مما لاشك فيه أن ازدياد استهلاك السوشيال ميديا وإدمان الجمهور بمختلف فئاته لها أثر بشكل مباشر على طبيعة المحتوى الإعلامى البرامجى وسيطر بشكل غير مباشر على أجندة وسائل الإعلام وترتيب أولويات الجمهور بل واهتمامات بعض المسئولين فى الدولة تلبية واستجاية لنداءات وإحتياجات المواطنين الذين يحظون بانتشار واسع لمنشوراتهم التى تحمل مطالبهم ومواقفهم الإنسانية عبر المنصة الأشهر فيسبوك, حيث أصبح دور معد البرنامج هو متابعة صفحات الفيسبوك والبحث عن الترند الذى يتصدر الصفحات سواء كان أشهر لقطة أو موقف أو قصة إنسانية وما يفعله المعد هو فقط انتقال للأجندة الخاصة إلى أجندة وسائل الإعلام العامة. وترتب على هذا الإدمان الفيسبوكى وتوغله وتأثيره فى تفاصيل حياتنا إلى الانسحاب من مشاهدة التليفزيون وتراجع توزيع الصحف الورقية والابتعاد عن البرامج بمختلف أنواعها وأصبح الهاتف المحمول وسيلة للتواصل والإعلام بل والتعليم إن صح التعبير فى عصر التحول الرقمي. الأمر الذى دفع شركات الإنتاج العالمية إلى خلق بديل رقمى يحمل المحتوى الدرامى حرصا على إبقاء الدراما فى أجندة المشاهدين خاصة وأن نسب مشاهدتها فى الميديا التقليدية تراجعت مع تراجع نسب المتابعة بشكل عام.
ومن هذه البدائل الرقمية منصة الـ «نت فليكس» التى بدأت كشركة ترفيهية أمريكية 1997 فى سكوتش فالى ثم تم إطلاقها بشكل رسمى فى إبريل 1998حيث بدأت بتأجير الأفلام المنتجة للسينما والتليفزيون وظلت على هذا الحال حتى الفينات هذا القرن حث توسعت وأنتجت الأفلام والبرامج التليفزيونية وتوسعت فى إنتاج الفيديو المخصص للإنترنت وأنتجت مثلاً فى عام 2016 فقط حوالى 126برنامجا و مسلسلا وفيلما وهذا الإنتاج الضخم الذى يفوق قدرة القنوات والشبكات التليفزيونية على الإنتاج عشرات المرات يطرح عدة أسئلة بل أزمات مجتمعية لأن المتابع له يلحظ أن هذا الإنتاج السريع والمكثف من هذه الشبكة الضخمة التى لاتؤمن بأى نوع من القيم أو الثوابت المجتمعية كما تضرب وتسيء لكثير من المعتقدات والأديان وتقحم المشاهد المسيئة فى أعمالها الفنية حتى لو لم تخدم السياق الدرامى أو كانت خارج نطاق أوفكرة الفيلم فهى هادفة للربح أياً كانت أدواته سواء هدم القيم أو الأخلاق أو نشر الرذيلة أو تعميم الشذوذ أو إذابة المحظور بالتعود على مشاهدته أو القبول بالحرية السلبية والمثلية تحقيقاً لرفع أعداد الاشتراكات والمشاهدات. ويرى المراقبون خطورة هذا المحتوى كونه يحدث غرسا ثقافيا لدى المشاهدين وكونه يؤثر على المحتوى الثقافى لما له من تأثير على المنظومة القيمية من خلال محتوى بلا أخلاق يضرب بالثوابت المجتمعية وتستغل براءة الأطفال وتشركهم فى دراما مثيرة لا تناسب أعمارهم مثل مسلسل cuties التى تروج للمثلية وتفرط فى استخدام الإيحاءات الجنسية ولم يقتصر الأمر على هذه الكارثة بل تمتد لمحاولة التأثير فى الرأى العام كما حدث فى إحدى حلقات برنامج the daily show الذى أوقفت السلطات السعودية إحدى حلقاته وأعتبرته يحوى جرائم إلكترونية ومحاولة زعزعة استقرار المملكة بالتدخل السلبى السافر واقتحام عادات وخصوصيات المجتمع السعودى وأمثال كثيرة تجسد الخروقات القيمية والإنسانية فمثلاً فيلم 365 يتناول اختطافا واعتداء- مسلسل Reasons why 13 يدور حول ترويج فكرة إنتحار الشباب ،مسلسل Cooking On Night يدور حول الطبخ بأعشاب الماريجوانا المخدرة وتم حذفه سريعاً طبقاً لقوانين سنغافورة ومسلسل Messiah الذى يطعن فى ديانة المسيحية وغيرها. ولم يقتصر الأمر عند كونها منصة الأعمال الجدلية التى تثير حفيظة النقاد والصحف بل والدول فى بعض الأوقات بل امتدت للنواحى الفنية والإخراجية حيث سقطت مبادئ الإخراج وانهارت معايير كتابة السيناريو وأصبحت عناصر البناء الدرامى من فكرة وشخصيات وحبكة درامية وتصاعد مشوق فى الأحداث بالنسبة لإنتاجها السريع لا وجود لها إلا فيما ندر ويضاف إلى ذلك المشكلات الفنية المصاحبة لارتباطها بالإنترنت الأمر الذى أدى لانتشار هاشتاج # Cancel Netflix. ولعل الإنتاج المصرى الأول على شبكة نت فليكس وهو مسلسل ما وراء الطبيعة المأخوذ عن رواية الراحل أحمد خالد توفيق والذى ارتفعت شعبيته إلى المركز الخامس عشر وفق تصنيف موقع IMDBالعالمى والذى نالت حلقاته ارتفاع نسب مشاهدة ومتابعة وتفاعل فى مصر والدول العربية بل والأوروبية, رغم بعض مشكلات الراكور بل جودة القصة والأداء المتميز للشخصيات, هو الإنتاج المصرى الأول الذى يحقق المعادلة الصعبة بدراما راقية وهو البداية لإنتاج مصرى صحيح على شبكة نت فليكس وفى انتظار منصة عربية قوية فى الإنتاج والإخراج والقصة والالتزام بقيمنا العربية الرصينة.
> أستاذ الإعلام
لمزيد من مقالات د. إلهام يونس رابط دائم: