رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

2020 حصاد ثقيل وأمل فى الأفق

لم يكن 2020 عاما عاديا، فقد كان مليئا بالأحداث، فبدأ مع تفشى جائحة كورونا، التى انتشرت بشكل سريع، وشملت جميع أنحاء العالم، وتخطى عدد المصابين حاجز الثمانين مليونا، واقتربت الوفيات من المليونين، وخلفت مئات الملايين من العاطلين حول العالم واعتصرت الفقراء، وشلت الجائحة اقتصادات العالم وحركة السفر والتنقل، وخسر الكثيرون وظائفهم نتيجة الإغلاق الذى لم يكن منه مفر، سواء الجزئى أو الشامل، فأصبح ضحايا الفقر والبطالة أضعاف من أصيبوا بالمرض، إضافة إلى الآثار النفسية والاجتماعية فى ظل جائحة لم تشهد البشرية لها مثيلا منذ قرون.

وإذا كان عدد المصابين المسجلين رسميا فى مستشفيات وزارة الصحة فى مصر 135 ألفا، والوفيات تقترب من الثمانية آلاف، فالمؤكد أن هناك أعدادا لم تذهب إلى المستشفيات لأسباب مختلفة، ولهذا فعلينا الحذر الشديد من الموجة الثانية الأكثر انتشارا فى العالم كله، وكان لقلة عدد الإصابات فى الموجة الأولى فى مصر تأثير سلبي، تمثل فى استهانة الكثيرين بالموجة الجديدة للجائحة، حتى إن البعض كان ينكر وجودها، أو يكتفى بالدعاء للنجاة، دون الأخذ بأسباب الحيطة والحذر، ولهذا علينا التوعية الواسعة والسريعة بمخاطر انتشار الوباء، واتخاذ كل التدابير الطارئة، فالوقاية لها الأولوية والقدر الأكبر من الأهمية، ونحمد الله أن الأضرار التى لحقت بنا أقل كثيرا من معظم دول العالم، وأن الاقتصاد المصرى حقق نجاحا نادرا بتحقيق معدلات نمو إيجابية، بينما أصيبت معظم اقتصادات العالم بخسائر فادحة ومعدلات نمو سلبية، وموجة من الكساد تسببت فى إفلاس أعداد كبيرة من الشركات، ونأمل أن نجتاز الموجة الثانية الأكثر سرعة وخطورة، وأن نتحمل الإجراءات لبضعة أشهر، حتى يتوافر اللقاح بكميات كافية، وأن نستفيد من السباق العالمى فى التوصل إلى لقاحات وأن نشارك فيها، على أن تكون إجراءات الوقاية والعلاج السريع هى الأهم فى كل الحالات.

أود أن أتناول الجانب الاجتماعى والنفسى لتفشى فيروس كورونا، فكل حدث أو خطر بهذه الجسامة إما أن يؤدى إلى التكاتف الاجتماعي، ويحول الأزمة إلى فرصة، مثلما كان يفعل أجدادنا فى وقت الفيضان، فيعملون معا على مواجهته، وإما السعى للخلاص الفردي، وهو جهد لا يجدى فى أخطار واسعة مثل الفيضانات والمجاعات والأوبئة والحروب، وأدرك أجدادنا هذه الحكمة منذ آلاف السنين، وعرفوا ومارسوا النهوض الجماعى فى وقت الأزمات، وهذا العمل الجماعى ساعد على ترسيخ النظام العام، والتقاليد الاجتماعية الإيجابية المتمثلة فى الإيثار، وسعى الفرد لمساعدة المحتاج، وكنت أرى فى طفولتى وصباى فى الأقصر كيف يهرع أهل البلدة جميعا عند نشوب حريق، حتى النساء والفتيات والشيوخ، ويقسمون أنفسهم، فمجموعة تملأ الأوانى بالمياه، وأخرى تحمل الأوانى المملوءة، وتتناقلها الأيادى بسرعة حتى تطفئ مركز النيران، ثم يتأكدون أن الجمر قد انطفأ، بينما هناك مجموعة ثالثة دورها إنقاذ وإسعاف المصابين وإخلاء المناطق المهددة، ونقل المصابين لعلاجهم، هذا ما رأيته، وتعلمت أن عشرين رجلا يمكن أن يتمكنوا من بناء بيت فى وقت قصير، بينما لا يستطيع رجل واحد أن يبنيه مهما طال الوقت، وهذا الإرث الحضارى علينا أن نستدعيه فى وقت الأزمات، مثلما حدث بعد نكسة 1967 وحرب الاستنزاف وحرب أكتوبر، وعلينا تطبيقه فى أكثر من أزمة ومجال، منها ترشيد استهلاك المياه، ونشر الطرق الأحدث الموفرة للطاقة ومياه الزراعة والشرب، وأن نحافط على النيل ونحمى مياهه من التلوث، فهذه ليست مهمة حكومة أو عدد من المسئولين وحدهم، بل دور اجتماعى وشعبي، وهذا يرسخ الشعور بالأمان مع هذا التكاتف، بدل الشعور بالهلع والقلق الذى ينتاب البشر فى مثل هذه الكوارث، فمن أجل سلامتنا الصحية والاقتصادية والاجتماعية والنفسية علينا أن نتكاتف بدل أن نتناكف، ونتبادل الاتهامات بالتقصير، فالمناكفة معطلة، يمكن أن تريح البعض بعضا من الوقت، لكنها لا تحل مشكلة، بل تزيدها تعقيدا وخطورة، ولهذا أدعو كل شخص لبذل كل ما يستطيع لإنقاذ نفسه وعائلته ومجتمعه، فلا يمكن أن تتحقق النجاة الفردية فى الكوارث مثل انتشار مرض بشكل وبائى.


هناك أحداث كثيرة ومهمة أخرى شهدها عام 2020، وتأتى الانتخابات الأمريكية فى مقدمتها، لأنها لم تكن عادية، وجرى فيها تبادل الاتهامات، وأحدثت شروخا كبيرة بين المتنافسين وأنصارهم، واستخدموا كل أنواع التشهير والتشكيك، والخاسر الأكبر فى الانتخابات هو الولايات المتحدة، التى أصيبت فى أزهى ما تفتخر به وهو الديمقراطية، وامتدت الإصابة إلى المجتمع المنقسم بين ملونين وبيض، وولايات زرقاء وحمراء، وطعون فى النتائج وتشكيك فى النزاهة والطعون بالتزوير، ولأن الولايات المتحدة تحتل المرتبة الأولى فى إصابات ووفيات جائحة كورونا، فإن مصابها أكثر من أليم، وسوف تمتد آثاره لسنوات قادمة.

أما الحدث الآخر الذى أود تناوله هو عودة الحرب الباردة بأشكال وأدوات أخرى، سواء كانت عن طريق العقوبات والحصار، وصولا إلى الحرب السيبرانية (الإلكترونية)، وهى نوع خطير من الحروب، يمكن أن تسبب خسائر فادحة، وقد أصيبت الولايات المتحدة باختراق خطير لعدد كبير من مؤسساتها، ويمكن لحرب سيبرانية أن تشل الدفاعات والبوارج والطائرات، وكل شيء يعتمد على الاتصالات اللاسلكية، وإذا لم نضع حدا لمثل هذه الحروب بأشكالها الجديدة، فقد نجد العالم قد دخل حربا مدمرة أكثر من أى وقت مضى، وقد وصل التنافس بين الولايات المتحدة وكل من الصين وروسيا إلى حد الخطر، فالإنفاق العسكرى يزيد رغم الأزمة الاقتصادية العالمية، والمناورات العسكرية لا تتوقف، والبحوث تعمل على إنتاج أجيال من الأسلحة أكثر فتكا، ونحن ما زلنا نعانى من المجاعات والفقر والجهل فى الكثير من دول العالم، ولا أعتقد أن هناك حلا قريبا لمثل هذه الحرب الاقتصادية والسياسية والسيبرانية.

أما أوروبا فقد شهدت أول خروج من الاتحاد الأوروبي، بمغادرة بريطانيا الاتحاد، بدءا من مطلع العام الجديد، بعد ماراثون طويل من المفاوضات حول شروط الخروج، ويأتى خروج بريطانيا ليبدد الآمال فى توطيد الاتحاد الأوروبي، خاصة أن دولا أخرى لا يروق لها سياسات الاتحاد، ولا ترى أنها حققت الكثير من الفوائد، بل تلقى عليه الاتهامات فى بعض الأزمات.

وفى وطننا العربى كان عام 2020 امتدادا لحالة الانقسام والخلافات والنزاعات، وإن كانت نهاية العام حملت بعض الأمل، واقتربت مصر من رأب الصدع فى ليبيا، وتسعى بكل جهد قيادتها الواعية لخلق مناخ يتيح رأب الصدع وحل النزاعات بالطرق السلمية، حتى يتوقف النزيف العربي، وينتهى التدخل الأجنبى المستفيد من اتساع النزاعات.

أما فى مصر، وبرغم ما مرت به من صعوبات تمثلت فى جائحة كورونا، وما تبعها من أضرار بقطاعات حيوية مثل السياحة وعائدات العمالة وقناة السويس وبعض القطاعات الأخرى إلا أنها واصلت بناء مشروعاتها القومية الكبيرة، وتجاوزت الموجة الأولى من الجائحة، بفضل سياسة اقتصادية واعية.

ولهذا استحقت أن تكون من بين الدول القليلة التى حققت نموا جيدا، تجاوز 4%، وكان يمكن أن يتضاعف لولا الأزمة العالمية، وهو ما يبشر بأننا قادرون على تخطى العقبات مهما كان حجمها، وأشعر بالثقة والأمل أن العالم سيتجاوز الجائحة قريبا، وأننا عازمون على المضى فى طريق التنمية بخطوات ثابتة وواسعة، وأن دور مصر الإقليمى والدولى سيزداد قوة، واقتصادها سيشهد قفزات كبيرة فى العام الجديد.


لمزيد من مقالات بقلم ــ عـــلاء ثابت

رابط دائم: