رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

بريد الجمعة.. يكتبه: أحمد البرى
علامة استفهام!

يكتبه أحـمــد البــــــرى

أكتب إليك رسالتى بدموع القلب الذى حطمته السنين، ولم يبال بى أحد، فحتى أقرب الناس إلىّ تخلوا عنى، وتركونى أواجه الرياح والأعاصير، وضاقت الدنيا فى وجهى، فى الوقت الذى ينعم فيه الآخرون بحقى الذى سلبوه منى، فلا يدرك الألم إلا من يكابده، ولا يتعذب إلا من ذاق مرارة القهر والحرمان، وقد عانيت الأمرين فى حياتى، وقدمت كل ما أستطيع من مساعدات وخدمات لمن حولى، فإذا بهم وقد انفضوا عنى بعد أن استنفدوا طاقتى، ولم يفكر أحدهم فى إعطائى حقوقى التى سلبوها منى دون وازع من دين أو ضمير، وأروى لك قصتى منذ البداية، فأنا سيدة فى السابعة والخمسين من عمرى، نشأت فى أسرة متوسطة لأب موظف بإحدى الهيئات الحكومية وأم ربة منزل، ولى أربعة أشقاء «ولدان وبنتان» وترتيبى الرابع، ومع ذلك كنت كل شىء بالنسبة للأسرة، وأسندت أمى لى «شغل البيت»، وحصلت على دبلوم المدارس التجارية، وتفرغت تماما لمتابعة أمى بعد أن حاصرتها الأمراض، وطفت معها على المستشفيات طلبا للعلاج، وصرت الابنة والأخت والخادمة ليس لها فقط، وإنما أيضا للبيت كله.

برغم أننى أقل جمالا من أخوتى كان «خطابى» كثيرين، وتقدم لى أكثر من شاب وأنا فى سن صغيرة، وفى كل مرة يخرج العريس بلا عودة ودون أسباب مفهومة، وتزوجت أختى الكبرى من شاب فى مركز مرموق وصديق لأخى الأكبر، كان قد تربى معنا فى بيتنا، وربطتهما قصة حب وعاشا معا فى هدوء واستقرار لكنه كان يخفى داخله شيئا ما لم يبح به، وذات يوم وأنا أحتفل بعيد ميلادى أحسست بألم شديد، ونقلونى إلى المستشفى، وقال الأطباء إنه اشتباه فى «الزائدة الدودية»، ودخلت غرفة العمليات، فإذا بالطبيب الجراح يكتشف أن سبب الألم هو انفجار فى «كيس ميه» على المبيض، وأغلق الطبيب بطنى خوفا من حدوث مكروه لى، وعشت لحظات الموت بعينه، وكتب الله لى النجاة على يد زوج ابنة خالى وهو طبيب التخدير الذى كان مشاركا بالصدفة فى الجراحة التى أجريت لى، فطلب طبيبا متخصصا فى أمراض النساء، فجاء بسرعة، وفتح بطنى من جديد وأزال المبيض.. ولم يكن معى أحد وقتها بعد أن أخرج المسئولون بالمستشفى أبى وأمى، وبعد شهور تكرر هذا الوضع وأزيل المبيض الثانى، وكان عمرى وقتها خمسة عشرين عاما، وظل سر عزوف الشباب عن إتمام ارتباطهم بى غامضا، وماتت أمى بعد معاناة مع المرض والحزن لحالى، ودعت لى كثيرا رحمها الله أن يرزقنى زوجا صالحا، ولا أنسى عبارتها التى مازالت ترن فى أذنى «إنتى تستاهلى كل خير».. ومرت عدة سنوات وتزوجت جارا لنا رضيت بظروفه برغم أنهم يعيشون «تحت الصفر»، وأقمنا فى منزل أبى، وعاشت معنا أختى وزوجها وأسرتها.. ولك أن تتخيل حال هذا العدد الكبير فى شقة واحدة.. وحاولوا مرارا أن يوغروا صدر أبى تجاهى أنا وزوجى، لكنه لم يعر لكلامهم أدنى اهتمام، واستمرت هذه الحال إلى أن رحل أبى عن الحياة.. وترك زوجى عمله بعد خصخصة الشركة، وعملت فى بيع مستحضرات التجميل بإحدى الشركات التى تعطى عمولة.. ولم يهتم أخوتى لأمرى برغم ظروفهم المادية الميسورة.. ثم إذا بزوجى ذات يوم يثور ضدى ويقول لى «إنه لا يريدنى وأنى «غشيته» لأننى لم أبلغه بعدم قدرتى على الإنجاب، مع أنه كان يعرف كل شىء قبل زواجى به، وما كان لى أن أخفى عليه هذا الأمر.. لا هو ولا غيره.. لكنه أنكر معرفته بحالتى الصحية خوفا من أمه التى لم يبلغها وقتها بما عرفه عنى.. وبالفعل انفصلنا، ولى أخت تم طلاقها من زوجها، وأصبحنا جميعا نعيش فى شقة أبى.

ومرت الأيام واتفق أخى الأصغر مع أختى على طردى من المنزل، ونسى الجميع أننى ربيت أبناءهم، وكأنهم أبنائى.. لقد ألقوا بى فى الشارع، وخرجت من المنزل فى مشهد حزين على مرأى ومسمع من الجميع، ولك أن تتخيل حالى وأنا أحمل ملابسى، والدموع تنهمر من عينىّ دون أن يرق قلب أحد من أهلى.. وإذا بسيدة جارة لنا تسرع الخطى إلىّ وتحتضنى وتأخذنى إلى بيتها، فعشت معها هى وزوجها وأكرمانى كرما ليس له حد.. وبلغ أمرى قريبا لنا من بعيد لديه أربعة أبناء «ولدان وبنتان» وكلهم تخرجوا فى الجامعات، وهو واحد من الأثرياء ويملك العديد من المصانع والعقارات، وقد توفيت زوجته، فطلبنى للزواج، ووعدنى بحقوق كثيرة دون أن يكتب أو يسجل لى شيئا، فوافقت عليه حتى بدون أى حقوق.. وتزوجته، وفرح بى فرحا شديدا، وتعلق أبناؤه بى، وصرت أما لهم بمعنى الكلمة، لكن معاملتهم لى تغيّرت، وطاردتنى علامات الاستفهام عن سبب كل ذلك وأنا خادمة للجميع، ولا أنطق بأى شكوى.. وفوجئت بأن زوجى ارتبط بسيدة أخرى، وتركنى على ذمته، فقلت له: «دى آخرة إخلاصى لك ولأبنائك»؟.. وحدثت مواجهة بيننا، وحاولت أن أعرف من السبب وراء «ربكة» حياتى، وتبين لى أن زوج أختى الذى كنت أعتبره بمثابة أخى الأكبر هو السبب فيما حدث لى.. إننى لم أتصور يوما أن يفعل بى ذلك، لكنى استرجعت الأحداث، وتذكرت أنه تحدث معى بعد وفاتها وطلب منى أن أرفع دعوى «خلع» من زوجى لكى يتزوجنى، فرفضت بإصرار، وهنا عرفت أنه كان يريدنى زوجة له منذ صغرى، لكن الظروف لم تكن مناسبة، فتفتق ذهنه عن هذا الفعل الشيطانى بتطفيش العرسان لكى لا أرتبط بأحد.. فما الذى كسبه من هذا التصرف غير المعقول؟.. بالطبع لا شىء، لكنه آذانى.

ولم أتحمل إهانة زوجى لى، فتركته، واشتريت شقة صغيرة بما كنت أملكه من ذهب، وتدخل أبناؤه، وأصلحوا الأمور بيننا.. وتعرض للمرض، ولم أتركه لحظة واحدة فى المستشفى أو البيت.. وقبل رحيله دفعته أمه إلى كتابة وتسجيل أكثر من تسعين فى المائة من أملاكه بأسماء أبنائه.. وجاءوا بمحام رتب كل الأوراق وأخرجونى من حجرته وقتها لكى لا أطلع على شىء!.

وبعدها أبلغنى أنه كتب لى الشقة التى كنت أعيش فيها باسمى، وتعرضت لضغوط كبيرة لكى أترك البيت فيتهموننى بأننى «قليلة الأصل»، تركت زوجك وهو على فراش الموت، ولم أعر كل ما يفعلونه أى اهتمام، وفى ليلة وفاته جردوا البيت كله من محتوياته.. ورحل زوجى عن الحياة، وكل شىء غامض عن ميراثه، وما أجبروه عليه.. وبرغم ثرائه لم أحصل على شىء، وانساقت زوجته الأخرى وراء أبنائه، وأخذت ما أعطوه لها، أما أنا فلم يعطونى شيئا ولا أحصل سوى على جزء من معاش أبيهم وتشاركنى فيه هى أيضا.

إن زوج أختى الراحلة مازال يطاردنى حتى فى هذه السن لكى أتزوجه، وأنا لا أطيقه.. لقد لجأت إلى القضاء لكى أنال حقوقى المسلوبة، لكنى أواجه الجميع.. أخوتى، وأبناء زوجى، وليس لى أحد فى الدنيا أستند إليه.. إننى أتعذب، وعرفت الأمراض طريقها إلىّ، ولا أدرى كيف سأمضى ما تبقى لى من عمر فى هذا الجو المشحون بالضغينة والقهر والحرمان.. فبماذا تشير علىّ؟.

 

ولكاتبة هذه الرسالة أقول:

لقد تعرضت للظلم من أخوتك، وزوج أختك الكبرى، وزوجك الأول، ثم زوجك الثانى وأبنائه، ولكن لا تبالى بهم، فالأمر كله لله، وعنده يجتمع المظلوم والظالم، وترد الحقوق، فلا الظالم يخرج منها سليما مع ما فعله من الشرور، ولا المظلوم يبقى ضائقا صدره، ولكن الظالم لا يعلم أنه كما ظلم غيره، سيأتى مهما طال الزمن من يأخذ حق المظلوم منه بأشد مما فعل، فمن عدل الحق سبحانه وتعالى أن عاقبة الظلم وخيمة على الظالم فى الدنيا والآخرة، والدنيا دوّارة، فلا يفرح من ظلموك، وليتهم يتداركون صنيعهم، فيسارعون إلى الاعتراف بحقك، ورد مظلمتك،

وإننى أحيى صلابتك وصبرك على أذاهم، ذلك أن الصبر من سمات النفس الكريمة، وهو من مكامن القوة النفسية، ففى الحديث الشريف: «الْمُؤْمِنُ الَّذِى يُخَالِطُ النَّاسَ، وَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ، خَيْرٌ مِنَ الَّذِى لا يُخَالِطُ النَّاسَ، وَلا يَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ»، وأنت لم تخالطيهم فقط، وإنما قدمت لهم خدمات جليلة، وكنت منذ طفولتك، معطاءة، وتحمّلت صعابا كثيرة، ومازلت تتحمّلين الأذى من أقرب الناس إليك، الذين انتظرت الإنصاف منهم، وكنت تأملين فيهم الخير والاعتراف بالفضل، بدلا من الصدود والنكران والجحود، وقد ترجم هذا المعنى طرفة بن العبد حين قال:

وظلمُ ذوى القربى أشدُّ مضاضة

على المرءِ من وَقْعِ الحُسامِ المُهنّد

فاحتسبى ما تلاقينه من ظلم وأذى عند الله، فما أجمل السلام النفسى الذى يكون بردا واطمئنانا للقلوب.

وإننى أحذر أبناء زوجك الراحل من أكل ميراثك بالباطل، وليحذروا الوعيد الشديد فى قوله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرا» (النساء 29-30)، وقوله صلى الله عليه وسلم: «أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، قال: إن المفلس من أمتى من يأتى يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتى وقد شتم هذا، وضرب هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، فيأخذ هذا من حسناته، وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يوفى الذى عليه، أخذ من سيئات صاحبه ثم طرحت عليه، ثم طرح فى النار»، وقال: «من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه، ومن أخذ أموال الناس يريد إتلافها أتلفه الله»

وشرُّ الناسِ من إذا طمِع سرَق، وإذا شبِع فسَق، وإذا احتاجَ نهَش، وإذا استغنَى فحَش. ومن الغَور فى الجَور أكلُ الميراث على الوُرَّاث، حيث يقول تعالى: «وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا» (الفجر 19)، والتراثُ هو الميراث، واللمُّ من لَمَّ الشيءَ إذا جمعَه. فيعتدِى فى الميراث ويأكلُ ميراثَ غيره.

فمن قطع وارِثًا من ميراثِه، وحبسَ مالَ التَّرِكة، وأخفَى أصولَها وأعيانَها، وغيَّبَ إثباتَها وإسنادَها، واستأثرَ بالتصرُّف فيها، وماطلَ فى قسمتِها، ورام استِغلالها، وألجأَ الوارِثَ إلى التنازُل عن سَهمه، والرِضا بجُزء من قَسمه؛ فقد تعدَّى حُكمَ الله وفريضتَه وقسمته وحُدودَه، حيث يقول الله فى آخر آيات الموارِيث «تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ» (النساء13) أى: هذه الفرائِض والمقادير هى حدودُ الله، «وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ «أى لم يزِد بعض الورثة ولم ينقُص بعضا بحِيلة ووسيلة، وتركهم إلى حُكم الله وفريضته وقسمته، «يُدْخِلْهُ جَنَّات تَجْرِى مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ، وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ» أى: بمُضادَّته فى قسمته وفريضته فى المواريث، «يُدْخِلْهُ نَارا خَالِدا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ» (النساء14)، وفى العدلِ وصلٌ ومودَّةٌ واجتماعٌ، وفى الظلم اختلافٌ وفِراقٌ، وتباغُضٌ وتشاجُرٌ ونِزاع على متاع قليل وأطماع.. ويتطلع الظالم إلى حق المرأة واليتيم فى الميراث، وفى ذلك يقول رسولُ الله: «اللهم إنى أُحرِّجُ حقَّ الضعيفَين: اليتيم والمرأة». ومعنى «أُحرِّج»: أُضيِّقُ على الناس فى تضييع حقِّهما، وأُشدِّدُ فى ذلك، وأُحذِّرُ وأُلحِقُ الحرجَ والإثمَ بمن أضاع حقَّ اليتيم والمرأة.

وأقول لأبناء زوجك الراحل وكل آكل للميراث مَن وجدَ مالَ الترِكَة سهلا، مهلا.. ويا من استولى على ميراث الإناث، وأغراهُ ضعفُهنَّ وسُكوتُهنَّ وحياؤُهنَّ، ويا من استولى على ميراث الأيامى واليتامى، وغرَّه صِغَرُهم وعجزُهم وانقِطاعُهم.. تبَّت يداك، وخاب مسعاك، ودام شقاك، فاتَّق الله قبل أن يحِلَّ بك الخِزْيُ والهلاك، واعطِ كلَّ ذى حقٍّ حقَّه.

ويا من تولّى قسمة الصدقات والترِكات والأموال .. ويا من يمضى عليه الشهر والشهر والحِقبة من الدَّهر والمال فى حَوزَته! لماذا تُمسِكُه فى يدِك وتُبقِيه؟! فرِّقه اليوم على مُستحقِّيه، إن كنت ممن يخشَى الله ويتَّقِيه؛ فإنك مُلاقِيه.

فعن عُقبة بن الحارث قال: صلَّيتُ وراءَ النبى بالمدينة العصر، فسلَّم ثم قام مُسرِعا فتخطَّى رِقابَ الناس إلى بعضِ حُجَر نسائِه، ففزع الناس من سُرعته، فخرج عليهم فرأى أنهم قد عجِبُوا من سرعته، فقال: «تذكرت شيئا من تِبرٍ عندنا، فكرِهتُ أن يحبِسَني، فأمرتُ بتقسيمِه»، وفى رواية له: «وكنتُ خلَّفتُ فى البيتِ تِبرًا من الصدقَة، فكرِهتُ أن أُبيِّتَه». والتِّبرُ: قطِعُ ذهب أو فضَّة.

فيا فوز من بادر إلى الصواب، ويا فلاح من تاب، واستغفر وأناب، فإن الله هو الرحيم الغفور التواب، وإننى أخاطب فى أهل زوجك المروءة والإنسانية، وأدعوهم إلى الإسراع فى إعطائك حقك الشرعى فى الميراث درءا للحرام، وطلبا لعفو الرحمن، وأرجو من زوج أختك الراحلة أن يعترف بخطئه فى حقك، وأن يتوقف عن ملاحقتك، إذ سيظل هذا الذنب عالقا به، ولا مفر من صفحك وعفوك عنه.. ولو أن كل ظالم فكر فى عاقبة ظلمه لاستراح الجميع، فاهدئى بالا، وسوف يعوضك الله عن كل ما لاقيته من ظلم ومتاعب، وهو على كل شىء قدير.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق