رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

العلم والمال أساس المُلْك والعُمْران.. ولكن!

هذا بيت من الشعر دبجّه أحمد شوقى (أمير الشعراء) والمتوفّى عام 1932 ونكتب فى ضوئه هذا المقال: بالعلمِ والمالِ يبنِى الناسُ مُلْكَهُمُ .. لمْ يُبْنَ مُلْكٌ على جهلٍ وإقلالِ.

وفى ظل كورونا الثقيل، وقبل العاشر من ديسمبر 2020عرفنا أن بريطانيا قامت بإطلاق اللقاح الواقى من (فيروس كورونا)، مجهزا للاستخدام الاختيارى للمواطنين فى حدود 70% منهم، وتمّت تجربته بالفعل فى اليوم الثامن على كل من مرجريت كينان ووليم شيكسبير!, وكذلك اليابان التى زادت عليه التأكيد المشدّد بأن التلقيح سوف يكون مجّانيّاً. وكذلك قامت الولايات المتحدة الأمريكية بالتلقيح بعد إجازة لقاح شركتيْ (فايزر وبيونتيك) من قبل هيئة الغذاء والدواء، كما أن كلاّ من فرنسا وألمانيا على الطريق، وكذلك سوف تفعل روسيا مع لقاح سبوتنيك خاصة، والذى بدأ التطعيم به للمواطنين منذ اليوم الرابع من الشهر وتلقّاه نحو 150 ألفا خلال أسبوع تقريبا، وكذلك الصين.

بهذه الحادثة الرمزية لسباق اللقاحات، يتكرس واقع احتكار كلّ من العلم والمال لدى حفنة محدَّدة ومحْدودة من دول العالم فى مقدمتها ما يُسمّى المركز للنظام الاقتصادى العالمى، ممثلاً بصفة خاصة فى الثالوث: أمريكا الشمالية، وأووربا الغربية، واليابان.

العلم هنا يمثّله البحث الأساسى والتطبيقى، وما يرتبط به من تجريب مقنّن منهجياً. ويتصل البحث العلمى بالمعارف المجسدة فى التكنولوجيا، مطبقة على الصناعة بالذات. ويتكرّس احتكار العلم بما فى ذلك:علوم الحياة وعلم العقاقير, وتمثلاتها فى الصيدلة والطب.

وكما يتكرّس احتكار العلم والتكنولوجيا فى واقع النظام الاقتصادى العالمى الراهن، يتكرّس أيضا احتكار المال بمعناه العام،لدى القلة من الدول الغنية ممثلاً ذلك فى تفاوت توزيع الدخل، وتفاوت توزيع الثروات أو الأصول النقدية والعينية بين مختلف الدول والمجموعات الدولية.

ولَكَمْ تناول الباحثون المتخصصون قضية عدم التكافؤ فى بنية النظام الاقتصادى الرأسمالى العالمى ومن ثم عدم عدالة توزيع الثروات والدخول وما تلاها من الرصيد العلمىّ، وتفاقم ما يسمى الفجوة التكنولوجية بين شمال وجنوب. ولكن ما يحدث هذه الأيام فى عصر كورونا يكشف هذه الحقيقة كشفاً جليّاً، فى ظل الخوف من الموت بفعل (الفيروس).

وقد بلغت أعداد الإصابات فى العالم حتى (10/12/2020) نحو 70 مليون إصابة (69٫430مليون) وبلغت أعداد الوفيات أكثر من مليون ونصف المليون (1٫58), ومقابل الموت، وخشية الموت، تبرز الدول المركزية فى النظام العالمى قادرة على مواجهة الشبح القاتل بما تملكه من قدرات بحثية وتكنولوجية تسمح باختراع وابتكار الدواء واللقاح، وبما لديها أيضا من قدرات مالية تسمح بتمويل البحث الأساسى والتطبيقى، والاختراعات والابتكارات، ثم تحمل تكلفة إدخال الاختراعات والابتكارات دورة الإنتاج الفعلى، وتحمل الأعباء اللوجستية والمالية لتخزين اللقاح، ونقله عبر المسافات ثم إيصاله إلى المعنيين، ومن ثم توزيعه بطريقة ما، بعد التأكد من توافر كلّ من عامل الكفاءة وعامل الأمان.

وكذلك نجد أن البلدان الصناعية الجديدة، خاصة فى الشرق الأقصى والتى تمّ لحاقها والتحاقها تقريباً بدول (المركز) باتت تستطيع التوصل إلى وسائل الوقاية والعلاج، علماً ومالاً، مثل كوريا الجنوبية وتايوان. وتظلّ بقية العالم مهمشة بدرجات مختلفة إلى حد كبير، خاصة من العالم النامى والمتخلف اقتصادياً والبلاد الأقل نمواً، و(أقل البلدان الأقل نمواً) فيما سُمِّيَ على الإجمال (العالم الثالث). ويدخل فى هذه الزمرة الواسعة، البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط المخفض ومنها جمهرة البلاد العربية وبلدان أفريقيا جنوب الصحراء، وعموم آسيا، ومعظم أمريكا اللاتينية. تبقى هذه البلدان فى مجملها فارغة أفواهها لا تجد لديها علماً يُذكر ولا تجد مالاً ، بما يكفى فى الحاليْن لحماية مواطنيها من شُبْهة القتل الذى يحيط بالجميع، بفعل (كوفيد -19).

هكذا تتأكد تلك المقولة التى لطالما ترددت: عدم التكافؤ فى بنية النظام العالمى القائم، وعدم العدالة فى توزيع الثروات والدخول على المستويين العالمى والمحلى. ويتأكد أن الخط الأساسى لمسار النظام الاقتصادى الرأسمالى العالمى الراهن لا يضع الإنسان مركزا لاهتمامه الأول باعتباره إنسانا، فقد تُرِك نهباً للوباء وللموت، دون عناية واجبة بعلوم الأمراض والأوبئة وتكنولوجيات الحياة، خاصة خلال رُبع القرن الأخير. كل ذلك، رغم التقدم العلمى والتكنولوجى الهائل فى مجال بناء الآلات والأجهزة المفكّرة المستشعِرة، فى ظل ما يسمّى (الثورة الصناعية الرابعة)!. وإنما تم اعتبار الإنسان بمثابة آلة أو ملحق للآلة، ماكينةً كانت أو حاسوباً مشغَّلا بنظم الذكاء الاصطناعى وأدواته المستحدثة من الروبوت إلى إنترنت الأشياء. وفى أفضل الأحوال تم التعامل مع الإنسان كمجرد رأسمال، وإن يكن الرأسمال البشرى، او أثمن رأسمال, فإلى أين المسير والمصير..؟

وحقٌا إن العلم والمال أساس المُلْك والعُمران. لكن ذلك ليس بشكل مطلق، وإنما نسبيّا وضمْن القيْد الحديديّ المعلوم فى عالمنا الراهن وفى عصرنا الحالى للأسف: البنية المختلّة للنظام العالمي, حيث تمّت إزاحة (الإنسان-الإنسان) من نقطة المركز إلى هوامش المحيط الماليّ المُعَوْلَم. وتبقى مسألة إعادة البناء للقدرة العلمية والمالية أو الاقتصادية والتكنولوجية للأوطان فى مركز الاهتمام الواجب. بيْد أنّ ذلك ينبغى أن يتمّ استهدافاً للارتقاء بالبنيان المادى والروحى المتكامل للإنسان فى عملية التطور البشرى الخلاّق، وكذا المساعدة فى إقرار الحقوق غير القابلة للتصرف للشعوب الساعية إلى التحرّر من بقايا الاستعمار ممثلة فى الاستعمار الاستيطانيّ بالذات.


لمزيد من مقالات د. محمد عبدالشفيع عيسى

رابط دائم: