على مدى أكثر من شهرين تابع الملايين حلقات «إلا انا» التى تجسد ثمانى حكايات لشخصيات نسائية تمثل المرأة فى ادوار واطوار مختلفة فى صراعها مع الحياة والمجتمع بشكل مختلف عن الصورة النمطية للادوار النسائية فى الدراما التليفزيونية
تقول السيناريست نجلاء الحدينى كاتبة سيناريو حلقات «لازم أعيش» الذى يرصد معاناة فتاة تعانى مرض البهاق أن التجربة بالنسبة لها كانت ثرية جدا فحياة النساء مليئة بالدراما بل هى دراما فى حد ذاتها وكل امراة بسيطة لديها قصة ثرية لكن الدراما التقليدية حصرت المراة فى أنماط محددة وفى أدوار ثانوية غير مؤثرة وتجاهلت لفترات طويلة واقع المراة المغلوبة على أمرها التى تكافح من أجل اسرتها لكن هناك اتجاها حاليا فى الدراما لتصبح أكثر واقعية فى مناقشة قضايا المراة وذلك لأن المرأة حاليا أصبحت أكثر قدرة وجرأة فى التعبير عن نفسها ولم تعد هى نفسها التى تتقبل المعاناة فى صمت وكما أسهمت مواقع السوشيال ميديا فى إعطاء النساء الفرصة للتعبير عن انفسهن وهو ما انعكس على الدراما وجاء مسلسل «إلا انا» ليركز على قضايا النساء بشكل مختلف عن السائد والمتوقع ويعطى الفرصة ليس فقط للتعبير عن مشاكل المرأة ولكن أيضا لفريق العمل من النساء من فنانات ومخرجات وكاتبات لا تتاح لهن بسهولة لطبيعة الانتاج المنحاز أكثر للبطل الرجل، وتتوقع نجلاء الحدينى استمرار الدراما النسوية، وبالرغم من أن العديد من كتاب السيناريو الرجال قدموا اعمالا خالدة عن النساء لكنها ترى ان الكاتبة المرأة تستطيع التعبير دائما بشكل أسهل وأكثر سلاسة وعمقا عن الرجل لانها تتحدث عن نفسها وعن أمور عاشتها فهى مثلا اختارت موضوع مريضة البهاق لانها رصدت بنفسها معاناة شابة صغيرة مع المرض وتأثرت بقصتها ومخاوفها من رفض المجتمع وارتدائها النقاب لتختبئ خلفه عن عيون المتنمرين. نجلاء الحدينى التى شاركت من قبل فى كتابة مسلسل ذات وكأنه امبارح وزى الشمس تتمنى أن تجد تمثيلا أكبر لقضايا النساء ومشاكلهن والضغوط التى يتعرضن لها وخاصة قضية حدود الحرية والمجال المتروك لها للحركة وقدرتها على التحدى والثمن الذى تدفعه فى المقابل.
المجلس القومى للمرأة من جانبه ومن خلال رئيسته مايا مرسى أشاد بالمسلسل وبنجاحه فى تقديم الدراما النسائية من خلال عمل هادف يتناول قضايا المرأة المصرية والواقع اليومى الذى تعيشه لافتة إلى أن النجاح الذى حققه المسلسل يصب فى مصلحة المرأة من خلال نشر الوعى بقضاياها ، فالدراما هى أقصر الطرق لنشر الوعى بقضايا المجتمع والمرأة بشكل خاص .
كما اشادت بتنوع القصص التى تناولت العديد من قضايا المرأة مثل معاناتها فى قانون الاحوال الشخصة وداخل اروقة المحاكم وإهدار حقوق الزوجة والأبناء ، وقضية حرمان المرأة من الميراث، وتأخر سن الزواج، والتأخر فى الانجاب والتنمر والتضحيات الكبيرة التى تقدمها لاسرتها وجميع من حولها موضحة أن أهم ما يميز المسلسل تركيزه على قضية التمكين الاقتصادى للمرأة وانه هو السبيل لبدء حياة جديدة مستقلة مليئة بالعمل والانجاز واثبات الذات والنجاح ، مما يعطى الامل لجميع السيدات والفتيات التى تعانى مشكلات اجتماعية واقتصادية
د. نادية رضوان استاذ علم الاجتماع وصاحبة كتاب دور الدراما فى تشكيل الوعى تؤكد أهمية الدراما ليس فقط فى التعبير عن واقع النساء ولكن تغييره أيضا وتتذكر رحلتها فى أثناء وضع الكتاب فى التسعينيات وتعاملها مع عدد من السيدات الأميات وتبين لها فى ذلك الوقت ان اغلب المعلومات التى يحصلن عليها كانت من الدراما والتليفزيون والتركيز على نموذج المرأة القوية المستقلة القادرة على الوقوف بمفردها وتقديم المعلومات الدقيقة من جانب كتاب الدراما سيسهم حتما فى تغيير ثقافة المجتمع ونظرته للمرأة فالدراما تصل بسهولة لكل البيوت وللاسف مازالت اغلب الاعمال الدرامية ترتكب جرائم فى حق المرأة تسىء إليها وترسخ للنظرة الذكورية التقليدية مثل ضرب الرجل للمرأة وقبول المرأة له والمشهد المعتاد للرجل الذى «يلطش الست بالقلم» ونجدها فى المشهد التالى تعتذر له وتطلب السماح بالاضافة الى نموذج المرأة التى ينحصر دورها فى خدمة الرجل سواء بالترفيه عنه او بالقيام بالاعمال المنزلية والخدمية لكننا نحتاج للخروج من هذا الحيز الضيق وطرح قضايا جدلية حقيقة وتقديم النماذج السليمة للأب والام والاسرة وطرح المشاكل ومناقشتها بعمق وليس باستسهال وتسطيح واستخفاف.
وتقول الكاتبة والناقدة الفنية حنان أبوالضياء يخطئ البعض عندما يتهم الدراما المصرية فى السينما والتليفزيون أنها لم تنصف المرأة وقدمتها بشكل يسىء اليها على طول الخط وأن نموذج المرأة المستضعفة، وقليلة الحيلة أو سيئة السمعة هو الطرح الدرامى الأوحد لشخصية المرأة فهناك بعض الأعمال التى رسم فيها المبدعون الصورة الحقيقية للمرأة، دون انتقاص من حقوقها ومن أجمل الأعمال المتوازنة فى طرح شخصية المرأة فى الدراما التليفزيونية المسلسل الاجتماعى «هو وهي» انتاج عام 1985 وتأليف الشاعر صلاح جاهين وبطولة سعاد حسنى وأحمد ذكى وهناك شخصية المرأة القوية التى يصل بها الأمر الى التحكم فى الرجل كشخصية فضة المعدواى فى مسلسل «الراية البيضاء» تأليف أسامة أنور عكاشة، انتاج 1988 وبطولة سناء جميل؛وهناك أيضا المرأة المتحصنة بالقيم والمثل والام الحنون فى «الشهد والدموع» التى قامت الفنانة عفاف شعيب بدور بطلته زينب؛ولايستطيع أحد نسيان مسلسل الوتد، فى عام 1996ومثلت فيه هدى سلطان شخصية فاطمة تعلبة العمود الحقيقى للبيت، حيث كانت صاحبة الكلمة الأولى والأخيرة داخله؛ بالإضافة إلى قوانينها الصارمة التى ما على الكل إلا اتباعها بدقة وأولها الترابط بينهم لأنه هو أصل الأسرة، وكانت الأم الشخصية المصرية الأصيلة للمرأة التى تحافظ على بيتها وأولادها. ومن الأعمال المهمة فيلم «الباب المفتوح- 1963»، ويبرز تمرد المرأة والصراع الذى تعيشه بين رجل متسلّط ذكورى ورجل آخر ثورى، لنجد صالح سليم يقول لها: «لا أريد أن تفنى كيانك فى كيانى... أريد لك كيانك الخاصّ المستقل».
ما نحتاج اليه هو التركيز على قضايا النساء ونقل واقعهن بعمق فالدراما رغم انها تنقل الواقع فى الاساس الا انها قادرة على التأثير فيه.
رابط دائم: