فى دراسة مهمة ضمن دراسات المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية، أعدها المركز حول أبعاد مشكلة الانتحار فى المجتمع المصري، وآليات الوقاية منها، تطرقت لمخاطر استخدام الإنترنت والألعاب الإلكترونية فى التحريض على الانتحار والترويج للأفكار الانتحارية، خاصة بين المراهقين.
كما تطرقت الدراسة، التى أجريت تحت إشراف الدكتورة سعاد عبدالرحيم، أستاذة علم الاجتماع بالمركز، والدكتورة سهير عبدالمنعم، أستاذة القانون الجنائى بالمركز، لبحث سبل الحد من مخاطر استخدام المبيدات وتقييد تداول السموم والمبيدات، وتفعيل الرقابة والحد من الوصول للأدوية، باشتراط الحصول على الوصفات الطبية، واتخاذ تدابير لمناهضة القيادة تحت تأثير الكحول، على غرار تلك المعمول بها بشأن المخدرات، وتوفير البيانات عن وفيات المبيدات، مما يساعد على تحديد نوع التدريب اللازم لعلاج الضحايا.
الدكتورة هالة رمضان، مديرة المركز، تقول إن الدراسة أكدت أن القيم الدينية عامل مهم للوقاية من الانتحار، وهو ما يفسر معدلاته المنخفضة بصفة عامة، حيث لا تعد سلوكيات الانتحار سمة مألوفة للشخصية المصرية، التى تتميز بالتدين والقدرة على التكيف مع ظرف الحياة، بالتحايل وتطوير قيم الرضا والقناعة، كما أنه منذ سبعينيات القرن الماضي، لجأ البعض إلى الغيبيات من سحر وشعوذة أملًا فى العلاج والوقاية.
وتؤكد أن الانتحار يعد سلوكًا فرديًا موجودًا فى المجتمعات كافة، وعلى مختلف فترات التاريخ، وإن اختلف النظر إليه ما بين الاستهجان أو القبول، باختلاف الأطر الثقافية وأنماط الضبط الاجتماعي، وتعد الوقاية من الانتحار مطلبًا دوليًا، وهو ما يتوافق مع العديد من المتغيرات النوعية حول الانتحار فى مجتمعنا، للتزايد النسبى فى معدلاته، مع مخاطر الطابع الانتشارى للنشر على الشبكة الدولية للمعلومات، فى كسر الحاجز النفسى للتعامل مع سلوكياته كأمر اعتيادي.
وتضيف أنه لمواجهة إمكان انتحار عدد من الأطفال والمراهقين بسبب الألعاب الإلكترونية، قام النائب العام بإصدار قرار بحجب المواقع الخطرة من تلك الألعاب فى يونيو عام 2018، وذلك للتغير فى إيكولوجيا الانتحار، بامتداده إلى بعض المناطق الريفية، مع مخاطر استخدام نوع من المبيدات الحشرية القاتلة، ممثلة فى أقراص الغلة.
وتوضح أن الدراسة أكدت خصوصية محافظات القاهرة والجيزة والإسكندرية خلال سنوات الدراسة الإحصائية من (1947 – 2018)، وهو ما يؤكد أن المشكلة ما زالت حضرية فى المقام الأول، وإن تصدرت محافظة البحيرة - فجأة - وفيات الانتحار عام 2018.
وكشفت الدراسة، التحدى والوصمة المزدوجة للانتحار التى يعانيها مجتمعنا، وترتبط الأولى بالمرض النفسي، والثانية بسلوك الانتحار نفسه، باعتبار الروح ملكًا لخالقها، وهو ما يرجع إلى غياب الوعى الأسرى والمجتمعى بجدوى العلاج النفسي، وتجاهل مرضاه أو توصيات الأطباء، بالعلاج الدوائى أو الإيداع بمستشفى متخصص، وفقًا للدراسة الميدانية، فضلا عن غياب الوعى بإمكان الوقاية من الانتحار. وطالبت الدراسة وسائل الإعلام المختلفة ومواقع التواصل الاجتماعي، بالتوعية وبرامج المساعدة الذاتية، والعلاج عن بُعد، وإنشاء مكتب للاستشارات الدينية فى كل جامعة، ودعم الرعاية النفسية والاجتماعية بالعديد من مؤسسات المجتمع التعليمى والمهني، على غرار مراكز الدعم المجتمعى بالجامعات، وإعداد كوادر للعمل فى الخطوط الأمامية، تجمع بين الجهود المهنية والتطوعية من الإخصائيين النفسيين والاجتماعيين والدعاة والمعلمين والإعلاميين.
وتعد مصر كغيرها من دول العالم، فهى ليست بمعزل عن المعاناة من مشكلة الانتحار، وإن كانت توضع - مع الدول العربية - وفقًا للتقارير الدولية، ضمن مجموعة دول شرق المتوسط، التى تقع فى أدنى المعدلات العالمية، التى تتراوح معدلات الانتحار بها، من 2 إلى 4 لكل مائة ألف من السكان.
رابط دائم: