رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

السرب: حدوتة ليلة من ألف ليلة مصرية

«إن لم تحك حدوتك فسيقوم غيرك بحكايتها لك».. بهذه العبارة أجاب كاتب فيلم السرب الأستاذ عمر عبد الحليم عن السؤال بشأن ما الذي دفعه لكتابة ذلك العمل. الحدوتة هنا ليست الحدوتة التي تحكى للأطفال قبل النوم، ولكنها رواية للمشروع المصري بعيون مصرية مؤمنة بذلك المشروع، الذي كانت ثورة 30 يونيو ضربة البداية في الإعلان عنه، والغرض هو «توثيق» المشروع والحدوتة لحمايتهما من التشويه. الحدوتة المصرية لا يرويها السياسيون والمسئولون التنفيذيون فقط، بل ينهض بروايتها كل المؤسسات المصرية وفي مقدمتها وسائل الإعلام والكتاب والمفكرون والفنانون والمطربون وغيرهم في المؤسسات الثقافية والتعليمية. الحدوتة المصرية المقصودة ليست نوعا من دروب الخيال للتشويق والتسلية، بل هي محاولة لنقل ما يتم على أرض الواقع. الفجوة بين ما يتم على أرض الواقع من تطورات وإنجازات في كل مجال خلال السنوات السبع الماضية وما يقدمه من يقع عليهم سرد الرواية فجوة كبيرة بشكل لم يحدث له مثيل في مصر. بل إن مشكلة مصر في عقود سابقة لم تكن في وجود الفجوة من عدمه، ولكن في كونها كانت لمصلحة السرد، فكثيرا ما سردت إنجازات وتم التسويق لانجازات منتظرة لم يرها المصريون يوما على أرض الواقع، وإلا لما وصل الحال إلى ما وصل إليه. الآن الفجوة معكوسة، فما في الواقع أكبر بكثير مما يعكسه السرد، والأهم أن كفاءة السرد تبدو متواضعة للغاية. ولعل ذلك يقدم أحد التفسيرات لزيادة الشائعات التي تستهدف مصر إزاء كل الإجراءات والسياسات التي تتخذها الدولة، كما يقدم أيضا أحد التفسيرات لحالة تكالب أبواق الشر الناعقة من تركيا للتشكيك في تلك الإجراءات والسياسات. وبكل تأكيد، فإن تحصين المجتمع ضد حالة التكالب تلك يستلزم بالضرورة تقديم الرواية المصرية من أصحابها بالشكل المتناسب مع حقيقتها وبما يصعب من مهمة هؤلاء المشككين. وإذا كان نجاح العمل الفني، فيلما كان أو مسلسلا أو أغنية، يتطلب أن يكون هناك ورق (كتابة) جيد، فإنه يلزم الفيلم أيضا ممثلين جيدين ومخرجا جيدا ومصورا جيدا، ويلزم الأغنية أيضا مطربا جيدا وملحنا جيدا. غياب أحد تلك العناصر يعني فشلا للعمل. يذكر أن الشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودي قال مرة في حديث إذاعي إن المطربين مجرد صحف ينشر كتاباته من خلالها، وأعقب ذلك جفاء بينه وبين عبد الحليم حافظ، ولما سأل الأبنودي ،حليم عن سبب ذلك الجفاء فقال له حليم بما أننا مجرد صحف تنشر فيها كتاباتك فلتبحث عن صحيفة أخرى غيري تنشر فيها كتاباتك. عبد الحليم هنا كان يلفت نظر الأبنودي إلى أن نجاح أغنياته مرتبط بمن يغنيها ومن يلحنها. خلال العامين الماضيين والدراما والسينما المصرية تتقدم لتنهض بدورها في سرد جزء من الرواية المتعلق بالبطولات المصرية وتحديدا القوات المسلحة والشرطة التي يطالهما الكثير من رذاذ حملات التشويه. بدأت الأعمال الدرامية والسينمائية تلتفت إلى البطولات الحية في الذاكرة لتنقلها إلى الشاشة حتى لا تتوه وسط الزحام خاصة مع تواضع الإقبال على القراءة، واستغلالا لتأثير الأعمال الدرامية والسينمائية لاسيما على فئة الشباب. في هذا السياق جاءت أعمال مثل مسلسل «كلبش» بأجزائه الثلاثة، ومسلسل الاختيار وفيلم الممر وحاليا في انتظار فيلم السرب. هذه الأعمال، باستثناء فيلم الممر، تتعرض لبطولات أبناء الجيل الحالي انطلاقا من فكرة حق هؤلاء الأبطال في إلقاء الضوء عليهم. وكنت قد كتبت ممتدحا ذلك التوجه في هذا المكان منذ عامين مقالا بعنوان «عفوا لقد أصبح لدينا أبطال من جيلنا» لابد من رواية حكايتهم وتخليدها جنبا إلى جنب مع أبطالنا في فترات سابقة لم يعاصرها الجيل الحالي، الأمر الذي من شأنه تدعيم حالة الثقة بالنفس ورد الاعتبار للجيل الحالي. كل تلك الأعمال نالت قدرا كبيرا جدا من النجاح والتقدير ليس فقط لأنها تتحدث عن بطولات حقيقية، ولكن لقدرتها على استخدام جميع أدوات الفن الدرامي والسينمائي لإخراج العمل بالشكل الملائم باعتباره مسلسلا أو فيلما وليس مقالا أو كتابا. وبطبيعة الحال فإن ذلك النجاح لتلك الأعمال ما كان ليحدث بهذا الشكل لولا الجرأة التي تمتعت بها المجموعة المتحدة للخدمات الإعلامية، ولولا الدعم الذي قدمته القوات المسلحة لتلك الأعمال التي لم تعد تقبل عليها شركات الإنتاج الأخرى، ظنا منها أن تلك الأعمال لن يمكنها المنافسة وتحقيق أرباح، فإذ بالتجربة تثبت العكس تماما. فدراما الواقع تمثل مادة ثرية لتلك الأعمال لو أحسن استخدامها وإخراجها. فيلم الممر ومسلسلا الاختيار وكلبش أحسنوا الاستخدام والإخراج فأرهبوا الإرهابيين وزادوا مستوى الفخر لدي عموم المصريين، والواضح أن فيلم السرب سيكمل مثلث الرعب للإرهابيين. «هيخافوا منه» كما قال الأستاذ تامر مرسي منتج الفيلم، وهو الخوف الذي تملك منهم فور إذاعة الإعلان التشويقي للفيلم. لم ينتظر خوفهم عرض الفيلم، فالتذكير ببعض مما حدث في 16 فبراير 2015 يوم لقن الجيش المصري أعتى عتاة الإرهاب «داعش» درسا قاسيا، كافيا لإثارة الخوف والفزع في قلوبهم جميعا. فيلم السرب سيحاصر الإرهابيين بتلك اللحظة فقط، لتظل مع لحظة الشهيد المنسي ولحظة الممر ماثلة أمامهم حاملة الرسالة التي يتغاضون عنها وهي أن مصر حامية الجيش وهو حاميها، والاثنان في حماية المولى عز وجل إلى قيام الساعة. السرب يروي مشهدا من قصة البطولة المصرية ليحميها ويحمينا جميعا من يوم نصل فيه لنسمع من يقول إن ما حدث في فبراير 2015 من القوات الجوية المصرية ضد داعش في عمق الأراضي الليبية ثأر لمقتل 21 مصريا كان مجرد «مظاهرة جوية»! أو من يقول لأجيال تالية إن الدم المصري لم يجد يوما من يثأر له، وأن المصريين لم يجدوا يوما من يحمي كرامتهم. فتحية لصناع ونجوم السرب فيلما، وتحية لأبطال القوات المسلحة أصحاب السرب والممر والاختيار ولكل من كان قبلهم ومن سيأتي بعدهم.


لمزيد من مقالات د. صبحى عسيلة

رابط دائم: