تحقيق العدل أحد أقدم أحلام الإنسان منذ أن بدأ البشر يعيشون فى جماعات، وتزداد المعاملات بينهم، وتظهر خلالها آثار التفاوت فى القوة والنفوذ، ثم فى الثروة عندما امتلك بعضهم مصادرها فى ظروف لا نعرف تفاصيلها، وكان المفكر الفرنسى البديع جان جاك روسو أبرز من حاولوا تصورها، فهداه تفكيره إلى أن هذه الملكية بدأت عندما استولى أول شخص على قطعة أرض وقال إنها مِلكى، ووجد من يُصدَّقونه. والعدل نوعان أحدهما قانونى يتعلق بإحقاق الحق وتجنب الظلم، والثانى اجتماعى يرتبط بتوزيع الموارد بطريقة منصفة. والعدل صعب فى الحالتين. ولكنه ربما يكون أصعب على المستوى القانونى، رغم أن عكس ذلك هو ما يبدو لنا فى كثير من الأحيان. ومن هنا عبقرية الحديث النبوى الذى ورد فيه ما يعنى أن القضاة ثلاثة أنواع، اثنان فى النار، وواحد فى الجنة، للدلالة على صعوبة الحُكم بين الناس بالعدل، والتحفيز على بذل أقصى جهد لتوخى هذا العدل. أعدتُ التفكير فى مسألة العدل القانونى وصعوبته بمُناسبة السؤال عن حدود مسئولية الرئيس المُنتهية ولايته دونالد ترامب عن اقتحام بعض أنصاره المتطرفين مبنى الكونجرس. ويتطلب الوصول إلى جواب يتسم بالعدل عن هذا السؤال تحليل مضمون الخطاب الذى وجهَّه ترامب إلى أنصاره، الذين احتشدوا فى ساحة الحرية، بدقة شديدة لمعرفة هل يتضمن ما يمكن أن يُعد تحريضا على هذا الاقتحام، أو على اللجوء إلى العنف، من عدمه. وعندما نتأمل هذا الخطاب، لا نجد فيه دعوة مباشرة إلى اقتحام مبنى الكونجرس، أو استخدام العنف. ولذا يصعب اتهام ترامب اعتمادًا على تحليل مضمون خطابه. ولكن تأمل سياق هذا الخطاب، والظروف التى أُلقى فيها، قد يؤدى إلى استنتاج مختلف إذا نُظر إلى الأمر من زاوية معرفته أنه يخاطب جمهورًا هائجًا مجموعات يمينية متطرفة، مثل مجموعة الأولاد الفخورين التى سبق التعريف بها فى اجتهاد 19 ديسمبر الماضى. وكان هؤلاء هم من قادوا عملية الاقتحام. ولكن هل يكفى هذا الاستنتاج للتوصل إلى أن ترامب مسئول عن اقتحام الكونجرس؟ الجواب صعب إذا أردنا أن نتوخى العدل.
لمزيد من مقالات د. وحيد عبدالمجيد رابط دائم: