رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

كورونا وسياسات الإغلاق .. الفرز الفكرى والاجتماعى

لا شك أن إحدى التداعيات المترتبة على ظهور وانتشار فيروس كورونا المستجد، خاصة مع طول فترة مواجهة البشرية لهذا الفيروس الفتاك ودخول قطاعات مهمة من العالم منذ أشهر فى إطار الموجة الثانية من هجمات ذلك الفيروس اللعين، هى ما واجهته به، الغالبية الساحقة من حكومات بلدان العالم، وإن فى مراحل مختلفة وبدرجات متفاوتة من التشدد أو التخفيف، مهمة سياسات الإغلاق، التى تم اتباعها فى معظم أرجاء المعمورة فى مواجهة موجة الانتشار الأولى للفيروس، واتبعتها أيضا، وإن بأشكال وصور متنوعة ولفترات زمنية مختلفة وبدرجات متباينة فيما بينها، حكومات غالبية البلدان التى تعرضت للموجة الثانية من انتشار الفيروس، وهى فى قطاع كبير منها بلدان غربية، خاصة بلدان أوروبية متقدمة.

وحتى ندرك تأثير سياسات الإغلاق فى مواجهة ظهور وانتشار «فيروس كورونا المستجد» على مسألة الفرز، ثم إعادة الفرز، الفكرى والاجتماعى داخل البلدان الغربية، خاصة الأوروبية، التى تعرضت للموجة الثانية من هجمات الفيروس المذكور، يتعين علينا بدايةً أن نقارن بين ردود الفعل المجتمعية تجاه سياسات الإغلاق فى مواجهة الموجة الأولى وتلك التى أفرزتها القوى الفاعلة فكريا واجتماعيا فى بلدانها تجاه سياسات الإغلاق فى مواجهة الموجة الثانية من موجات فيروس كورونا المستجد.

فتجاه سياسات الإغلاق فى طورها الأول، كانت هناك تباينات اجتماعية فى ردود الأفعال قائمة على معايير تفرقة موضوعية، فعلى سبيل المثال فإن الرفض، سواء المعلن أو الضمني، من خلال سلوكيات تتسم بخرق بعض قواعد سياسات الإغلاق هنا أو هناك، جاء بصفة أساسية من قبل المنتمين للفئات العمرية الصغيرة نسبيا من المراهقين والشباب، وارتكز ذلك الرفض فى جزء مهم منه، حتى ولو كان من دون وعى بذلك، أو من خلال الوعى الموجود فى العقل الباطن لهؤلاء المراهقين والشباب، على شعور داخلى لديهم بأنهم أقل عرضة للإصابة بالفيروس اللعين، وحتى إن أصيبوا فهم الأقل تأثرا بهذه الإصابة من جهة درجة الخطورة على الصحة وعلى الحياة ذاتها.

وعلى صعيد آخر، فإنه خلال سياسات الإغلاق فى مواجهة الموجة الأولى من فيروس كورونا المستجد فى البلدان الغربية، خاصة الأوروبية منها، لم يكن هناك رفض واضح أو صريح من جانب أصحاب الأعمال أو العمال والموظفين، بالرغم من أهمية الإقرار بأنه كانت هناك تحفظات لدى الطرفين تجاه سياسات الإغلاق منذ بداياتها، لأسباب بدت اقتصادية فى جوهرها، وذلك بسبب تخوفات الطرف الأول من الخسائر المترتبة على الإغلاق، وقلق الطرف الثانى من خسارة فرص العمل والتعرض لمخاطر البطالة ونتائجها الاجتماعية الكارثية بالنسبة لهؤلاء وأسرهم ومن يعولونهم، والذين لن تعوضهم إعانات البطالة المقننة فى تلك البلدان عن حجم دخولهم الفعلية المتولدة عن أعمالهم بشكل كامل. إلا أن ما حجم إلى حد ما من قدر تلك التحفظات ولم يتحول بها إلى معارضة صريحة لسياسات الإغلاق كان حجم الانفاق الحكومى العام، والذى اتسم بالمعقولية إلى حد ما، الذى خصصته حكومات تلك البلدان لتوفير دعم مالى لأصحاب الأعمال مع ربط ذلك بشروط محددة كان من أهمها وفى مقدمتها عدم تسريح العمالة، أو على أقل تقدير الثابتة منها، وهو الأمر الذى انعكس إيجابيا على أصحاب الأعمال والعمال على حد سواء.

ولكن كانت هناك معارضة أيضا لسياسات الإغلاق فى طورها الأول من جانب قطاعات أخرى من المواطنين بجانب الفئات العمرية الأصغر لأسباب أخرى مختلفة، وقد تضمنت تلك الأسباب ما رآه البعض، من منطلقات فكرية وأيديولوجية بحتة، من قيود غير ضرورية وليس لها ما يبررها على هذا النحو، من وجهة نظر هؤلاء، على الحريات الأساسية للمواطنين بسبب فيروس كورونا المستجد، واعتبر هؤلاء أن تلك القيود يمكن أن تكون مقدمة لمزيد من التقييد الممنهج والمخطط له سلفا من قبل قوى ضمن الائتلافات الحاكمة فى العديد من البلدان الغربية، خاصة الأوروبية، تجاه نسق الحريات الأساسية للمواطنين، والتى تصب لمصلحة قوى فكرية لها وجودها على ساحة العمل السياسى والاجتماعي، لها قناعاتها المناهضة للمنظور الليبرالى الحاكم بشكل رئيسي، وعلى مدى امتداد زمنى تاريخي، لرؤية الحقوق والحريات فى المجتمعات الغربية. وخرج هؤلاء فى بعض الحالات فى تظاهرات للتعبير عن مواقفهم.

وبالإضافة إلى الدوافع السابقة للمعارضة للموجة الأولى من سياسات الإغلاق أمام الهجمة الأولى لفيروس كورونا المستجد، فقد كان هناك دافع متعلق بالقلق تجاه الصحة العقلية والنفسية للمواطنين من جراء سياسات الإغلاق، حيث كان الدفع بأن سياسات الإغلاق وإبقاء المواطنين داخل منازلهم لفترات مطولة أدى إلى قدر من العزلة.

أما فى مواجهة الموجة الثانية من سياسات الإغلاق، والتى جاءت فى مواجهة الهجمة الثانية من هجمات الفيروس اللعين، فقد بدل البعض من مواقعهم، بينما استمر آخرون فى مواقعهم نفسها التى تبنوها تجاه المرحلة الأولى من سياسات الإغلاق، وهو ما عكس نوعا من عمليات إعادة الفرز الفكرى والاجتماعي، الناتج ليس فقط عن معطيات المرحلة الثانية من سياسات الإغلاق، بل أيضا عن معطيات الفترة الزمنية الواقعة ما بين رفع سياسات الإغلاق فى مرحلتها الأولى فى مطلع فصل الصيف الماضى وإعادة فرض سياسات إغلاق، وإن بدرجات متباينة وأشكال متفاوتة، فى مرحلتها الثانية فى مواجهة الموجة الثانية من فيروس كورونا المستجد مع مجيء فصل الخريف.

وكان من أهم تلك المتغيرات فى المواقع هو انتقال كل من أصحاب الأعمال والعمال إلى مواقع الرفض الصريح للمرحلة الثانية من سياسات الإغلاق، وهو الأمر الذى أدى عمليا فى حالات بعض البلدان الأوروبية، إلى قصر فترات سياسات الإغلاق فى مرحلتها الثانية من جهة وإلى تخفيف واضح، إذا ما قارنا ذلك بالمرحلة الأولى من سياسات الإغلاق، فى تعريف وتحديد طبيعة ومدى ونطاق سياسات الإغلاق ذاتها وما تشمله من منشآت من جهة أخري.

وأخذت المعارضة من جانب أصحاب الأعمال والعمال أشكالا متعددة، كان منها العمل للحصول على تعاطف الرأى العام ووسائل الإعلام، وكذلك السعى لتعبئة الدعم وحشد التأييد لمواقفهم فى صفوف أعضاء المجالس النيابية، على الصعيدين المحلى والوطني، وكان منها أيضا الخروج فى مظاهرات فى الشارع احتجاجا على سياسات الإغلاق فى مرحلتها الثانية.

علينا أن ننتظر لنرى كيف ستئول الأمور مع استمرار المرحلة الثانية من سياسات الإغلاق إزاء الموجة الثانية من هجمة فيروس كورونا المستجد وما بعدها، ولكى نتعرف بشكل أكثر وضوحا وتفصيلا على أى تحولات أخرى فى المواقع لدى القوى الفاعلة فكريا واجتماعيا فى البلدان الغربية، خاصة الأوروبية منها، سواء خلال الموجة الحالية أو إزاء موجات تالية من هجمة الفيروس اللعين ومحاولات واجتهادات التصدى له واحتواء آثاره المدمرة.


لمزيد من مقالات د. وليد محمود عبد الناصر

رابط دائم: