتلال مقدمة لا غنى عنها للقضاء عليه في كل الدول العربية؛ فالنضال المصري ظل مصحوبًا بدعوة الشعوب العربية للاتحاد في جبهة واحدة لطرد المحتل من جميع البلدان العربية قديمًا وحديثًا، ولو لم تتحرك مصر اليوم على الصعيد الميداني والردع العسكري وعلى صعيد المسارات والمناورات السياسية لباتت مهددة من حدودها الشرقية والغربية. لم يتخاذل البطلان المملوكي المصري والسنوسي الليبي أمام عدويهما بعد مسيرة كفاح أدهشت الدنيا لكن من المستحيل أن تقف الشجاعة وحدها أمام أعتى الأسلحة وأمام سلاح الخيانة، ومع ذلك ظلا يجسدان صورة للبطل الذي تصدى للصعاب مع قلة الإمكانات. كما رفض عمر المختار طلب العفو مقابل إطلاق سراحه قائلًا لو أطلقتم سراحي لعدت لمحاربتكم مجددًا، رفض طومان باي مبايعة سليم الأول قائلًا: لن أعطيك كلمتي والكلمة أمانة والأمانة لها أهلها، وتنبأ عمر المختار بأجيال من بعده تقاتل المحتلين، وهي ذاتها نبوءة طومان باي الذي قال مودعًا: إني راحل ومصر باقية داعيًا أهلها لمواصلة الصمود، فالمقاومة انتصار وإذا سقطت القاهرة سقطت الأمة. قصة نضال المقاومة الليبية بقيادة البطل عمر المختار هي قصة نضال المقاومة المصرية بقيادة البطل الشعبي طومان باي، في مواجهة فظاعة الفاشيست والعثمانيين وخياناتهم، وفي الحالتين كان القبض على رمز المقاومة وإعدامه سريعًا هو ما منح المحتلين وعملاءهم الارتياح والشعور بأنهم ملكوا مصر وليبيا، بما يرمز في حاضرنا لمكانة القادة الوطنيين ومدى أهمية نضالهم وصمودهم وحضورهم في الساحة. هو مشهد يجسد المسئولية الملقاة على عاتق قادة مصر وليبيا؛ كدلالة ترمز لوحدة النضال والمصير والتحديات وتجمع بين مناضلي بلدين شقيقين يواجهان نفس التحدي، حيث لا يُجدي سوى الإقدام والحسم والثبات والصبر من أجل إنقاذ وحماية الأمة، واليوم الوضع مختلف بفضل عبقرية قادتنا وجاهزية قواتنا، ونحن الند للند فلا مشانق للشرفاء الأحرار ولا ساحات يرتع فيها الخونة، لتُعاد السمعة والمكانة المستحقة لبلاد شهدت مولد الزمان والحضارة بحسب تعبير أبو النصر السلطان الأشرف طومان باي في قصيدته التي علقها على الأهرامات. إذا أرادونا من الشرق فأذكر ملحمة سيناء وكيف سيحكى التاريخ عن حنكة قادة أتوا بالفرقاء الفلسطينيين للقاهرة، وإذا أرادونا من الغرب فأذكر الخطوط الحُمر وقوة الردع المرعبة وبعدما بلغ التحدي مستوى تهديد أمننا القومي ها نحن بدبلوماسيتنا في قلب طرابلس، فهي المقاومة بكل فنونها لتفريغ خطط الخصوم من مضمونها، وهو السر في تحول القائد المصري لرمز للمقاومة العربية، ناصرًا كل عربي أضرته آلة الفساد والنهب والفوضى والتدمير وإذلال الكرامة، يليق به البيت الذي ردده راوي سيرة بطل المقاومة الشعبية ضد الاحتلال العثماني علي الزيبق على لسان من يلوذ بكفاحه ضد المحتل وعملائه: أيَظلمُني الزمَانُ وأنتَ فيه / وتأكُلني الذئابُ وأنت ليْثُ؟


لمزيد من مقالات هشام النجار

رابط دائم: