رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

مصر والإمارات .. تاريخ حافل ومستقبل مشرق

أكثر من 23 لقاء جمعت بين الزعيمين عبدالفتاح السيسى رئيس جمهورية مصر العربية، والشيخ محمد بن زايد ولى عهد أبوظبى نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الإماراتية، وذلك فى الفترة من 2014 حتى الآن أى بما يعادل 4 لقاءات سنوية تقريبا.

هذه الأرقام تعكس عمق واستثنائية العلاقات المصرية ـ الإماراتية التى تمتد جذورها إلى الراحل العظيم الأب المؤسس الشيخ زايد آل نهيان، لتزداد عمقا ورسوخا فى عهد الرئيس السيسى وسمو الشيخ خليفة بن زايد رئيس دولة الإمارات وولى عهده سمو الشيخ محمد بن زايد لتصبح النموذج الأبرز للعلاقات العربية ــ العربية القادر على مواجهة جميع التحديات فى مختلف المجالات.

الزيارة الأخيرة لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولى عهد أبوظبى نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الإماراتية مصر فى الأسبوع الماضى جاءت فى توقيت حساس ودقيق لتناقش تعميق العلاقات الأخوية بين البلدين وتبحث جوانب العمل والتعاون المشترك بين الدولتين بما يحقق مصالحهما المتبادلة، بالإضافة إلى القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك سواء تلك المتعلقة بالملف الليبى أو ما يتعلق بما يدور من مناقشات حول المصالحة مع قطر فى ظل اقتراب موعد انعقاد القمة الخليجية المتوقعة فى البحرين.


قبيل اللقاء كانت الطائرات الإماراتية تحمل أول شحنة من لقاح كورونا إلى مصر كدليل حى على عمق العلاقات المصرية ـ الإماراتية وجهودهما المشتركة فى مواجهة جائحة «كورونا» والتنسيق فيما بينهما لمواجهة تداعياتها الإنسانية والاقتصادية على جميع المستويات والأصعدة.

بعد اللقاء ذهبت وزيرة الصحة د.هالة زايد إلى الإمارات للتباحث هناك مع نظيرها الإماراتى بشأن تلك الجهود خاصة ما يتعلق بإنتاج اللقاحات. والتجارب الإكلينيكية، وخطة التطعيمات المقترحة والمتوقعة فى البلدين.

هذه التحركات تعكس المستوى الذى وصلت إليه العلاقات بين الدولتين فى مختلف المجالات الاقتصادية والسياسية والعسكرية والصحية، بحيث أصبح التنسيق الكامل هو الشعار الدائم فى كل تلك المجالات وغيرها.

ولأن هناك جهودا مقدرة تبذلها دولة الكويت فى ملف المصالحة بين الرباعى العربى وقطر، فقد تطرقت مباحثات الزعيمين المصرى والإماراتى إلى هذا الملف «الشائك» خاصة مع اقتراب موعد عقد القمة الخليجية.

مصر أعربت من قبل فى بيان رسمى لوزارة الخارجية عن تقديرها للجهود الكويتية المبذولة لرأب الصدع العربى، وتسوية الأزمة الناشبة منذ أعوام بين قطر ودول الرباعى العربى فى إطار الدور المعهود للكويت وحرصها الدائم على الاستقرار بالمنطقة العربية.

فى الجانب المقابل فقد أكد وزير الدولة للشئون الخارجية أنور قرقاش أن الإمارات تثمن جهود الكويت الشقيقة والمساعى الأمريكية نحو تعزيز التضامن فى الخليج العربى، وتدعم المساعى السعودية الخيرة وبالنيابة عن الدول الأربع، معربا عن أن بلاده «تؤكد أن علاقات مجلس التعاون مع مصر الشقيقة ركن أساسى فى المحافظة على الأمن العربى واستقرار المنطقة، وتتطلع إلى قمة خليجية ناجحة».

القراءة المتعمقة فى تعليقات الجانبين المصرى والإماراتى توضح التنسيق الكامل فيما بينهما والرؤية المشتركة للحل بما يراعى الحرص على الاستقرار بالمنطقة العربية، ورفض التدخلات فى الشئون الداخلية للدول العربية، وتجفيف تمويل منابع الإرهاب والجماعات الإرهابية، وبالتالى فإن الكرة فى الملعب القطرى، ومدى التزامها بتلك القواعد والأسس التى وضعتها دول الرباعى العربى لحل تلك المشكلة التى كانت هى السبب فى وقوعها بسبب سلوكياتها وتصرفاتها المعادية تجاه الدول الأربع.

إلى جانب ملف المصالحة هناك تنسيق كامل بين مصر والإمارات بشأن الملف الليبى، حيث يرفض البلدان أى تدخلات خارجية فى الشأن الليبى، وقد سبق أن أعلنت الإمارات تأييدها إعلان القاهرة ودعت جميع الأطراف الليبية إلى الاستجابة لهذا الإعلان، كما أعلنت الإمارات وقوفها إلى جانب مصر فى جميع التدابير التى تتخذها لحماية أمنها القومى من التداعيات المقلقة على الأراضى الليبية.

يساند الطرفان أيضا تثبيت وقف إطلاق النار، ويدعوان إلى الالتزام بالعملية السياسية تحت إشراف الأمم المتحدة، وعبر مسار مؤتمر برلين، مع تأكيد ضرورة الحفاظ على وحدة وسلامة الأراضى الليبية فى مواجهة الأطماع الخارجية التركية التى تحاول أن تجد لها موطئ قدم دائما فى ليبيا، عبر دعم الجماعات المسلحة غير الشرعية، وكذلك توقيع اتفاقيات غير مشروعة لاستغلال ثروات ليبيا النفطية.

على الجانب الآخر فإن انضمام دولة الإمارات إلى «منتدى غاز شرق المتوسط» بصفة مراقب إلى جوار الدول الأعضاء المؤسسين يساعد فى تعزيز التعاون بين الدول الأعضاء ودولة الإمارات فى مجال الطاقة بما يسهم فى خدمة المصالح الإستراتيجية، ويعزز التعاون والشراكة بين دول المنتدى، وفى الوقت نفسه، يحد من الأطماع التركية فى شرق البحر المتوسط.

فيما يخص العلاقات الاقتصادية الثنائية فقد شهدت تلك العلاقات ازدهارًا غير مسبوق بدأ بدعم واضح وصريح من دولة الإمارات لثورة 30 يونيو 2013.

بعدها وقفت الإمارات إلى جانب مصر وقدمت حزمًا من المساعدات العينية والمادية، والعديد من الاستثمارات المباشرة، فى إطار من علاقات التعاون الوثيق بين الدولتين تبلورت فى شكل عدد من الاتفاقيات والبروتوكولات التى تجاوز عددها نحو العشرين اتفاقية.

يعتبر صندوق أبوظبى للتنمية من أهم شركاء التنمية فى مصر فضلًا عن تأسيس منصة استثمارية مشتركة بقيمة 20 مليار دولار عبر شركة أبوظبى التنموية القابضة وصندوق مصر السيادى.

الإمارات الآن هى واحدة من أكبر خمس دول مستثمرة فى مصر بإجمالى رصيد تراكمى يصل إلى 15 مليار دولار، وتعتبر مصر الشريك التجارى السادس عربيّا للإمارات، بينما تعتبر الإمارات الشريك التجارى الثانى لمصر عربيا، وشهدت الصادرات المصرية إلى الإمارات ارتفاعًا ملحوظا بلغ 86.4% اعتبارًا من عام 2015 حتى 2019.

تراهن الدولتان على مستقبل مشرق للعلاقات فيما بينهما فى ظل النجاحات التى حققها الاقتصاد المصرى أخيرا، وقدرته على التعافى والصمود فى ظل جائحة كورونا، مما أدى إلى أن تكون مصر واحدة من الدول القلائل فى العالم التى تنجح فى تحقيق معدل نمو إيجابى، هذا المستقبل المشرق يستند على التقارب الكبير بين زعماء وقيادات الدولتين مما يسهم فى تحفيز رجال الأعمال على الاستثمارات المشتركة وتذليل العقبات أمام تدفق تلك الاستثمارات.

متانة العلاقات قائمة على تاريخ طويل وممتد منذ عهد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان مؤسس دولة الإمارات العربية، الذى كان قائدا شجاعا، وزعيما ملهما، وصاحب أول وآخر تجربة عربية وحدوية حينما نجح فى تأسيس دولة الإمارات العربية المتحدة عام 1968.

كان الزعيم جمال عبد الناصر أكبر داعم للشيخ زايد فى خطوته الاتحادية الأولى بين إمارتى (أبوظبى ودبي) عام 1968، ثم كان الرئيس أنور السادات أكثر المتحمسين لاتحاد الإمارات عام 1971.

ظل الشيخ زايد محبا لمصر والمصريين، ومساندا لها فى كل المواقف، وعلى مختلف الأصعدة، بدءا بحرب أكتوبر المجيدة سواء فى مرحلة التحضير والتجهيز للحرب، أو أثناء اندلاع المعركة، وكان صاحب المقولة الشهيرة، «النفط العربى ليس أغلى من الدم العربي»، وهى المقولة التى «أربكت» حسابات القوى العالمية المؤيدة لدولة إسرائيل، وكان لها أكبر الأثر فى ازدياد الداعمين للحقوق العربية المشروعة ومحاصرة إسرائيل.

ساند زايد مصر، حينما اتجهت نحو السلام، ووقف كحائط صد ضد كل من حاول النيل منها، وكان عاشقا لمصر قولا وفعلا، ومؤمنا بأن مصر هى قلب العرب النابض، وقوتها هى قوة للعرب جميعا.

على دربه سار سمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات، وولى عهده سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولى عهد أبوظبى ونائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الإماراتية مما أسهم فى تعميق العلاقات المصرية الإماراتية لتصبح هى النموذج الأفضل فى مجال العلاقات العربية ـ العربية وربما فى مجال العلاقات الدولية.

[email protected]
لمزيد من مقالات بقلم ــ ‬عبدالمحسن‭ ‬سلامة

رابط دائم: