دون تفسير أو تبرير لتجاهلهما انتهاكات حقوق الإنسان العلنية والمستمرة داخل الولايات المتحدة، زعم توم مالينوفسكى ودون باير، عضوا مجلس النواب الأمريكى، أنهما قاما بتشكيل تكتل للدفاع عن حقوق الإنسان فى مصر. ومساء أمس الأول، الأربعاء، حلّ باير ضيفًا على قناة الجزيرة القطرية ليتحدث عن ذلك التكتل المزعوم. وربما زاد أجره عن أجر شريكه، الذى نشرت جريدة نيوجيرسى جلوب، فى 11 يناير 2018، أنه كان يتقاضى ألف دولار، مقابل ظهوره فى تلك القناة، للدفاع عن السياسيات القطرية، خلال فترة عمله مساعدًا لوزير الخارجية.
قبل اختياره مساعدًا لوزير الخارجية الأمريكى، فى أبريل 2014، كان توم مالينوفسكى يعمل فى منظمة هيومن رايتس ووتش، حين ألقت قوات الأمن البحرينية القبض عليه، سنة 2012، فى مخبأ أحد المطلوبين جنائيًا، وأمرته بمغادرة البلاد فورًا. وبعد ثلاثة أشهر من تعيينه فى المنصب الدبلوماسى الرفيع، ذهب إلى البحرين مجددًا، وزار مقر جمعية الوفاق الإسلامية، الموالية لإيران، واجتمع بأمينها العام على سلمان، دون أى ترتيب مع الخارجية البحرينية، كما توجب البروتوكولات، فأعلنت البحرين أنه شخص غير مرغوب فيه، وطردته مرة أخري. لاحقًا، عرفنا من تسجيلات صوتية، عرضها تليفزيون البحرين الرسمى، أن حمد بن جاسم، رئيس الوزراء القطرى السابق، كان يتولى تنظيم لقاءات مالينوفسكى وعلى سلمان، الذى أيدت المحكمة العليا فى البحرين حكمًا بسجنه مدى الحياة، عن عدة اتهامات أبرزها التخابر مع دولة أجنبية للقيام بأعمال عدائية داخل المملكة، وقبول مبالغ مالية من تلك الدولة مقابل إمدادها بأسرار عسكرية ومعلومات تتعلق بأوضاع البلاد الداخلية. وهناك علاقة شبيهة ربطت السعودى سليمان العودة، بالأجير الثانى، دون باير، الذى كتب فى حسابه على تويتر، فى 9 أكتوبر 2019 مطالبًا بإطلاق سراحه، وزاعمًا أن مصير حقوق الإنسان فى المملكة معلق بمصير العودة!. سيرة باير المهنية أكثر ارتباكًا: درس الاقتصاد، وعمل فور تخرجه، سنة 1972 فى شركة تجارة سيارات، يمتلكها والده وآلت ملكيتها إليه مع شقيقه، سنة 1986، ثم صار نائبًا لحاكم ولاية فرجينيا، منذ سنة 1990 إلى أن خسر الانتخابات على منصب الحاكم، سنة 1997، وترأّس مجلس إدارة الجمعية الأمريكية لتجار السيارات، سنة 2006 واختير سفيرًا لبلاده لدى سويسرا وليختنشتاين، بين 2009 و2013، وفى 2014 فاز بعضوية مجلس النواب. ما يعنى أن المذكور قد لا يعرف موقع مصر أو السعودية على الخريطة، مثل ثلثى مواطنيه، الذين أظهرت دراسة نشرتها ناشيونال جيوجرافيك، فى 2006، أنهم لم يتمكنوا من تحديد موقع العراق، أو كهؤلاء الذين كشف استطلاع أجراه مركز بيو، فى 2013، أنهم لا يعرفون أين تقع سوريا!. تأكيدًا لذلك، كان جارى جونسون، مثلًا، حاكمًا لولاية نيو مكسيكو لمدة ثمانى سنوات، ورشحه الحزب الليبرتارى فى انتخابات الرئاسة الأمريكية قبل الماضية. ومنتصف سبتمبر 2016 استضافه مايك بارنكلى فى برنامجه على قناة MSNBC، وسأله عما سيفعله بشأن حلب، حال فوزه، فرد عليه بمنتهى الجدية: وما هى حلب؟، وبعد أن ضحك بارنكلى وطلب من ضيفه أن يتوقف عن المزاح، فوجئ بأن السؤال كان استفهاميًا، وأن المرشح الرئاسى، حاكم الولاية السابق، لا يعرف مدينة سورية كانت محل اهتمام العالم لأكثر من خمس سنوات سابقة!.
خلاصة ما سبق، والذى تدعمه وقائع ودراسات عديدة، هو أن المواطن أو الناخب الأمريكى، لا تعنيه حقوق الإنسان فى مصر أو فى الهند. وعليه، لن تجد تبريرًا أو تفسيرًا لقيام النائبين بتشكيل التكتل المزعوم، غير اللوبيينج، Lobbying، أو الضغط السياسى، الذى بلغ ما تم إنفاقه عليه، خلال سنة 2019، نحو 7 مليارات دولار، بحسب دراسة أجرتها تيم لابيرا، أستاذة العلوم السياسية بجامعة جيمس ماديسون، وهو ضعف الرقم المُعلن أو المصرح به.
يهدف الضغط السياسى إلى التأثير على المسئولين، لكى يتخذوا قرارات أو مواقف لمصلحة الجهات أو الدول التى تعمل جماعات الضغط، أو اللوبيات، لحسابها. كما يتواصل العاملون فى هذا المجال مع أعضاء الكونجرس، أو يستأجرونهم، لتمرير عبارات أو تشريعات، أو إصدار بيانات، يطلبها الزبون. وقد يكون موظفو الكونجرس ومساعدو النواب أكثر أهمية من النواب أنفسهم، لأنهم هم الذين يكتبون أو يراجعون نصوص التشريعات المقترحة. وكان جاك أبراموف، مثلًا، يولى هؤلاء الموظفين والمساعدين اهتمامًا خاصًا. والمذكور، كان أحد نجوم الضغط السياسى وصاحب الفضيحة الأشهر فى هذا المجال، ولعب دوره كيفين سبيسى فى فيلم كازينو جاك، الذى كتبه نورمان سنيدر وأخرجه جورج هيكنلوبر، وننصحك بمشاهدته. مع مسئولين فى البيت الأبيض وفى وزارتى العدل والداخلية، ومع صحفيين وأعضاء وموظفين فى الكونجرس، تم استئجارهم أو تقاضوا رشاوى، حوكم جاك أبراموف، سنة 2006، وأقرّ بارتكابه جرائم احتيال وتآمر وتهرب ضريبى، وعوقب بالسجن لمدة ست سنوات، قضى منها ثلاث سنوات ونصف السنة، وتم إطلاق سراحه فى 3 ديسمبر 2010، وسيحتفل فى 28 فبراير المقبل بعيد ميلاده الثانى والستين، على نفقة العائلة الضالة التى تحكم قطر بالوكالة، غالبًا، وطبيعى أن يشاركه الاحتفال زملاؤه فى المهنة، الذين استأجروا توم مالينوفسكى ودون باير، وغيرهما.
لمزيد من مقالات ماجد حبته رابط دائم: