رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

مسبار الأمل قفزة عربية للمستقبل

قضينا نحن العرب قرونا عديدة منشغلين عن حاضرنا بالاتجاه إلى الماضي، إما تفاخرا بما أنجزه أسلافنا فى عصورهم الذهبية وإما صراعا بين طوائف وفرق مذهبية، لم نجن منها إلا الدماء، ولكن حدث خلال الأيام القليلة الماضية تحول نوعى نحو المستقبل، بنجاح مسبار الأمل الإماراتى فى مهمته الفضائية، الذى أرسل يوم الأحد الماضى أول صورة للمريخ يلتقطها أول مسبار فضائى عربي، من ارتفاع 25 ألف كيلو متر عن سطح الكوكب الأحمر. وهو تطور يستحق ان نقف أمامه وقفة إجلال، لأنه ليس فرقعة إعلامية ولا حتى مبادرة لتحقيق انجاز فى موسوعة الأرقام القياسية، وإنما يشكل قفزة عربية نوعية فى اتجاه المستقبل وإنجازا علميا لمصلحة البشرية. لأسباب حقيقية وهي:

أولا: لأن هذه أبعد نقطة فى الكون يصل إليها العرب عبر تاريخهم حيث قطع المسبار مسافة شاسعة قاربت الـ 500 مليون كيلو متر، فى رحلة استغرقت سبعة أشهر، ثانيا: أن 50% من البعثات التى حاولت قبله تحقيق هذا الهدف فشلت فى الوصول إلى مدار المريخ، من ثم فهو نجاح كبير فى امتحان عسير.

ثالثا: أن هذا النجاح ثمرة لجهود مضنية استغرقت، أكثر من 5 ملايين ساعة عمل لنحو 200 مهندس ومهندسة إماراتية، بهدف إعطاء أمل لجميع العرب بأننا قادرون على منافسة بقية الأمم والشعوب، على حد قول الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس دولة الإمارات رئيس مجلس الوزراء. فمنذ اليوم الأول للمشروع كان هناك قرار واضح، بأن يتم تصنيع المسبار وعدم شرائه جاهزا، وقد تحول هذا التحدى إلى فرصة لإلهام جيل من العلماء والباحثين بمجال العلوم والتكنولوجيا لإحداث نقلة نوعية للمساهمة فى بناء اقتصاد مبنى على المعرفة، وتأسيس كوادر وطنية تعمل فى المشروع عبر تدريب وإعداد باحثين إماراتيين للإسهام فى مجال استكشاف الفضاء، بالتعاون مع الشركاء العلميين الدوليين للمشروع، بالإضافة إلى تدريب وإعداد مهندسين لتطوير أنظمة الفضاء، بما يؤدى إلى تجهيز البنية التحتية اللازمة لبرنامج مستدام لاستكشاف الفضاء الخارجي، وبذلك تكون الإمارات أول دولة عربية تصنع الأقمار الصناعية بشكل كامل.

رابعا : أن مكونات المسبار تمثل أهم وأجود ما يمكن صناعته من تكنولوجيات، وهى إن صح التعبير غير قابلة للعطل؛ لطبيعة الرحلة التى تقوم بخدمتها. على حد وصف الدكتور حسين الشافعى مستشار وكالة الفضاء الروسية فى الشرق الأوسط.

خامسا: أن الأهم فى هذا الإنجاز مقارنة بما سبقه فى هذا المجال، هو ما تعهدت به الإمارات بأن تكون كل المعلومات التى يحصل عليها المسبار لاستكشاف السطح الخارجى للمريخ، متاحة بالمجان على المنصات الإلكترونية لكل المهتمين بهذا المجال، وسوف تبدأ قريبا المرحلة التالية حيث سيتم وضع المسبار فى المدار العلمى لبدء مهمته فى رصد الغلاف الجوى للمريخ وبخاصة حركة الغيوم وبخار الماء والغازات وتسرب الأكسجين والنيتروجين على مدى الساعة، ومحاولة تفسير أسباب تقلص الغلاف الجوى للمريخ. ففى هذه المهمة يستهدف المشروع جمع 1000 جيجابايت من البيانات والمعلومات الجديدة عن الكوكب الأحمر ليضعها فى متناول 200 مؤسسة علمية وبحثية مجانا، وهو أمر يستحق الإشادة، حيث لم يسبق لدولة أخرى أن قامت بمثل هذا العطاء على الإطلاق، ومن ثم فإن هذا الإنجاز يتخطى الإمارات والعالم العربى والإسلامي، لتصل ثماره إلى العالم بأسره . سادسا: أن هذا النجاح يجعل من بلد عربي، خامس دولة فى العالم تصل إلى المريخ، ليس لمجرد دخول التاريخ بهذا الحدث ، وانما هو جزء من جهودها لتطوير قدراتها العلمية والتكنولوجية، فلدى وكالة الإمارات للفضاء خطة طموحة لبناء مستوطنة بشرية على المريخ بحلول عام 2117. كما يرسخ هذا المشروع اهتمام شباب الإمارات والعالم العربى بدراسة العلوم والرياضيات والهندسة والتكنولوجيا والتخصص فيها، ويسهم فى بناء كوادر عالية الكفاءة فى مجال تكنولوجيا الفضاء والابتكار والأبحاث العلمية والفضائية.وإحداث تحولات جذرية فى تطوير القدرات العربية فى مجال البنى التحتية الهندسية والصناعية والعلمية والبحثية، بهذا القطاع. فقد أطلقت الإمارات عام 2017 برنامجا متكاملا للفضاء، يتضمن إنشاء أول مدينة علمية لمحاكاة الحياة على الكوكب الأحمر ومتحف للمريخ، إضافة إلى مختبر تجارب انعدام الجاذبية، وبرنامج لاستكشاف الفضاء، وإطلاق أكبر منتدى لعلماء المريخ فى العالم، كما يتضمن البرنامج إنشاء مجمع لتصنيع الأقمار الصناعية، وخطة لإعداد رواد فضاء إماراتيين. وتم بالفعل إعداد رائدى فضاء من بين عشرات من أبناء الدولة خضعوا لاختبارات عديدة قبل اختيارهم للقيام بهذه المهمة. فنحن إذن أمام عمل علمى مخطط يسخر المال لخدمة البشرية، يستحق التحية والتقدير.


لمزيد من مقالات د. محمد يونس

رابط دائم: