تم مؤخرا الاحتفال بذكرى مرور خمس سنوات على توقيع اتفاقية باريس، حيث اجتمع عدد من قادة العالم للاحتفاء بعزم الكثيرين فى العمل نحو عالم أكثر أمنًا وقدرة على الصمود والوصول بانبعاثات الكربون إلى المستوى صفر. عالم نفخر جميعًا بأن نتركه لأحفادنا.
خلال السنوات الخمس الماضية اختُبرت بالفعل عزيمة المجتمع الدولى وتضرر مجتمعنا العالمى من جراء فيروس خلف وراءه آثارًا متتابعة طويلة المدى على المجتمعات والاقتصادات. وفى خضم هذه الجائحة، هل من الواقعى أن ندعو إلى إجراء عالمى لمكافحة تغير المناخ؟ وعليه، إننا نرى أن الأمر الآن أكثر أهمية من أى وقت مضى. فبالنظر إلى موجات الجفاف وهجمات أسراب الجراد المدمرة فى إفريقيا، والحرائق الهائلة فى أستراليا، وانهيار البنية التحتية فى سيبيريا مع ذوبان الجليد، والأعاصير الشديدة فى أمريكا، يتبادر إلى الذهن سؤال أكثر أهمية: هل نستطيع أن نتحمل ما قد ينتج عن تفاقم الوضع عما هو عليه؟حتى قبل الجائحة، التزم الاتحاد الأوروبى بقيادة عملية التحول الأخضر. ففى ديسمبر 2019، أطلقت المفوضية الأوروبية الاتفاقية الخضراء، وهى نموذج جديد للنمو وخارطة طريق للوصول إلى الحياد المناخى فى منطقة الاتحاد الأوروبى بحلول 2050. والآن وبعد مرور عام نقوم بتنسيق سياساتنا فى مجالات الطاقة والصناعة، والزراعة، والغذاء حتى تتماشى مع أهداف الاستدامة. هذه هى خطة الاتحاد الأوروبى للتعافى من الجائحة. وتخصص حِزمة التعافى «الجيل القادم من الاتحاد الأوروبي» وميزانيتنا القادمة طويلة المدى أكثر من نصف تريليون يورو للتعامل مع قضية تغير المناخ.إن رأى العلم لا جدال فيه، فمن أجل رخاء المستقبل يجب علينا أن نتخطى الاقتصاد الكربونى الضار ونستثمر فى الاقتصاد العالمى الأخضر. فإننا لا نستطيع أن نتحمل ما قد ينتج عن عدم القيام بذلك.
ووصولا إلى الحياد المناخى بحلول 2050، اتفق قادة الاتحاد الأوروبى بالإجماع فى 11 ديسمبر على الحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى بما لا يقل عن 55% بحلول 2030 مقارنة بمستويات 1990. وسوف يوفر ذلك القدرة على التنبؤ لأعمالنا وصناعتنا ومواطنينا. كما سوف يزيد من وتيرة الانخفاض السريع فى تكاليف التكنولوجيات منخفضة الكربون، إن تحقيق هدف نسبة 55% سوف يساعدنا بالفعل فى ادخار 100 مليار يورو فى العقد القادم وما يصل إلى 3 تريليونات يورو بحلول 2050. نحن نعلم بأن نوايانا الحسنة للتعافى الأخضر فى أوروبا ليست كافية ولا يجب علينا المضى قدمًا فى خططنا الطموح من أجل التحول الأخضر فحسب، وإنما يجب أيضًا ضم شركائنا الدوليين. وتسير مصر بالفعل بخطى سريعة عبر استراتيجية الطاقة المتكاملة والمستدامة لعام 2035، بدعم من الاتحاد الأوروبي، والتى تؤكد أهمية الطاقة المتجددة. فإن مصر تستهدف زيادة إمدادها من الكهرباء المُّولدة من مصادر متجددة بنسبة 42% بحلول 2035. ما من حكومة تستطيع أن تتعامل مع قضية تغير المناخ وحدها. لهذا سوف نلتمس كل مسارات التعاون والدبلوماسية من خلال أدوات كثيرة مثل اتفاقيات الشراكة الاستراتيجية، وسياسات التجارة، والمساعدات الانمائية وغيرها من أدوات التمويل الخارجية الأخرى. فإننا بحاجة إلى دائرة فاعلة من الطموح. فى مصر، فإن أكثر من 50% من المنح الجارية التى يقدمها الاتحاد الأوروبى ترتبط بقضايا المناخ، وجزء منها أيضًا ساعد على تعزيز الحصول على قروض ميسرة من بنك الاستثمار الأوروبى وغيره من بنوك التنمية الأخرى. يتزايد بالفعل الترتيب فى «مجموعة صفر كربونNet-Zero Club». ولقد انضمت اليابان إلى الاتحاد الأوروبى وأقرت هدف الحياد المناخى بحلول 2050 ويستهدف آخرون تحقيق صفر كربون مع منتصف القرن تقريبًا. كما أعلنت كندا عن قانون جديد بشأن الحياد المناخي،وأشار الرئيس المنتخب بايدن إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية سوف تسير فى نفس الاتجاه.وأخيرًا، يظهر زخم عالمى نحو الوفاء بتعهد اتفاقية باريس وتأمين مستقبلنا على هذا الكوكب. فلقد صار مفهوم الوصول بانبعاثات الكربون إلى المستوى صفر هو النظرة المعتادة الجديدة لمنتصف القرن بالنسبة لدول لها ظروف تاريخية وجغرافية غاية فى الاختلاف. بالإضافة إلى تقديم 100 مليار دولار كتمويل مرتبط بالمناخ من أجل الدول النامية، يجب أن تكون هذه الأمور هى البنود المقرر إنجازها فى المفاوضات المتعلقة بالمناخ عند استئنافها فى مؤتمر الأطراف 26 فى جلاسكو بشهر نوفمبر القادم.إننا نستطيع تجنب الآثار الأكثر مأساوية لتغير المناخ على مجتمعاتنا. وتعتبر خطط التعافى العالمية، والإقليمية، والوطنية، والمحلية،والفردية الخاصة بنا بمثابة فرصة «لإعادة البناء بشكل أفضل». فإننا ندين بذلك من أجل الأجيال القادمة: الضحايا الرئيسيين للعواقب الاجتماعية والاقتصادية للجائحة،فسوف يتعيّن عليهم تحمل عبء تغير المناخ ودفع ثمن التعافي.خلال السنوات الماضية واصل الاتحاد الأوروبى قيادة مكافحة تغير المناخ، ولكن بعد مرور خمس سنوات على توقيع اتفاقية باريس، فإن الوقت الآن أكثر أهمية من قبل بأن نأتى باستراتيجيات واضحة من أجل الوصول بانبعاثات الكربون إلى المستوى صفر وتعزيز مستوى طموحنا لعام 2030.إن جائحة «كوفيد-19» جعلتنا على دراية بأن السياسات العامة الجيدة وحدها لا تكفي. فعلينا أيضًا تعزيز الإجراءات الفردية الصغيرة لتحقيق أثرً جماعى كبيرً. هذا هو الأثر التراكمى الذى نحتاج إليه ابتداء من اتفاقية باريس. ومع الحياد المناخى باعتباره اتجاها للانطلاق، يستطيع العالم حشد أفضل ما لديه من المهندسين، والمعنيين بالأعمال، وصانعى السياسات، والفنانين، والأكاديميين، والمنظمات غير الحكومية، والمواطنين ليعملوا معًا من أجل حماية شيء نتشاركه جميعًا ويتعدى الحدود والاختلافات، ألا وهو كوكبنا.
-------------------------
سفير الاتحاد الأوروبى لدى مصر
لمزيد من مقالات كريستيان برجر رابط دائم: