رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

فى زمن الجائحة وموت الفجأة : «توثيق المعاملات».. يحفظ الحقوق ويمنع المظالم!

تحقيق ــ  حسـنى كمـال

العلماء: العاقل من يستعد لآخرته .. والوصية ليست دعوة للتشاؤم  

 

 

 

حذر عدد من علماء الدين من التراخى فى التعاملات المالية، وعدم إثبات المعاملات أو الإشهاد عليها، معتبرين أن هذا خطأ كبير يقع فيه بعض الناس، استنادا إلى طول الأمل وحسن الظن بالآخرين، وأكدوا أن إثبات الحقوق والإشهاد عليها بالصور القانونية والشرعية يحفظها من الضياع ويزيل سوء الظن، ويتصدى لخراب الذمم والمظالم وفساد الأخلاق.   

ويوضح العلماء أن الظروف التى تهدد حياة الإنسان كالحروب والجوائح، وما يصاحبها من موت الفجأة، تحتم على الجميع المسارعة إلى توثيق الحقوق وإثباتها دون إرجاء أو استبطاء، لأن الموت يأتى  فجأة، وحينما يحل قد تثور خلافات اجتماعية وأسرية، إما بسبب حقوق للمتوفى مات قبل أن يدركها، وإما ديون مات قبل أن يسددها، وأحيانا قد لا يعلم ذووه وورثته شيئا عن ذلك، وربما كانت له عقود أبرمت أو ممتلكات بيعت أو حتى زواج آخر لا تعلم أسرته شيئا عنه!..الأمر الذى يؤكد أهمية التعجيل دوما بإثبات الحقوق والمعاملات لاسيما أننا أمام جائحة لا يعلم متى تنجلى إلا الله عزوجل.  

فى البداية يقول الدكتور عبدالوارث عثمان، أستاذ الشريعة بجامعة الأزهر، تعيش الإنسانية أوقاتا صعبة جراء ما ألم بالكرة الأرضية من وباء «كورونا»، الذى تسبب فى إصابة الملايين ووفاة مئات الآلاف من البشر، الأمر الذى يدعو المسلم للتشمير عن ساعديه، والإسراع بما فاته من أعمال الخير بدءا بالتوبة النصوح، فلا مجال للتسويف والتأجيل، فالعاقل من يتأهب للموت بالفعل والعمل، وهذا الاستعداد يبدأ بإصلاح نفسه استعدادا للقاء ربه، ويجد فى عمل الصالحات لدفع الضر، ورفع البلاء، وجلب الأمن، والطمأنينة بذكر الله تعالى كما قال: (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب).   ويشير د. عثمان إلى أن المسلم عليه أن يمتثل للتعاليم الشرعية، ويأخذ بالأسباب التى سخرها الله له، وأن يتسلح دائما بالتطهر والتوبة والاستغفار فهذه مصادر السعادة والسكينة والأمن، وهى واجبات المسلم ودروعه عند النوازل والمحن، وبها يكون مستعدا للقاء الله عز وجل.   

إثبات الحقوق   

من جهته، يعتبر الدكتور ناصر محمود وهدان ـ الأستاذ بجامعة العريش ـ أن الجوائح وموت الفجأة تذكرة وتنبيه للغافلين، للاستعداد ليوم القيامة، وذلك يفرض على كل مسلم مراجعة نفسه وضبط جميع أموره، ما يتعلق منها بحق الله ثم حق النفس وحق العباد، وهذا الضبط يشمل مختلف التعاملات، خاصة المسائل المادية والمرتبطة بالنفس وبالغير، كإثبات الحقوق والديون والوصايا والشراكات ونحوها.     ويضيف فمن كانت عادته العشوائية والتسويف وترك الأمور على عواهنها، عليه الكف عن ذلك والمسارعة إلى إثبات الحقوق، بأى طريقة من طرق الإثبات كالكتابة والتوثيق والإشهاد، لأن ذلك من شأنه المحافظة على الحقوق ومصالح العباد، ومن ثم الحفاظ على السلام الاجتماعى، وتجنب الشقاق والخلافات الأسرية، والتصدى لآفات النفس البشرية من طمع وجشع وخراب ذمة، ولكى يلقى الإنسان ربه سالما من إثم ما يترك، أفبعد جهد الحياة وكبدها يترك من خلفه حيارى لا يدرون ماذا يفعلون، وتضيع بسببه حقوق أو تتعطل مصالح؟!. 


 

ويوضح وهدان أن إثبات الديون بكتابتها والإشهاد عليها، دعانا إليه القرآن الكريم، كمنهج نتبعه فى ممارساتنا الحياتية عامة، وإن لم تكن هناك جوائح أو أزمات، ونص على ذلك صراحة فى آية هى الأطول فى الكتاب العزيز (الآية 282 من سورة البقرة) فقال تعالي: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّيً فَاكْتُبُوهُ».  وينبه إلى أن كتابة العقود وإثبات الحقوق لا يعنى التخوين والتشكيك، فالقرآن الكريم لم يخص بخطابه في: (فاكتبوه) الخائنين أو المنافقين أو الكاذبين ولكنه يخاطب عموم المؤمنين، والنداء هنا (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) يدل على العناية بهذه الأحكام، وأن الالتزام بها من مقتضى الإيمان، حفظا لها من أن يضيعها النسيان أو ضعف النفوس.   ويضيف: مما يتصل بحفظ الحقوق: المسارعة بتقسيم التركات بعد حياة المورث، وإعطاء الإناث ميراثهن، وتمكين كل وارث من إرثه، دون تسويف، فما عليه عادة بعض الأسر من إرجاء التقسيم بعد وفاة الأب، وتظل التركة ـ خاصة نصيب الإناث ـ تحت يد أحد الورثة دون تحديد أو تمييز لنصيب كل وارث، وسرعان ما يتسلل الطمع إلى نفسه فإذا طالبه الباقون بأنصبتهم بخسهم حقهم أو ألجأهم للقضاء، ووربما يموت من تحت يديه التركة، ويترك ولدا يتنكر لقرابة أبيه ويرفض ما أقره أبوه بالأمس، إذا كان غير موثق.. وهذه إشكاليات كثيرا ما نجدها على الواقع نتيجة عدم توثيق الحقوق وتحديدها من البداية. ويدعو إلى الشفافية بين الزوج وزوجته وبينه وبين بنيه، بإعلامهم تفاصيل معاملاته المالية وتجارته وديونه ومقرضاته، وغير ذلك، فذلك من مقتضيات حسن العشرة والمشاركة بين الزوجين.. مشيرا إلى أنه إذا كان لبعض الأبناء جهد مع أبيه فى تجارة أو نشاط معين، وأراد الأب أن يكافئ هذا الابن فليفعل ذلك من فوره دون استبطاء، ولا يتركه هملا بعد وفاته، حتى لا يكون قرار الابن بيد أشقائه، منحوه أو منعوه.  كما شدد على أهمية توثيق الزواج والطلاق، لما يترتب عليهما من حقوق تتعلق بالميراث والنسب وغيرها، حتى لا يضيع حق الزوجة وحق الصغار، أو تذهب حقوق لغير مستحقيها بسبب غياب وسيلة الإثبات أو النفي! حيث إن غياب التوثيق يضيع الحقوق ويفتح المجال للادعاء والافتراء.   

التعجيل لا التأجيل   

فى سياق متصل، يرى الدكتور محمد صالحين، أستاذ العقيدة والفكر الإسلامى، بكلية دار العلوم بالمنيا، أن هناك أمورا يجب التعجيل بها دون إرجاء أو تسويف، وهى الفرائض الشرعية أو العُرفية؛ مثل: قضاء الدين، أو رد المظالم، أو الوفاء بعقد، أو تسليم أمانة: فيجب التعجيل بفعلها؛ خاصة فى زمن الجوائح، وترقب الموت، وهناك أمورٌ مستحبةٌ، وليست واجبة؛ مثل: تأمين حياة الأولاد؛ بمسكن، أو مركب، أو مشروع ... إلخ: فيُفضل فعلُها وعدمُ تأجيلها؛ لما فيها من مصلحة ظاهرة للذرية، أما الأمور المباحة؛ وهى ليستْ من قبيل الفرض، ولا المندوب، فاختيار تعجيلها أو تأجيلها يعود إلى صاحب الشأن؛ لأنه أدرى بوجوه المنافع والمضار.   وعلى العموم، والكلام لصالحين: فإن المسارعة بفعل ما فيه خيرٌ ونفعٌ هو من الأمور التى حث عليها الشرع؛ إذ قال تعالي: «سابقوا إلى مغفرة من ربكم»، وقال: «فاستبقوا الخيرات»، وقال :«وسارعوا إلى مغفرة من ربكم»، وقال النبى صلى الله عليه وسلم: «اغتنِمْ خمسًا قبل خمسٍ: شبابَك قبل هَرَمِك، وصِحَّتَك قبل سَقَمِك، وغناك قبل فقرِك، وفراغَك قبل شُغلِك، وحياتَك قبل موتِك»، فهذا يؤكد أهمية المبادرة، وعدم تأجيل الأمور التى فيها منفعة بوجه من الوجوه.   

أهمية الوصية    

وينبه صالحين إلى أهمية أن يكون لكل منا وصية مكتوبة، أو على الأقل مشافهة بعض الأمناء بها، والإشهاد على ذلك ما أمكن، خاصة إذا كان له شىء محدد يريد أن يوصى فيه؛ مثل: الوصية بقضاء ديونه؛ خاصة غير الثابتة بوثائق.  ويوضح أن الوصية لا تعنى انتهاء الأجل، وليست دعوة للتشاؤم واستدبار الحياة، ولكنها استجابة لتوجيه نبوى حكيم؛ يغفل عنه الكثيرون، إذ يقول رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُوصِى فِيهِ يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إِلَّا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ)، وهذا دليل على مشروعية المسارعة إلى كتابة الوصية فى حياتنا بشكل عام، ومن باب الأولى التزامها فى زمن الجوائح وموت الفجأة.   ويشير إلى أن الوصية تنقسم إلى: واجبة، وهى الوصية ببيان ما عليه وما له من حقوق، كدينٍ أو قرضٍ أو أماناتٍ مودعة عنده، أو حقوق له فى ذمم الناس، وهى فى هذه الحالة واجبة لحفظ ماله، وبراءة ذمته. وهناك وصية مستحبة: وهى التبرع المحض، كالوصية بالثلث فأقل، لقريب غير وارث، أو لغيره، أو الوصية فى أعمال البر من الصدقة على الفقراء والمساكين أو فى وجوه الخير. أما الوصية المحرمة؛ كأن يوصى بمعصية أو بحرمان أحد الورثة من حقه، أو ما شابه ذلك فهذه من كبائر الإثم والعدوان، لا يجوز الامتثال لها بحال.  وإجمالا فللموصي أن يوصى بما شاء من الوصايا الاجتماعية والدينية، شريطة ألا تتضمن ظلما أو منكرا.   ويختتم صالحين حديثه محذراً الآباء والأمهات من تهاون بعضهم بكتابة كل ما يملك لأبنائه وتمكينهم من ذلك فى حياته، فذلك خطأ يرتكبه فى حق نفسه، مهما يكن عليه أبناؤه من البر والطاعة، ومهما تبلغ به السن، لأن نفوس الأبناء قد تتغير، والآجال لا يعلمها إلا الله، ولا أحد يدرى ماذا تحمل الأيام، وربما تعرض الأب أو الأم لطارئ أو مرض واحتاج لشيء من المال، فيصبح يستجدى ماله بعد أن كان مالكا له!

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق