رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

ضد التصور الأسطورى للمرأة (3)

في الخطاب الديني التقليدي يشيع بين قطاعات من المسلمين أن حواء هي سبب خروج آدم من الجنة! وبالتالي فهذا هو الأساس الديني والميتافيزيقي للزعم بأن المرأة وراء كل شر يلحق بالرجل!

ترى هل هذه حقيقة أم أنها لا تعدو أن تكون أمرا ليس له أصل من الوحي الكريم والسنة المتواترة؟

في الحقيقة أن القرآن الكريم لم يشر إلى أن حواء هي سبب خروج آدم من الجنة، بل عدّ الشيطان بوسوسته هو المسئول الأول عن إغوائهما، وفي المعتقد الصحيح الذي دلت عليه نصوص الوحي الكريم أن آدم وحواء يتحملان المسئولية معا في الاستجابة لوسوسة الشيطان لهما، وحسب النصوص القرآنية ليس لحواء أي دور وسط بين الشيطان وآدم؛ حيث إن الإغواء الشيطاني قد حدث لهما معا، (وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين, فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين) [البقرة: 35-36]. (ويا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة فكلا من حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين, فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما ووري عنهما من سوءاتهما وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين, وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين, فدلاهما بغرور فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوءاتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين, قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين, قال اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين, قال فيها تحيون وفيها تموتون ومنها تخرجون, يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوءاتكم وريشا ولباس التقوى ذلك خير ذلك من آيات الله لعلهم يذكرون, يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوءاتهما إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون) [الأعراف: 19-27] .

واضح إذن أن القرآن لم يحمّل حواء مسئولية إغواء آدم، ولم يعدها ذات أي دور في تشجيعه على الاستجابة لإغواء الشيطان.

ومما يدعو للدهشة، أن تلك الفكرة الشائعة في الخطاب الديني التقليدي، والتي خالفها القرآن الكريم، هي الشائعة بين عوام المسلمين؛ حيث إنهم يعتقدون – عن جهل بالقرآن – أنها حقيقة قرآنية! ومن أسف فإن بعض المفسرين الذين يعتمدون على الإسرائيليات يفسرون القرآن انطلاقا من حكايات ومرويات ليس لها أصل من الوحي ولا من السنة المتواترة! مع أن الرواية القرآنية مختلفة بوضوح مع تلك المرويات, حيث إنها تنص بوضوح على تحميل مسئولية الخطيئة لكل من آدم وحواء بالدرجة نفسها. لكن تلك المرويات التي تعج بها بعض كتب التراث تعد حواء ذات مسئولية مشتركة مع الحية في إغواء آدم، علما بأن الحية لا ذكر لها في الرواية القرآنية. وهذا يعكس طبيعة النظرة الدونية للمرأة بشكل عام، على خلاف نظرة الوحي الكريم المنصفة لها, فالقرآن الكريم لا يشير إلى هذا نهائيا، ويجزم أن مخالفة الأمر الإلهي مسئولية مشتركة بين آدم وحواء (انظر كتابنا: الشائعات وكلام الناس).

وحتى يكون ما نطرحه من أفكار عن الخطاب الديني التقليدي بهذا الصدد مؤسسا على أدلة قاطعة، فلابد من إيراد نماذج من المرويات التي يطرحها الخطاب الديني التقليدي، لنرى كيف أنه يتحامل على حواء، يروي ابن كثير في تفسيره المسمى (تفسير القرآن العظيم) (3/ 399) عن ابن جرير قال: حدّثنا القاسم، حدّثنا الحسين، حدّثنا عبّاد بن العوّام، عن سفيان بن حسين، عن يعلى بن مسلم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاس قال: لمّا أكل آدم من الشّجرة قيل له: لم أكلت من الشّجرة الّتي نهيتك عنها. قال: حوّاء. أمرتني. قال: فإنّي قد أعقبتها ألا تحمل إلّا كرها، ولا تضع إلّا كرها. قال: فرنّت عند ذلك حوّاء. فقيل لها: الرّنّة عليك وعلى ولدك (تفسير الطبري، جامع البيان، 12/356).

ويتوسع ابن جرير الطبري في تفسيره (1/ 526 ، تحقيق شاكر)، في رواية تلك المرويات المخالفة للقرآن، لكنه يقدمها على أنها تفسير له! حيث يحكي قائلا: «عن وهب بن منبه في ذلك ما حدثنا به الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا عمر بن عبد الرحمن بن مهرب، قال: سمعت وهب بن منبه، يقول: لما أسكن الله آدم وذريته - أو زوجته - الشك من أبي جعفر: وهو في أصل كتابه «وذريته» - ونهاه عن الشجرة، وكانت شجرة غصونها متشعّبٌ بعضها في بعض، وكان لها ثمر تأكله الملائكة لخلدهم، وهي الثمرة التي نهى الله آدم عنها وزوجته. فلما أراد إبليس أن يستزلّهما دخل في جوف الحية، وكانت للحية أربع قوائم كأنها بُخْتِيَّة، من أحسن دابة خلقها الله - فلما دخلت الحية الجنة، خرج من جوفها إبليس، فأخذ من الشجرة التي نهى الله عنها آدم وزوجته، فجاء بها إلى حواء، فقال: انظري إلى هذه الشجرة! ما أطيب ريحها وأطيب طعمها وأحسن لونها! فأخذت حواء فأكلت منها ثم ذهبت بها إلى آدم فقالت: انظر إلى هذه الشجرة! ما أطيب ريحها وأطيب طعمها وأحسن لونها! فأكل منها آدم، فبدت لهما سوءاتهما. فدخل آدم في جوف الشجرة، فناداه ربّه يا آدم أين أنت؟ قال: أنا هنا يا رب ! قال: ألا تخرج؟ قال: أستحيي منك يا رب. قال: ملعونة الأرض التي خلقت منها لعنة يتحوّل ثمرها شوكا. قال: ولم يكن في الجنة ولا في الأرض شجرةٌ كان أفضل من الطّلح والسّدر، ثم قال: يا حواء، أنت التي غررت عبدي، فإنك لا تحملين حملا إلا حملته كرها، فإذا أردت أن تضعي ما في بطنك أشرفت على الموت مرارا. وقال للحية: أنت التي دخل الملعون في جوفك حتى غرّ عبدي، ملعونة أنت لعنة تتحول قوائمك في بطنك، ولا يكن لك رزق إلا التراب، أنت عدوة بني آدم وهم أعداؤك، حيث لقيت أحدا منهم أخذت بعقبه، وحيث لقيك شدخ رأسك. قال: قيل لوهب: وما كانت الملائكة تأكل؟ قال: يفعل الله ما يشاء».

هذه رواية من عشرات- إن لم يكن من مئات- الروايات الموضوعة التي جاءت في بعض كتب تفسير القرآن عند علماء كبار من وزن الطبري وابن كثير في التراث، والتي أدخلت على المعتقد الإسلامي ما ليس منه، وأفسدت تصورات المسلمين عن المرأة، بل أفسدت تصوراتهم عن الله سبحانه.

وهنا نعيد ونكرر، إننا لا نهون من التراث كله ككتلة واحدة، ولا نقدس التراث أيضا ككتلة واحدة. لسنا مع هؤلاء الذين يهينون ويهونون من التراث، ولا مع أولئك الذين يقدسون التراث. المقدس فقط هو الوحي الكريم. نحن وسط بين جميع المتناقضين، نقول: إن التراث به ما هو إيجابي وعقلاني، وبه ما هو رجعي وأسطوري. التراث منجز بشري قابل للصواب والخطأ، ويجب أن نحرر ديننا من كل ما علق بأهدابه من تصورات فاسدة نشأت بسبب مرويات ليس لها مستند من الوحي الكريم والسنة المتواترة. إننا ندافع عن القرآن الكريم والسنة المتواترة، بينما يدافع البعض عن فرق ومذاهب!


لمزيد من مقالات د. محمد الخشت

رابط دائم: