رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

حسن السلوك خير دعاية للإسلام
عبادتك لنفسك .. لكن أخلاقك لغيرك

جيهان إمام

أزهريون : كيف يجتمع أداء الفرائض والإساءة للآخرين؟ 

 

 

 

بالرغم من شيوع بعض مظاهر التدين فى المجتمع ما بين الحرص على الصلاة ولزوم المسبحة وإعفاء اللحية وارتداء الجلباب والحجاب، وحفظ الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، ومتابعة البرامج الدينية، وغيرها.. فإنه عند الممارسات اليومية والتعامل مع الناس والجيران، وزملاء العمل، قد يجد المرء تناقضا بين ما يظهره هؤلاء وما يطبقونه على أرض الواقع!  

علماء الدين يؤكدون أن الظن بأن الدين مجرد شعائر وعبادات ومظاهر تعبدية بين العبد وخالقه فحسب، خطأ كبير يقع فيه البعض، مشيرين إلى أن الإسلام عبارة عن عبادات ومعاملات معا، لا ينفصل أحدهما عن الآخر، ولا يصلح بديلا عنه، داعين إلى التحلى بحسن الأخلاق والمعاملة الطيبة، باعتبارهما حصائد الحسنات ومفاتيح الخير، ومحذرين من سوء الخلق الذى لا تنفع معه طاعات عند الله.    

فى البداية يشير الدكتور مختار مرزوق عبدالرحيم، عميد كلية أصول الدين بأسيوط سابقا، إلى أن العبادات والمعاملات فى الإسلام صنوان لا ينفصلان، فلا يجوز التقصير فى جانب على حساب جانب آخر، ويوضح أن الأخلاق والمعاملات لا تقل أهمية عن العبادات، بدليل أن عدد النصوص الداعية إلى المعاملات فى القرآن والسنة يفوق بكثير ما ورد فى العبادات، فالقرآن الكريم يتحدث عن العبادات فى نحو 110 آيات، ولكنه يتحدث عن المعاملات والأخلاق فى 1504 آيات، أى أن نحو ربع القرآن يدعو إلى الأخلاق، مقابل 2% فقط عن العبادات.  

ويضيف: العبادة الصحيحة والإيمان الحقيقى هو الذى يثمر أخلاقا حسنة ومعاملات طيبة، ويتابع: يعتنى الإسلام بالمعاملات والأخلاق لأنها هى التى يخالط بها الناس بعضهم بعضا، لذا فإذا تأملنا وصايا «لقمان» عليه السلام لابنه نجد أن معظمها يركز على المعاملات والأخلاق، فبعد أن استهل الوصايا بعبادة التوحيد وعدم الإشراك بالله «يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّـهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ»، استطرد فى الأمور المتعلقة بالأعمال الصالحة بدءا من بر الوالدين «وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ»، ثم «وأمر بالمعروف وانه عن المنكر، واصبر على ما أصابك»، «ولا تصعر خدك للناس ولا تمش فى الأرض مرحا»، «واقصد فى مشيك واغضض من صوتك».

ويضيف د. مختار أن السنة المشرفة تحدثت أيضا عن ضرورة حسن المعاملة للناس بل وللحيوانات أيضا، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : (إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته).  

ويؤكد مرزوق أن أكثر ما يدخل الجنة أو النار هو ما يتعلق بالمعاملات مع الآخرين، وحينما سئل النبى صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يدخل الناس الجنة، قال: تقوى الله وحسن الخلق. وسئل عن أكثر ما يدخل الناس النار فقال: الفم والفرج). وعن ابن مسعود أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: (ألا أخبركم بمن تحرم عليه النار قالوا: بلى يا رسول الله، فقال: على كل هين لين قريب سهل).

ويتابع : يتضح لنا من هذا الحديث أن النار تحرم على كل إنسان أخلاقه حسنة سهل فى تعاملاته مع الآخرين، وهذا جانب من الرقى الأخلاقى فى المعاملات بين الناس.  

ويشير إلى أن الإنسان إذا كان مسيئا فى معاملاته، فلن تنفعه عبادته، فعن أبى هريرة رضى الله عنه قال: (قال رجل يا رسول الله إن فلانة تذكر من كثرة صلاتها وصيامها وصدقاتها غير أنها تؤذى جيرانها بلسانها، قال: هى فى النار)، فتلك المرأة كانت معروفة بالصلاة والصيام والتصدق لدرجة أنها كانت تذكر بين الناس بهذه الأعمال الصالحة إلا أنها كانت تؤذى جيرانها بلسانها، لذا أخبر النبى عليه الصلاة والسلام عنها أنها فى النار، فأداء الفرائض وإن تم بشكل كامل ومنتظم لا يمحو ذنب الإساءة للآخرين، بل الإساءة للآخرين بالقول أو الفعل تدخله النار، وهذا أعلى ما يكون فى المقارنة بين العبادات والمعاملات.     

ويؤكد أن السلوكيات الطيبة والمعاملة الحسنة من صدق وإتقان وغيرها، هى خير دعاية للإسلام وأفضل تعبير عن محبة رسوله صلى الله عليه وسلم، فالآخر لا يلمس منك سوى سلوكك وأخلاقك أما عبادتك فهى لنفسك، بينك وبين ربك، لذا كان حسن خلق التجار المسلمين السبب فى اعتناق مسلمى شرق آسيا الإسلام.  

الإفلاس الحقيقي

فى سياق متصل يوضح الدكتور على محمد الأزهرى عضو هيئة التدريس بجامعة الأزهر أن الإسلام يقرر حقيقة ارتباط العبادات بالمعاملات، ففى الصلاة مثلًا قال الله تعالى: «اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُون». ولذا قال سيدنا عبدالله بن مسعود رضى الله عنه «من لم تأمرهُ صلاتهُ بالمعروفِ وتنهاهُ عن المنكرِ لم يزدد من اللهِ إلا بُعدًا».  فارتباط العبادة بالمعاملة ضرورى جدًا، ولذا كان الإفلاس الحقيقى بسبب سوء المعاملة ولو صلى العبد وقام، فقال رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، لصحابته ذات يوم: أَتَدْرُونَ من المُفْلِسُ؟ قالوا: المُفْلِسُ فِينا مَن لا دِرْهَمَ له ولا مَتاعَ، فقالَ: إنَّ المُفْلِسَ مِن أُمَّتى يَأْتى يَومَ القِيامَةِ بصَلاةٍ، وصِيامٍ، وزَكاةٍ، ويَأْتى قدْ شَتَمَ هذا، وقَذَفَ هذا، وأَكَلَ مالَ هذا، وسَفَكَ دَمَ هذا، وضَرَبَ هذا، فيُعْطَى هذا مِن حَسَناتِهِ، وهذا مِن حَسَناتِهِ، فإنْ فَنِيَتْ حَسَناتُهُ قَبْلَ أنْ يُقْضَى ما عليه أُخِذَ مِن خَطاياهُمْ فَطُرِحَتْ عليه، ثُمَّ طُرِحَ فى النَّارِ».  ويضيف: إن جائحة «كورونا» التى تضرب البشرية حاليا، تدعونا إلى إعلاء الأخلاق من إتقان فى العمل وتراحم ورفق بين الناس ونصيحة وعطاء وإيثار وصدق وأمانة، ومؤازرة مادية ومعنوية.. لذا نحتاج إلى تفعيل منظومة القيم والعمل بما تكرسه العبادات، حتى لا تكون مجرد شعارات جوفاء.  

ويتابع الأزهرى حديثه إننا ما زلنا نرى من يستغلون حاجات الناس ويحتكرون دواءهم وأقواتهم، فهذا ظلم وخطأ كبير، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم « لا يحتكر إلا خاطئ»، ورغم أن هذا يندرج فى باب المعاملات، فإن الواقع فيه استحق اللعن والطرد من رحمة الله ففى الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «المحتكر ملعون». لذا فإن من ساعد مريضًا أو قدم له بذلًا ولو بشيء يسيط دخل فى عموم قول الله تعالي: «وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا»، فكان التعامل قرينًا للعبادة فلا يكتمل الدين إلا بحسن المعاملة.  

الضيق والهلاك

من جانبها تقول الدكتورة إلهام محمد شاهين أستاذة العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر: إن الذنوب نوعان: كبائر وصغائر، مشيرة إلى أن حقوق العباد القولية والفعلية تعد من كبائر الذنوب، لذلك لا يدخل مرتكبها الجنة أبدا إذا مات ولم يتحلل منها فى الدنيا. من هنا يقول العلماء: (كل الأخطاء مغفورة عند الله إلا ظلم العباد فهو مرهون بعفوهم) وبين لنا رسولنا الكريم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن من يعيش حياته فى كثرة من العبادات وهو مسيء فى المعاملات خاسر لكل تلك العبادات لأنها تذهب إلى من أساء إليهم ويجد نفسه مفلسا مستحقا للعقاب والعذاب وذلك كما ورد فى حديث (المفلس) الذى تحدث عنه النبى صلى الله عليه وسلم.  

وتواصل د.إلهام حديثها قائلة: ومما يؤكد خطورة التهاون فى الأخلاق والمعاملات، أنها سبب رئيس فى أن تضيق علينا معيشتنا فى الدنيا وهلاكنا فى الآخرة وهذا ما يوضحه حديث السبع المهلكات التى حدثنا عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال: «اجتنبوا السبعَ الموبقاتِ، قالوا: يا رسولَ اللهِ، وما هنَّ؟ قال: الشركُ باللهِ، والسحرُ، وقتلُ النفسِ التى حرّم اللهُ إلا بالحقِّ، وأكلُ الربا، وأكلُ مالِ اليتيمِ، والتولى يومَ الزحفِ، وقذفُ المحصناتِ المؤمناتِ الغافلاتِ». وتختم قائلة لمتأمل لهذا النموذج يجد أنه تحدث عن أمر واحد فى حق الله، وستة أمور فى حق العباد، فالسحر أذى للناس وهو شرك بالله وقتل النفس أذى للناس، وأكل الربا استغلال لحاجة الناس وأكل أموالهم بالباطل، وأكل مال اليتيم ظلم للضعيف وللمرأة وقهر لهما، والتولى يوم الزحف يهدد كيان المجتمع كله، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات ظلم وقهر واستهانة بالمرأة وتعد عليها باللفظ، فإذا كان التعدى اللفظى من الموبقات المهلكات فما بالك بالتعدى البدنى والفعلى والنفسى والمادى؟! 

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق