رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

لماذا لسنا ديمقراطيين؟

نبدأ من حالة ترامب. والسبب لأننا بدرجات متفاوتة ترامب. وسأبدأ من قصة قصيرة. لى صديق قرر أن يترشح فى انتخابات مجلس النواب السابقة وقد فعل كل ما يمكن فعله من إنفاق على الدعاية والتواصل مع أهل دائرته، ومع ذلك لم يفز. وهنا كانت الملاحظة التى أبديتها فى صدر المقال: إننا ترامب بدرجات متفاوتة.

قبل يوم التصويت، كان صديقى ومعه أهله وأنصاره يتعاملون مع الانتخابات وكأنها مضمونة وكانوا يطلقون عليه سيادة النائب حتى قبل الانتخابات بشهر. وقد لاحظت أن صديقى تأثر كثيرا بهذا الأمر وبدأ يتصرف وكأنه نائب فى مجلس النواب فعلا. ثم جاءت المفاجأة يوم الانتخابات وهو أن الكثير من خططه لم تسر على النحو المطلوب باعترافه وأن بعضا من أسر دائرته لم يعطوا له أصواتهم وأنهم لم يلتزموا بتعهدهم له وكانت النتيجة خسارة الانتخابات.

وكانت المفاجأة لى أنه ومناصريه لم يعترفوا بهزيمتهم بل وجهوا كيلا من الادعاءات والاتهامات لكل ما يمكن أن تتخيله من قوى أرضية سواء رسمية أو غير رسمية بأنهم هم المتسببون فى الهزيمة والتزوير وشراء الأصوات وأنه سيرفع قضية وأنه سيقوم بتشويه صورة خصمه الفائز فى الانتخابات لأنه يتاجر فى المحرمات وأنه فعل كذا وكذا من الجرائم التى يعاقب عليها القانون والتى تنال من سمعته. نعتبر كل ما سبق مشهدا رقم واحد.

صديق لى كان فى أحد اتحادات الكرة المعينة من قبل الدولة بعد أن كان هو نفسه عضوا منتخبا فى مجلس إدارة أحد الأندية. وكانت وجهة نظره أننا مضطرون إلى أن تكون لدينا اتحادات منتخبة لأن الاتحادات الدولية تضع هذا القيد على الدول الأعضاء فيها. ولو كان الأمر بيده لجعل كل الاتحادات الرياضية فى مصر معينة من قبل وزارة الشباب والرياضة. وحين سألته كان رده قاطعا بأننا شعب لا يعرف الانتخابات الحرة والنزيهة ولا الروح الرياضية التى تعترف بالهزيمة وتحترم إرادة الناخبين. وإنما نحن مدرسة لو خسرنا الانتخابات هنوقع الكسبان من على العجلة ونضحك عليه ولن نتعاون معه أبدا. وهذا يضرب الفكرة الديمقراطية فى مقتل.

نعتبر ما سبق مشهدا رقم اثنين، ولنرجع للتاريخ لنكتشف أنها مسألة تاريخية: فقد خرج من قال: الاحتلال مع سعد، ولا الاستقلال مع عدلي. وكان يهتف بهذا مصريون كثيرون حبا فى شخص سعد زغلول وكرها فى شخص عدلى يكن. بل كان هناك عداء شديد بين مكرم باشا عبيد ومصطفى النحاس باشا بلا مبرر وطنى حقيقى إلا خلافات شخصية ومواقفية. إذن نحن ترامبيون من زمان. ولو أخذنا ما يحدث فى عالم الأندية والنقابات والجامعات والسياسة فى الاعتبار فربما نجد أدلة أكثر على لماذا نحن كترامب بدرجات متفاوتة.

هناك صناعة للقيصر وكسرى وفرعون تحدث داخلنا وحولنا. أستغرب ممن يريد تحيتى هذه الأيام بقوله: تشرفنا يا معالى الوزير. وما أنا بوزير ولن أكون. ولكن يبدو أنها تحية شاعت لتعنى التقديرالشديد لدرجة التملق. وبيننا الآن من يرى نفسه فوق القانون وفوق الدولة وهو مرض النرجسية المفرطة والرغبة المرضية فى إثبات الذات والارتقاء فوق الآخرين دون وجه حق. ومن هنا لا تصدق الشخصية الترامبية النرجسية أن هناك هزيمة جاءت نتيجة إرادة ناخبين أو القائمين على إنفاذ القانون وتقف منهم موقف السخرية والعداء والانتقاص والإهانة ونلجا إلى التفسير بالمؤامرة وتأويل كل حدث أو إشارة وكأن هناك حربا ضد هذا الشخص بسبب نجاحه أو وطنيته أو أمانته، رغما عن أنه نادرا ما ينظر إليه أحد بهذه الطريقة.

وحتى لا يبدو الأمر نظريا، فإن الديمقراطية تحتاج خصائص ثقافية وسيكولوجية تمثلت فى آل جور المرشح عن الحزب الديمقراطى فى 2000 والذى أخذ رصاصة من أجل بلده حتى لا تتمزق بعد نزاعات قضائية طويلة خلقت صراعات بين أبناء الأسرة الواحدة. ولكنه قبل فى النهاية بالهزيمة وطالب أنصاره بالهدوء وطاعة القانون واحترام حكم المحكمة العليا فى واشنطن ووجه التهنئة لخصمه جورج دبليو بوش. ومقارنة سريعة مع ترامب سنجد أنه أراد إطلاق الرصاص على بلده من أجل أن يظل هو رئيسا. طالب المسئولين الجمهوريين فى كل الولايات التى هزم فيها بأن يعلنوا أن الانتخابات كانت مزورة، على غير الحقيقة. وطالب أنصاره بالتظاهر والاحتجاج ضد مجلسى الكونجرس فى أثناء التصديق على نتائج انتخابات الولايات بل شاهد عملية اقتحام الكونجرس ورفض أن يعطى أوامره للحرس الوطنى بالتدخل، ففعل ذلك نيابة عنه نائبه الذى كان حبيسا داخل مبنى الكونجرس. هذا رجل مستعد أن يدمر المبنى مادام هو ليس على قمته. ولولا التحذيرات التى وصلته بما فى ذلك بيانات معلنة من هيئة أركان الجيش ودبلوماسيين سابقين وأعضاء من حزبه لربما جعلها حربا شعواء لتدمير الجميع.

هل هى مسألة جينية (genetics) أم ثقافية (memes)؟ أعتقد أنها ثقافية تكتسب مع الوقت من خلال آليات التنشئة المختلفة مثل أجهزة الإعلام والتعليم والخطاب الدينى والفكرى والثقافى والأهم من كل ذلك القدوة. والأجيال الكبيرة فى السن من الصعب إكسابهم قيم الاعتراف بالهزيمة وتقدير ثقة الآخرين فى شخص غيره بل استحسان ما يفعله الآخرون دون أن يكون لهم مصلحة فيه. المصريون ليسوا جينيا ضد الديمقراطية، أو ضد أى شيء أو ظاهرة أو اختراع مفيد. لو كانت اللغة اليابانية مفيدة لهم فسيتعلمونها. ولو كانت لغة الديمقراطية مفيدة لهم فسيتعلمونها بشرط وجود المصلحة والمعلم الشاطر والبيئة المناسبة. العقل المصرى بحاجة لإعادة برمجة فى الكثير من المجالات حتى يقبل ما هو مفيد ويلفظ ما هو ضار. وهذا جزء من الوظيفة التربوية/ التثقيفية للدولة.


لمزيد من مقالات د. معتز بالله عبدالفتاح

رابط دائم: