رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

المتغيرات الأمريكية (2)

مرت الولايات المتحدة فى صراع طويل مع السكان الأصليين، ثم مع المستعمرين، ثم بين الولايات الى ان اتحدت واستقرت فى نظام فيدرالى يقوم على المنافسة بين حزبين كبيرين للحصول على الأغلبية البرلمانية فى مجلسين، احدهما يمثل الشعب والآخر يمثل الولايات، كما يسعى كل منهما للحصول على منصب الرئيس. استمر نمط تداول الحكم سلميا وتعاقب على أساسه 45 رئيسا الى أن جاء الرئيس الحالي 46 وسقط ترامب ليعترض على نتيجة الانتخابات بالرسائل والخطب ورفع القضايا. حاول إقناع بعض المسئولين فى الولايات بإضافة اصوات لصالحه وصل به الحال إلى ان شجع أنصاره على هجوم 6 يناير. هذه الأحداث 00بتغييرات أشرنا الى بعضها ونستكملها، ومن أهمها ما اصاب اسس نظام الحكم الأمريكى من عدم التداول السلمى للسلطة واشتعال الصراع بين الرئيسين وأنصارهما. اهتزت هيبة الدولة وسيادة القانون واحترام رأى الأغلبية وانقسم المجتمع كما انقسمت الأحزاب. سادت الفوضى والخلافات داخل الحزب الجمهورى، تراجعت مكانته واصبح مصيره محل تساؤلات هل سيصبح حزبين أحدهما عنصرى رجعى مع ترامب يرفض الرئيس الجديد، والآخر معتدل يعترف بنتيجة الانتخابات حيث قيل إن ترامب يفكر فى إنشاء حزب جديد يتكون من انصاره، ومازالت الحياة الحزبية لأمريكا محل تساؤل. عدد من اعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين وافق على عزل ترامب، والباقون لا يوافقون على تصرفاته ويحملونه مسئولية هجوم 6 يناير، ومع ذلك رفضوا عزله ليس لدوافع دستورية كما ادعوا إنما تخوفا من بطش ترامب الذى اعلن انه سوف يعاقب كل عضو صوت ضده، وهم ينوون إعادة الترشح عام 2022 وعدم رضاء ترامب عليهم سوف يفقدهم اصوات انصاره فى دوائرهم الانتخابية وهم مازالوا كثيرين. رغم عدم عزل ترامب فإنه مازال مهددا هو وانصاره بالمحاكمة أمام المحاكم الجنائية والمدنية، وهو ما بدأ بالفعل لمخالفات وجرائم مالية وضريبية وتحرش، كما شكلت بيلوسى لجنة خاصة لبحث ودراسة أبعاد هجوم 6 يناير. إن مسرحية الديمقراطية والانتخابات الأمريكية لم تنته بعد.شملت التغيرات ايضا المكانة القيادية لأمريكا فى العالم فقد نصبت نفسها راعية لمبادئ وقيم ثبت انها لا تتوافر لديها سواء بالنسبة للديمقراطية أو الحرية أو حقوق الإنسان وتحقيق الأمن والحكم الرشيد. عندما وجه وزير خارجية ترامب بومبيو اللوم لدولة إفريقية وأخرى لاتينية بسبب فوضى الانتخابات لديهما قوبل اتهامه بكثير من السخرية، كما ان تصرفات ترامب غير اللائقة أساءت لعلاقاته مع عدد من القيادات حتى الأوروبية. عند زيارته لملكة انجلترا كان يسير امامها فى تحد للأصول البروتوكولية، اراد ان يشترى إحدى جزر الدنمارك وعندما رفض طلبه غضب ولم يذهب للقاء كان محددا له مع الملكة. إهانة جعلت شعبها الذى يعشقها يرفضه تماما، أساء التعامل مع رئيس فنلندا ومستشارة ألمانيا وغيرهم ولم يكن مستغربا ما نشر لديهم من أن أوروبا تنفست الصعداء لرحيله. قد يفتقده حكام المكسيك والبرازيل بسبب صفقات عقدت معه مقابل ان يتغاضى عن انتهاكهم حقوق الإنسان، استخف بالمنظمات الدولية سواء بالنسبة للتغير المناخى أو الصحة العالمية وغيرهما، وأصبح على الرئيس الجديد محاولة استعادة هذه المكانة الدولية لأمريكا حيث اعاد الولايات المتحدة الى اتفاقية باريس واهتم بقضية التغير المناخى، كما أعاد العلاقة مع منظمة الصحة العالمية. أما العلاقات الأمريكية الدولية فقد لاتتغير كثيرا. بالنسبة لروسيا سيظل الخلاف قائما أضيف اليه مسألة حبس أليكسى نافالني زعيم الأغلبية، وستظل العلاقة مع الصين المنافس الاقتصادى الأكبر لأمريكا مليئة بالمشكلات. ايران اعلنت أنها قد تعود إلى اتفاقها مع أوباما إذا ما رفع عنها العقوبات. أفغانستان مازالت تمثل مشكلة كبيرة، وكذلك اليمن الذى قرر بايدن سحب القوات منها وقطع المعونات لكن فى الوقت نفسه طمأن السعودية بأنه يحميها من ايران. يهمنا هنا العلاقة مع اسرائيل التى كانت وثيقة وقوية بين نيتانياهو وترامب بسبب كوشنر صهره الصهيونى الذى أقنعه بنقل العاصمة للقدس وشرعية المستوطنات وحق إسرائيل فى الجولان وغير ذلك قد تتراجع إذا ما استثمر العرب هذه المرحلة بذكاء. لعل أسوأ التغييرات واخطرها هى تلك النزعة العنصرية المتطرفة التى تعانيها الولايات المتحدة، وهي لم تبدأ الآن فقد كانت موجودة منذ ريجان و نبه اليها، وحذر منها الكاتب الصحفى رضا هلال فى كتابه، الحرب الأمريكية العالمية قيام المحافظين الجدد واليمين الدينى كانت كامنة وظهر على السطح لأسباب منها مواقف ترامب وقراراته، ولم تعد جماعة كو كلوكس كلان التنظيم العنصرى الوحيد بل ظهر عدد من التنظيمات العنصرية منها كيونان، برود بويز، انتى اميجران، النازية الجديدة، المرأة من أجل أمريكا أولا، وعدد كبير ممن قاموا باعتداء 6 يناير أعضاء بهذه الجماعات وعبروا عن هذا الاتجاه العنصرى المتطرف برفع علم الكونفيدرالية وارتداء قمصان عنصرية. لم تقتصر التعبيرات العنصرية على المهاجمين بل اصبحت تصدر من قيادات اغلبها جمهوريون أعلاهم صوتا النائبة مارجورى تايلور جرين التى توجه الاتهامات لليهود وتنقد المسلمين، وتعتبر من اكبر أنصار ترامب تدافع عنه وتصر على انه مازال الرئيس، وهذا التيار العنصرى له تأثير خطير على أمريكا التى كانت لها مكانة قيادية فى العالم بفضل مبادئها وسياستها التى تقوم على المساواة وتشجيع المبادرة واحترام الاختلاف وقبول التعددية، وهو ما كان محل إعجاب كل من درس بالولايات المتحدة أو تعامل معهم، والآن فان انحسار وتراجع هذه المبادئ سوف يؤثر كثيرا على مكان,ة وقيادة هذه الدولة. ما يهمنا فى كل هذا موقف الحكومة الجديدة من القضايا العربية، وعلى الأخص العلاقة مع مصر التى يجب ان تقوم على اساس الندية والمصالح المشتركة ومواجهة التحديات مثل الإرهاب والوباء والتردى الاقتصادى، واياً تكن أحوال امريكا او أحزابها ومدى التغيرات التى أصابتها فإن مصر ماضية فى طريقها، يد تقاتل وتحمى ويد تصحح وتبنى... حفظ الله مصر.


لمزيد من مقالات د. ليلى تكلا

رابط دائم: