رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

الأديب الكبير محمد جبريل الحائز على جائزة الدولة التقديرية
فوجئت بالحكم على بســـنة ســجن فى قضية لا أعلم عنها شيئا

صلاح البيلى;

  • كنت أقرب شخص إلى محفوظ قبل فوزه بجائزة نوبل ثم لم ينفض المولد حوله من بعدها
  • لا أعتبر (مائة عام من العزلة) عملا عظيما.. و(قلب الليل) لمحفوظ مجرد منشور سياسى
  • حبى للنظام منع الصحافة أن تسرق عمرى.. ويكفى أنها وفرت لى راتبا شهريا منتظما




فجأة وبدون مقدمات وجد الرجل نفسه متهما بمخالفات بناء وبامتلاك عمارة كاملة، وتداولت القضية بالمحكمة وهو لا يدرى، حتى دق باب شقته اثنان من المحضرين لتنفيذ حكم السجن عاما مع الشغل وكفالة خمسة آلاف جنيه، دفع مبلغ الكفالة وهو مذهول من هول الصدمة والمفاجأة، صدر الحكم فى 3 ديسمبر الجارى وأسرع الرجل بمساعدة محاميته فى عمل استئناف ضد الحكم مقرر له جلسة 11 يناير القادم .

والمتهم ــ لمن لا يعرف ــ هو الروائى والقاص محمد جبريل، الفائز بجائزة الدولة التقديرية، والمبدع لأكثر من 85 كتابا، والبالغ من العمر 83 عاما إذ ولد فى 17 فبراير سنة 1938 فى بحرى.

جبريل الذى لم يدخل قسم شرطة أو قاعة محكمة يوما وجد نفسه متهما وهو الذى لا يتحرك إلا بصعوبة ومطلوب منه كمتهم أن يحضر بشخصه ويدخل القفص كمتهم، شعور الرجل بالقهر يطغى على كل أحاسيسه فلا يستطيب مناما أو طعاما ولا يدرى ماذا يفعل، وبكلام يائس يقول : لو طبقوا على الحكم سوف أنتحر وأصبح شهيد العدالة !!

ذهبنا إلى الرجل فى بيته بحى مصر الجديدة وقضينا معه أكثر من ثلاث ساعات نستمع إلى قضيته التى يصفها (بالعبثية) ومنها انتقلنا إلى الحديث عن دوره الثقافى ومكانته كأديب مصرى أخلص للكتابة أكثر من ستين عاما، فإلى التفاصيل ...





ماذا جرى؟.. وكيف أصبحت بين يوم وليلة متهما ومحكوما عليك بالسجن؟

يجيب الروائى محمد جبريل: فوجئنا باثنين من المحضرين حضرا إلى البيت لتنفيذ حكم قضائى ضدى بالسجن عاما مع الشغل والنفاذ وكفالة خمسة آلاف جنيه بصفتى مالكا لشقتين بالعمارة التى أسكن فيها رقم 18 بشارع سليمان عزمى بمنطقة مصر الجديدة، وبصفتى مسئولا عن العقار المكون من ستة طوابق وبدروم، وكل دور يتكون من شقتين، لا أعرف كيف حدث ذلك وأنا لا أملك غير شقتى التى أعيش فيها ومعى زوجتي، ولا أملك شقتين ولا العمارة كما زعموا، لم يأتنى إعلان ولا غيره من التنبيهات وفقط عرفنا بالحكم الصادر ضدى فى 3 ديسمبر الجارى وبضرورة التنفيذ، وعرفت أنه لابد من دفع مبلغ الكفالة ثم عمل استئناف ضد الحكم الإبتدائي، وبالفعل دفعت الخمسة آلاف جنيه، وعملت المحامية الموكلة منى استئنافا حددت له جلسة بتاريخ 11 يناير القادم، ومطلوب منى كمريض ومقعد أن أحضر فى هذا اليوم وأدخل القفص كمتهم، وأنا الذى سبق أن أجريت عملية جراحية فى العمود الفقرى وفشلت ونتج عنها سقوط قدمى وعجزى عن الحركة إلا بصعوبة، كما أجريت فى 9 مارس الماضى عملية جراحية أخرى بالمعدة مع استئصال أجزاء من الأمعاء !

لكن ما أسباب ما جري؟ وما أصل القضية؟

علمت أن صاحبة شقة أعلى منى شكت للحى من الشقة التى تعلوها بتسريب ماء من الحمام إلى شقتها ونشع الماء يؤذيها، فما كان من الحى إلا أن حرر محضرا بالمخالفة وتحولت القصة لقضية بالنيابة والمحاكم ولما كان اسمى (محمد لطفى جبريل) هو الاسم الوحيد الثلاثى الذى ورد فى محاضر الحى فقد جاء الحكم ضدى أنا رغم أنى لا علاقة لى بأى شىء، وبذلك جعلونى مجرما فى يوم وليلة وأنا الذى لم أدخل يوما قسم بوليس أو قاعة محكمة، فكتبت ذلك على صفحتى على الفيس وبدأ الأصدقاء يتواصلون معى وينشرون مأساتى تلك حتى كلمنى رئيس الحي، ثم كلمنى محافظ القاهرة وطيب خاطري. وقد ذهبت زوجتى زينب العسال والمحامية للحى لتصويب هذا الوضع العبثى الذى جعلنى متهما فى قضية لا علاقة لى بها كما طلب من الحى إثبات سلامة العقار وأنه غير مخالف ولا يتعرض لسوء أو غير آيل للسقوط كما زعموا ولكن دون جدوي، والأيام تجرى وإذا لم يتدخل مسئول لاستدراك هذا الوضع سأجد نفسى فى قفص الاتهام يوم 11 يناير القادم كمتهم بالسجن سنة مع النفاذ، إننى أشعر بالقهر ولم أعد أستطيب طعاما ولا شرابا ولا نوما، ولا أحب أن أبدو ذليلا لأحد كما لا أحب أن أجرح أحدا، وعليه لو طبق على هذا الحكم سوف أنتحر وأصبح شهيد العدالة ! ..

قريبا يأتى الفرج وتتجاوز الأمر بإذن الله، ولكن ألا تنشغل حاليا بأى كتابة أو إبداع جديد ؟

فى هذه الأجواء الوضع صعب جدا، لكننى أحاول أحيانا تغيير تفكيرى أو حالتى النفسية فأقطع بعض وقتى بالقراءة، وأحيانا أقوم بجرد الصحف والمجلات أو التنقيب فى مكتبتى وأنت تراها تملأ الشقة كلها، أنا أعيش وسط الكتب، ماذا أفعل ؟ أحاول ألا أستسلم لليأس !

قبل أن تصدمك مفاجأة القضية والحكم ما هو آخر إبداع أتحفت به المكتبة العربية ؟

لى روايتان تحت الطبع، الأولى (حيرة الشاذلى فى مسالك الأحبة) وهى رواية أخذت فيها سيدى أبى الحسن الشاذلى صاحب الطريقة الشاذلية من ضريحه فى (حميثرة) على ساحل البحر الأحمر بجنوب مصر فى رحلة عكسية وجعلته يزور الاسكندرية التى أحبها وعاش فيها وربى فيها مريديه، ومن خلال رحلته أرصد الواقع المعاش حاليا، والرواية الثانية عنوانها (مشارف اليقين) وبها روح صوفية أيضا، ولعل الروايتين امتداد لمرحلة الكتابة الصوفية، بعد أن صدرت لى فى 2019م المجموعة القصصية (اكتمال المقام) عن أولياء الإسكندرية وغيره.

تتجاوز مؤلفاتك 85 كتابا يدور الكثير منها فى أجواء سكندرية.. هل مازلت أسيرا لفترة نشأتك الأولي؟

نعم.. وشديد الحنين لمدينتى الإسكندرية وآخر زيارة لها من سنة، وكلما زرت بيتنا فى (بحري) ردت فى الروح، أما خارج منطقة بحرى فأنا مجرد سائح غريب عن مدينتي، لقد ولدت فى شارع إسماعيل صبرى بشقة تطل على مئذنة ومسجد سيدى على تمراز، فأول شيء شاهدته المئذنة وأول صوت سمعته الآذان قبل اختراع الميكرفونات وكان أبى يعمل مترجما عن الإنجليزية والفرنسية والتركية كما كان محاسبا وبسبب مرضه بالربو كنت أساعده فى عمله وآتى له بالأوراق المراد ترجمتها من الشركات المصرية والأجنبية التى كانت تنتشر فى الإسكندرية آنذاك حيث كانت مدينة كوزموبولتانية بامتياز وبها جاليات أجنبية كثيرة، وقد ماتت أمى وأنا طفل صغير فرعتنى وربتنى واثنين آخرين أختى الكبرى فكانت لنا نحن الثلاثة نعم الأم .

كثيرون كتبوا عن الإسكندرية من إدوار الخراط وأسامة أنور عكاشة وإبراهيم عبدالمجيد وغيرهم، فكيف اختلفت كتابتك عن كتاباتهم والمدينة واحدة ؟

الحنين للإسكندرية هو الذى دفعنى للكتابة عنها بهذه الغزارة، فربما لو عشت فيها ما كتبت كل هذه القصص عنها، وأنا لا أعرف إلا منطقة (بحري) ولا أكتب إلا عنها، وكما قال إدوار الخراط: »بحرى هى اسكندرية محمد جبريل«، وهذه حقيقة لا تغضبني، وكما قال حسنى بدوى عنى إننى كنت صادقا فى تصوير كل وقائع الحياة اليومية فى (بحري) ولولا حبى للمكان وحنينى إليه ما كتبت، وأعتقد أنه أتيح لى مالم يتح لزملائى من الكتاب لأن (بحري) عبارة عن شبه جزيرة فى البحر المتوسط وهناك تحدث الصلة العبقرية بين البحر واليابسة وكنا نحاط بالمينا الشرقية والغربية وخليج الأنفوشي، وسكان (بحري) إما من الصيادين أو باعة السمك مع قليل من أبناء الطبقة الوسطي، أما الأغنياء فلم يسكنوا (بحري) بل سكنوا مناطق أخرى بالإسكندرية .

تتكلم عن (بحري) وكأنه جنة الله فى أرضه مع أن تغييرات كثيرة طالت هذا الحى العريق بالإسكندرية فلماذا تتغافل عنها ؟

طفولتى تعنى (بحري)، نعم حصلت تغييرات كبيرة به ولكنى أغمض عينى ولا أراها ولا أذكر إلا (بحري) الذى عشت فيه وعشقته من السيالة للأنفوشى للموازينى والمسافر خانة، والتغيير الكبير حصل بالشوارع الخارجية كما حصل بميدان أبى العباس المرسي، ولا أتصوره أبدا كما أراه اليوم، كنا نلجأ إليه فى كل طقوسنا الدينية وأعيادنا وكانت كل عروس تدور حول الميدان سبع مرات وكان بجواره ميدان الأئمة الأربعة عشر، ولكن محافظ الإسكندرية الأسبق إسماعيل الجوسقى شوه الميدان ببناء خرسانى أقحمه عليه وأسفله محلات أحذية وحلوى ومطاعم ومقاه وما بقى من الميدان الفسيح أغلقه بسور حديدى فقضى على روحانية المكان والمساجد خصوصا مسجد سيدى أبى العباس المرسى الذى كتبت رباعية الإسكندرية عنه وعن تلاميذه فى الطريقة الشاذلية فهو البطل فى معظم رواياتي.

نجيب محفوظ

كتبت كتابك (نجيب محفوظ .. صداقة جيلين) مع أنك لم تكن بجواره فى أيامه الأخيرة حيث التف من حوله مريدوه، فأين كنت، ومتى كتبت كتابك هذا، وكيف عرفته ؟

حتى حصول نجيب محفوظ على نوبل لم يعرفه أحد ممن التف حوله كما عرفته، وبعد فوزه بجائزة نوبل قابلته مرتين، واحدة برئاسة الجمهورية وكان معه من شلة الحرافيش القديمة أحمد مظهر وعادل كامل وسألني: »انت فين؟«، فقلت له : »لا أستطيع مخاطبة العريس ليلة عرسه«، والمرة الثانية كنت أسير بوسط القاهرة ومعى الشاعر يسرى حسان ووجدته أمام محل جروبي، فعانقنى بمودته التى تعودت عليها ولم تتبدل وطلب منى أن أزوره مثل زمان فقلت له : »سأزورك بعد أن يهدأ الصخب المحيط بك«. لقد كنت أزوره يوميا لمدة ساعتين فى مكتبه، كما كنت أتردد عليه كثيرا فى (قهوة عرابي) بشارع الجيش بالعباسية وأحيانا فى مقهى (ريش)، وكان يجلس على طبيعته وزملاؤه القدامى ينادونه باسمه المجرد، وكان الوحيد الذى يناديه (نجيب بك) ثروت أباظة،، ويحزننى أن البعض هاجموا محفوظ بشدة وحقد فيما مضى ثم عادوا يعترفون بريادته لاحقا، كما يحزننى تحريف أقواله أو التلاعب فيها فقد سئل مرة عن العدو الإسرائيلى فقال : »العدو الذى لا تستطيع الانتصار عليه صادقه« وهذا مثل عالمي، فأخذ البعض كلمته على أنه يروج للتطبيع، وحين سئل هل عيد ميلاده فى ديسمبر سنة 1967 كتب (عيد ميلادى الزفت) بسبب فجيعته بالهزيمة، فهو مع تفرده الإبداعى انسان ينطبق عليه بحق وصف (حضرة المحترم)، لهذا فحبى لمحفوظ أكبر من حبى لأبى أو يساويه، ولك أن تعلم أننى حين نشرت مجموعتى (تلك اللحظ من حياة العالم) قرأها محفوظ قبل النشر وأبدى إعجابه بها وطلب منى أن أختصر عنوانها إلى (تلك اللحظة) فقط ولكنى بنرجسيتى رفضت ثم فى طبعاتها اللاحقة عملت بنصيحته، وحين كتبت روايتى الأولى (الأسوار) قرأها وشجعنى على نشرها، لقد تعلمت من نجيب الكثير خاصة حب النظام والانضباط وتعلمت منه أن كل وقت له ثمن، وتعلمت منه كذلك الإخلاص للفن واعتباره قيمة بذاته ويجب أن نحرص عليه ونرعاه وهكذا كان تقديره للفن وليس مجرد تسلية أو عبث، وقد سألنى حين عملت بالصحافة : أيهما تحب الصحافة أم الفن ؟ فقلت : الفن، فقال لى : احرص على الإبداع والفن أكثر، وهى نفس النصيحة التى قدمها لى يحيى حقى .

برأيك لماذا لم يتجاوز أحد محفوظ فنيا ولا كميا لليوم ؟

رأيى فى مسألة التجاوز من عدمه أن الموضوع نسبى وما أراه تجاوزا قد يراه آخرون لا شيئ، وما أراه حداثيا قد يراه غيرى رجعيا، فلا تخصيص لعظمة أديب، لقد تقبلنا فوزه بفرحة ولكن يوسف إدريس رأى فى نفسه أنه الأحق بالجائزة والأكثر تميزا، وهذا من حقه، وكل واحد وذوقه ورؤيته لنفسه وللعالم، فلا يوجد صك باسم أحد أنه الأجدر فأنا مثلا لا أرى (مائة عام من العزلة) عملا عظيما، ولم تعجبنى رواية (قلب الليل) لنجيب محفوظ واعتبرتها أشبه بالمنشور السياسي، أنا حر فى ذوقي، الكمال المطلق لله .

بمناسبة نصيحة محفوظ ويحيى حقى لك حول الفن والصحافة هل أفادتك مهنتك كصحفي؟

جدا حيث وفرت لى راتبا لأن الأديب فى بلادنا لا يعيش من كتبه كما وفرت لى سفريات متعددة داخل وخارج مصر،ووفرت لى صداقات وعلاقات كثيرة مع القراءة والوعى .

ولكنها تسرق العمر كما يقول كثيرون فما قولك ؟

حبى للنظام منعها أن تسرق عمرى وهو ما تعلمته من محفوظ، وكثيرا ما أقول لأصحابى : لا تكن مثل الحلاق الذى يضرب 9 مقصات فى الهواء ومقصا واحد بالشعر بل ليكن العكس!، وهى نصيحة تصلح للكتاب الشباب كذلك.

أخيرا.. أليس غريبا أن تقاطعك الجوائز 45 عاما منذ التشجيعية سنة 1975م حتى حصلت على التقديرية فى يونيو الماضى ؟ هل كنت تنتظرها؟

قد تكون (التقديرية) تأخرت ولكنها جاءتنى فى النهاية، وأصبحت أشارك لطفى السيد وطه حسين والحكيم والعقاد ومحفوظ فى الفوز بها.. أنا لا أحب التباكي.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق