عرفت محمد حافظ رجب منذ وقت مبكر من حياتى الأدبية فى نهاية الستينيات. لم ألتقى به وقتها لكنى كنت وأنا اقرأ قصصه القصيرة أشعر به يملأ الفضاء حولى ويدفعنى إلى الأمام. كنا أدباء الإسكندرية الذين كنت بينهم فى قصر ثقافة الحرية ومنهم مصطفى نصر وسعيد سالم ورجب سعد السيد وعبد الله هاشم وغيرهم نتحدث عنه كثيرا بفخر وزهو وهو فى القاهرة
كنا جميعا نعرف كيف هو من أجنّة التجريب الأدبى الأولى فى القصة القصيرة التى انطلقت فى الستينيات كما كتب عنه يوما الناقد صبرى حافظ إذ أنه سبق الجميع بالمغامرة فى التجديد الذى اعتبره البعض شططا منذ نهاية الخمسينيات حتى انفجرت الدنيا بمجموعته «الكرة ورأس الرجل» فى الستينيات.
فى عام 1972كتبت مقالا عن مجموعته القصصية «الكرة ورأس الرجل» فى مجلة سنابل التى كانت تصدر من محافظة كفر الشيخ وكان يرأس تحريرها الشاعر الكبير محمد عفيفى مطر وكانت هذه بداية المعرفة الشخصية بينى وبين مطر حتى قابلته فى القاهرة. كنت ذلك الوقت فى الليسانس أنا ومجموعة من الأصدقاء الذين اشتهروا بعد ذلك منهم شبل بدران ومحمد الرفاعى ومراد منير وسيد حافظ الأخ الاصغر لمحمد حافظ رجب ومجنون التجديد فى الكتابة المسرحية، ورغم اختلاف كلياتنا كنا حريصين على محاضرة الدكتور عثمان أمين فى الفلسفة الحديثة. كان يأتى من القاهرة يوم الأربعاء ومحاضرته فى الساعة الخامسة تنتهى فى السابعة ونذهب وهو معنا إلى شقة الزميل حسن عقل الذى تخلف عنا بالرسوب نتحلق حول عثمان أمين يحكى لنا أجمل الذكريات عن طه حسين والعقاد وأحمد أمين وغيرهم. أطلعته على المقال فقرأه وأبدى اعجابا كبيرا به وتنبأ لى بمستقبل رائع فى النقد ولم يكن يدرى طبعا أن القصة والرواية ستغلبان النزعة النقدية والمعرفة بالأدب. فتح المقال باب الود بينى وبين محمد حافظ رجب الذى عاد فى نفس العام ليستقر فى الاسكندرية بعد محن كثيرة فى القاهرة لا أحب الدخول فيها. يكفى أنه عاد ليدخل مصحة نفسية بعض الوقت. صرت أحيانا أزوره فى شقته بحى بوالينو بمحرم بك. لا أنسى زيارة له عام 1978 وكنت على وشك السفر إلى السعودية للعمل. أخبرته وقلت له أخشى أن يكون السفر مغامرة غير جيدة فقال لى بصوته الأجش العريض إن البقاء هنا هو المغامرة.
فى مجموعته القصصية «الكرة ورأس الرجل» حطم كل الموروثات فى الحكى فصارت للأشياء أرواح كما البشر وصار البشر يتمزقون قطعا بينها ولكل قطعة حكاية. القصص كالكوابيس شكلا وموضوعا لكنها فى طعم الأحلام ومن الصعب أن ترسو بها على شاطئ غير الخيال. لقد انفجرت بها الدنيا فى مصر وخارجها. رغم ذلك لم يجد اعترافا بأهميته وسبقه فى التجديد إلا فى جلسات المقاهى ومقال هام جدا كما قلت لصبرى حافظ نشره فى مجلة الطليعة فيما أذكر وكذلك ابراهيم فتحي. منذ عشر سنوات تقريبا أجرت معه جريدة الشروق حوارا وسألوه عمن كتب عنه فقال «ابراهيم عبد المجيد كتب عني» . أبكانى كلامه فهو لا ينسى مقالا لشاب مضت عليه أربعون سنة. كانت الأستاذة فاطمة البودى قد قامت وقتها بنشرأعماله الكاملة وطلبت منى أن أسافر معها إليه نصحبه إلى ندوة فى فرع دار العين بالإسكندرية. ذهبت معها إلى بيته الجديد فى المساكن الشعبية بالورديان هذه المرة. دخلنا إلى الشقة واستقبلتنا إحدى بناته وكان هو يستحم. خرج من الحمام وأتى إلينا وأشار لى من بعيد باسما مرحبا وجلس وأنا لم أتحير فلقد بدا لى زاهدا كبيرا. أقمنا الندوة الجميلة وردد فيها رجب سعد السيد حكاية كان قد حكاها لى من قبل وهى جديرة بالذكر. كان رجب فى زيارة لإحدى ادارات وزارة الزراعة فى محطة مصر لشراء بعض اصداراتها التى تفيده فى قصص يكتبها للأطفال فى مجلة ماجد. سمع حوارا بين موظف الإدارة للبريد وزميله عن خطاب معه مكتوب عليه بالانجليزية اسم محمد حافظ رجب ووزارة الزراعة فدخل فى الحوار بينهم وقال لهم إن ما هو مكتوب:
أى وزارة الثقافة وليس :Ministry Of culture
. Ministry of Agriculture
أى وزراة الزراعة وأنه يعرف صاحبه. وثقوا فيه وأعطوه الخطاب بعد أن أخذوا بيانات بطاقته. كان الخطاب من موسوعة:
«Who is Who»
التى تعنى بتقديم تعريفات بالمشاهير. وذهب به الى السيدة المرحومة عواطف عبود مسئولة النشاط الثقافى بقصر ثقافة الحرية . فتحا الخطاب لأنه بالإنجليزية ليترجماه لحافظ رجب وكانت دائرة المعارف قد كتبت سطرين عنه كمجدد كبير للقصة القصيرة العربية رغم قلة انتاجه وتريد موافقته على ما كتبت. أوصلت السيدة عواطف عبود الخطاب لمحمد حافظ رجب ورد عليه. الصدفة وضعت انسانا جميلا مثل رجب سعد السيد فى الطريق. على الناحية الأخرى التقيت أيام الجامعة بكاتب المسرح المجدد سيد حافظ وهو الأخ الأصغر لمحمد حافظ رجب. لايمكن أن أتذكر محمد حافظ رجب دون أن أتذكر سيد حافظ وجرأته فى التجديد والعكس صحيح. كنت معجبا جدا بما يكتبه سيد وأحيانا كان يتحول إلى عرض مسرحى فى قصر ثقافة الحرية وكتبت عنه وقتها مقالا له قصة قد يأتى وقتها. كتبت عبر السنوات الماضية فى أكثر من مقال أطالب لمحمد حافظ رجب بجائزة الدولة التقديرية ولا فائدة وكذلك جائزة كفافيس السكندرية كان أحق بها فهو المجدد الاستثنائى من زمان ولا فائدة كأننا نعوى فى فراغ. لقد ظلمت هذه الجوائز نفسها بإهماله . عاش غريبا وهو أصل عظيم فى التجديد الأدبى لكنه عاش راضيا.
رابط دائم: