منذ إعلان فوز المرشح الديمقراطى جوزيف بايدن، والمحللون يناقشون أولوياته فى السياسة الخارجية الامريكية وقضاياها، وفى هذا النقاش كان الاتجاه الرئيسى يعتبر انه فضلا عن الاهتمام بترميم الوضع الداخلى المتأزم الذى خلفه ترامب، فانه فى السياسة الخارجية، سيكون من أولوياته إعادة الاستقرار والتعاون مع الشركاء الاوروبيين فى الاتحاد الاوروبى وحلف الناتو، وإدارة العلاقات مع الصين التى أوصلها ترامب إلى حافة الحرب الباردة كما عبر هنرى كيسنجر.
وعلى خلاف هذا سيكون الشرق الأوسط متراجعا فى اهتمامات الإدارة الجديدة، غير انه من خبرتنا بالسياسة الخارجية لإدارات أمريكية متعاقبة فان الشرق الأوسط وقضاياه كانت تفرض نفسها على الرئيس الامريكى وإدارته دائما بسبب تشابك المصالح الأمريكية فى المنطقة، وسوف نركز فى هذا المقال على ثلاث قضايا عربية وشرق أوسطية رئيسية، سوف يتعين على الإدارة الجديدة التعامل معها حالياً او مستقبلاً وهي: الوضع المتفجر الذى خلفه ترامب فى العلاقة مع إيران، النزاع الفلسطينى - الاسرائيلي، الوجود الأمريكى فى مناطق الاضطرابات.
أولا: فى النزاع الفلسطينى الاسرائيلي، فان بايدن لن يستطيع ان يغير الوقائع التى خلفها ترامب سواء بالاعتراف بالقدس عاصمة لاسرائيل ونقل السفارة الامريكية اليها، او الاختلاف مع عمليات التطبيع التى احدثها ترامب فى علاقة اسرائيل بعدد من الدول الخليجية والعربية ، ولن تشجع خبرة بايدن على اتخاذ مبادرات واسعة فى النزاع، فقد عاصر كنائب للرئيس، المصير الذى لقيته مبادرة اوباما للسلام حين دعا إلى حل الدولتين ووقف اسرائيل بناء المستوطنات، وهى المبادرة التى أحبطها نيتانياهو من خلال الكونجرس الامريكى ومخاطبته من وراء اوباما وإفشال أى جهود لإعادة إحياء عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
كما عاصر بايدن الرئيس أوباما عندما حاول فى ولايته الثانية تجديد مبادرته للسلام وقام وزير خارجيته جون كيرى بجولات على مدى تسعة أشهر فى المنطقة، اعترف بعدها كيرى بان اسرائيل هى التى احبطت جهوده. فى ضوء هذا فإن ما يمكن لبايدن ان يقدمه للفلسطينيين هو بعض الخطوات مثل اعادة المساعدات المالية للسلطة الفلسطينية واعادة فتح مكتبها فى واشنطن، وإعادة مساهمة امريكا فى ميزانية الأونروا للاجئين الفلسطينيين. ونتصور أن السلطة الفلسطينية تدرك حدود بايدن، وربما كان هذا الإدراك هو الذى دفعها إلى اعادة التنسيق الامنى مع إسرائيل الذى كانت قد اوقفته، وكذلك الدعوة إلى مؤتمر دولى يعيد احياء مفاوضات السلام ويؤكد المرجعيات الدولية، وهو ما يعد له من لقاء بين وزيرى الخارجية الاسرائيلى والفلسطيني.
ثانيا:فيما يتعلق بايران وبرنامجها النووى, فمعروف ان بايدن كان قد اعلن أنه سيعاود التفاوض مع ايران، بل ان برنامج الحزب الديمقراطى تضمن ان الاتفاق مع إيران كان يمثل أفضل الطرق لمنع إيران من امتلاك السلاح النووى، غير انه فى التفاوض الجديد سوف يواجه بايدن عدداً من القيود والتحديات من ثلاث جبهات: اسرائيل التى سوف تفعل كل شىء لوضع العقبات امام استئناف المفاوضات، والدول الخليجية التى عارضت الاتفاق الذى وقعه اوباما نظرا لأنه أدى لتعاظم دور ايران فى المنطقة وزعزعة الاستقرار فيها، وكانت اكبر المتحمسين لرفض ترامب هذا الاتفاق وإعادة التفاوض على اتفاق جديد وتصعيد العقوبات على إيران، أما العقبة الكبرى فستكون مع إيران نفسها التى سيكون مطلبها الاساسى هو رفع العقوبات الاقتصادية التى فرضها ترامب، ومعارضتها أى إثارة لسلوكها فى المنطقة الذى كان اوباما قد تجاهله فى الاتفاق الاول، فضلا عن رفض اثارة إنتاجها الصواريخ الباليستية حيث ذهب الرئيس الايرانى روحانى إلى ان برنامج الصواريخ الايرانى غير قابل للتفاوض. غير أن الجبهة الوحيدة التى ربما سوف تساند بايدن فى اى مفاوضات جديدة هى الاوروبيين شركاء الاتفاق الاول والذين عارضوا بشدة انسحاب ترامب من الاتفاق بل عملوا على اقناعه بعدم اللجوء إلى القوة, غير أن الشركاء الاوروبيين غيروا موقفهم مؤخرا وابدوا تشدداً مع ايران بسبب رفعها نسب تخصيب اليورانيوم.
تبقى فى قضايا الشرق الاوسط قضية الوجود العسكرى الامريكى فى منازعات المنطقة، ومن المفارقات ان النقطة الوحيدة التى اتفق فيها ترامب مع اوباما هى انهاء وجود قوات امريكية على الأرض فى هذه المنازعات, وهو ما انعكس فى إعلان ترامب الانسحابات من العراق وافغانستان وكان اوباما هو الذى بدأ هذه الانسحابات. حيث تبنى ترامب، مثل ما فعل اوباما، الاعتقاد أن أمريكا قد تحملت أعباء مادية وبشرية ضخمة من هذا الوجود، واعتقد ان بايدن سوف يعمل بهذا المفهوم لاداركه ان الرأى العام الامريكى يؤيده. وبدلاً من استخدام قوات امريكية أرضية والتدخل المباشر فى هذه الازمات، سوف يعزز بايدن من دور وأدوار الدبلوماسية الأمريكية فى التعامل مع هذه الأزمات وإسناد دور اكبر للأوروبيين وللدول الصديقة لأمريكا فى المنطقة وسوف يعمل بايدن بمفهوم أوباما فى إدارة الأزمات والسياسة الخارجية وهى القيادة من الخلف.
لمزيد من مقالات د. السيد أمين شلبى رابط دائم: