رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

إنقاذ الوطن شرط انطلاق التنمية المستدامة

كانت ثورة 30 يونيو- 3 يوليو 2013 المجيدة من أهم ثورات مصر والمصريين على مدى تاريخهم العريق، وكان إنقاذ الثورة للوطن والدولة من كارثة مشروع الفاشية التكفيرية والإرهابية العميلة شرط انطلاق الأمة المصرية صوب بناء روافع وتحقيق أهداف التنمية المستدامة، وهى التنمية التى جرى وأد أهم فرصها على مدى تاريخ مصر الحديث، فى عهود محمد على وثورة 1919 وثورة 1952، كما بينت فى مقالى السابق.

وأسجل، أولا، أن التعلم من التاريخ قد دفعنى- فور صعود جماعة الاخوان بعد اختطافها ثورة 25 يناير، وعشية انتخاب مندوب مكتب الإرشاد رئيسا- الى كتابة مقالى صعود وسقوط دولة كهنة طيبة، جريدة الأهرام، 8 أبريل 2012. وكتبت فى المقال أن مصر كعهدها كانت سبَاقةً فى التاريخ؛ حين قامت فيها أول دولة دينية فى تاريخ العالم!! وأن الإخوان والسلفيين والجهاديين يتطلعون- بعد أكثر من ثلاثة آلاف ومائة سنة- الى تأسيس ثانى دولة دينية فى تاريخ مصر!! وإذا كانت الأولى مأساة، فان الثانية ليست سوى ملهاة!! فقد قبل المصريون القدماء حكم كهنة طيبة فى سياق معتقداتهم الدينية؛ باعتبار كهنتهم وسطاء بينهم وبين إلههم آمون، وسبيلا الى معرفة أحكامه والى نيل رضاه!! لكن المصريين المسلمين لا تنطوى عليهم مزاعم شيوخ الإسلام بأنهم يحتكرون معرفة أحكام الله! وأن رضاهم من رضا الله! لتبرير قفزهم الى الحكم. ببساطة؛ لأن الإسلام لا يعرف الكهنوت وحكم رجال الدين!! ولأن المصريين المسلمين، الذين يعرفون أنه لا وساطة بين العبد وربه، لم ينتخبوا الأحزاب الدينية لنيل صكوك غفران تدخلهم جنة السماء وإنما تطلعا إلى حياة أفضل على الأرض، لا تَعِدُ رؤية وقدرة وقادة وبرامج هذه الأحزاب بتحقيقها!!

وثانيا، ان ثمة أوجه شبه عديدة بين الحالتين الفرعونية والمعاصرة!! فقد ورثت دولة كهنة آمون آخر أسرات دولة الملوك الرعامسة حين صارت دولتهم فاشلة غافلة، فقامت الأسرة 21 حوالى 1100 ق. م. وكتبت فى مقالى المذكور محذرا من الكارثة المحدقة، فذكَّرت بأن مصر- تحت حكم كهنة طيبة- عادت سيرتها الأولى من التقسيم قبل عهد مينا، وأخذت تتقلب فى صراعات أهلية، وأخذ حكام البلاد المجاورة- عندما لمسوا ضعف مصر- ينقضون عليها إلى أن قضى على استقلالها نهائيا. وفى الفترة بين صعود وسقوط دولة فقهاء الإخوان سادت الفوضى، وانقسمت الأمة، وبدأت إثيوبيا بناء سد النهضة المُهَدِد لإيرادات مصر من مياه النيل. وعقب ثورة 30 يونيو راجت فرية التغيير غير الديمقرطى واتخذت ذريعةً لتجميد عضوية مصر فى الاتحاد الإفريقى، وقامت إدارة أوباما بتجميد صادرات السلاح اللازم لتصفية الإرهاب فى سيناء. وقامت عصابات الإرهاب بحرق الكنائس وقتل المصريين المسيحين؛ واستهدفت جنود الجيش والشرطة والمدنيين من المصريين المسلمين. لكن الأمة المصرية- العصية على الفتن- كما أسقطت حكم كهنة طيبة وأزالت أول دولة دينية عابرة فى تاريخها القديم، أسقطت حكم فقهاء الإرهاب ووأدت مشروع إقامة دولة دينية فى تاريخها المعاصر، وتمكنت بفضل وحدتها من انتزاع اعتراف العالم بشرعية ثورة 30 يونيو/ 3 يوليو.

وثالثا، أننى أعترف بمخاوفى واندهاشى بعد ثورة 25 يناير من موقف قواتنا المسلحة إزاء اختطاف جماعة الإخوان وحلفائها للبرلمان والدستور والرئاسة بخديعة المتاجرة بالدين، ثم تبينت لاحقا أن قواتنا المسلحة الوطنية قد جنبت الأمة المصرية كارثة اندلاع حرب أهلية مرتين: الأولى، حين تسلمت الحكم من مبارك عقب ثورة 25 يناير، والثانية، حين انتصرت لثورة 30 يونيو ضد قوى الاسلام السياسى. وفى الفترة العصيبة بين الثورتين، لم يكن لقواتنا المسلحة انقاذ مصر ما لم تتحرر غالبية الشعب المصرى من خديعة تجار الدين، وهو ما تكفلت به جماعة الإخوان مع حلفائها. وهكذا، انتصرت ثورة 30 يونيو العظيمة والفريدة، وأسقطت حكم الإخوان المشؤوم والعابر، حين وفر الجيش الوطنى المصرى بقيادة السيسى فى 3 يوليو القوة، التى لم يكن هناك بديل سواها لانتصار ثورة الشعب المصرى؛ وإنقاذ الأمة من أهوال حرب أهلية. وستبقى ثورة 30 يونيو/ 3 يوليو معلما لانتصار الأمة المصرية فى صراع وجود ومصير جوهره أن تكون أو لا تكون مصر؛ كما يعرفها كل دارس لتاريخها المديد، حين أنقذت الثورة وجود مصر: دولةً ووطناً وأمةً وهويةً؛ وأمكن بفضل تفويض الأمة زعيمها السيسى لمحاربة وتصفية الإرهاب بدءا من فض بؤرة رابعة الإرهابية العميلة.

ورابعا، أنه ما يدعو للأسف أن أصواتا شاذة تنتسب الى التيارات اليسارية والناصرية والليبرالية تدعو من حين وآخر الى المصالحة مع الإخوان؛ بدوافع لا تعدو سوء قصد أو قصر نظر أو سعيا للرزق أو جهلا مركبا. لكن من ينطلق من التفكير فى المصلحة الوطنية، ومن يستوعب الخطر الجسيم لمشروع الإسلام السياسى يدرك حتمية تصفية تنظيم جماعة الإخوان وحلفائه؛ باعتباره شرطا لا غنى عنه لانطلاق التنمية المستدامة، التى تحمى الأمن القومى لمصر وتحقق الأمن الإنسانى للمصريين. وأوضح فأقول: إن دعاة مشروع الدولة الدينية لم يجلبوا لأى بلد سوى الخراب والفوضى والانقسام؛ ولنتأمل الحصاد المدمر والمرير بدءاً من دولة ولاية الفقيه بإيران، ومرورا بانقلاب الإخوان وحكم البشير فى السودان، وسيطرة طالبان والقاعدة فى أفغانستان، وسيطرة داعش ثم الحشد بالعراق، والميليشيات المتاجرة بالإسلام والعميلة بسوريا، والميليشيات الإخوانية والمرتزقة السوريين فى ليبيا، وانقلاب الحوثيين على الحكومة الشرعية فى اليمن، وحتى جرائم بوكو حرام فى دول الساحل والصحراء بافريقيا. وأختم، فأقول إن مصر- بفضل ثورة 30 يونيو- قد تمكنت من بناء روافع كبرى للتنمية المستدامة، ولأول مرة فى تاريخها الحديث يمكنها بلوغ الأهداف النهائية للتنمية المنشودة؛ بإعلاء راية الأمة المصرية فى دولة وطنية ذات سيادة، وبناء دولة المواطنة التى تحمى كل حقوق الانسان لجميع مواطنيها دون تهميش أو تمييز، وإقامة المرتكزات الوطنية للتقدم الصناعى والتكنولوجى والمعرفى. وهو ما يستحق تفصيلا لاحقا إن شاء الله.


لمزيد من مقالات د. طه عبد العليم

رابط دائم: