رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

خطوات إقليمية ودولية متقاطعة فى الأزمة السورية

كثيرة هى التطورات التى شهدتها الأزمة السورية مؤخراً، والتى تستبق دخول الرئيس الأمريكى المنتخب جو بايدن إلى البيت الأبيض، ما يدفع إلى التساؤل حول مدى ما تمثله تلك التطورات من مؤشرات على احتمالية حدوث تغيير فى مواقف القوى الدولية والإقليمية المعنية بالأزمة، بناءً على التغييرات المحتملة فى السياسة الأمريكية تجاه الصراع السورى.

أول هذه التطورات، يتمثل فى فتح ملف إعادة الإعمار، وهو الملف الذى تضعه روسيا حالياً فى قمة اهتماماتها بعد أن جمدت طرحه بصورة مؤقتة نتيجة الرفض الأوروبى والأمريكى والأممى للانخراط فيه دون وجود حلحلة فعلية للأزمة. فقد عادت روسيا لطرح الملف باعتباره يمثل اعترافاً دولياً بمجمل نتائج معادلة الصراع التى فرضتها على المستويين السياسى والعسكرى.

ومن المتوقع رفض بايدن الانخراط فى أية مشروعات دولية لإعادة الإعمار فى سوريا إلا بعد اتخاذ النظام السورى خطوات جادة وملموسة تجاه إصلاح سياسى شامل لا يستثنى أياً من أطراف العملية السياسية، مصحوبة بسياسة واضحة لعلاج أزمة اللاجئين، ما يعنى أن إدارة بايدن قد تتجه إلى تفعيل الموقف الأمريكى الرافض لخطط روسيا لإعادة الإعمار، والعمل على مواجهتها عبر آلية «إشراك الحلفاء» لاسيما الأوروبيين، بهدف تشكيل جبهة رفض دبلوماسية لهذا الطرح.

وتتجه روسيا إلى تبنى ورقة عمل سياسية- اقتصادية تسعى لتحقيق ثلاثة أهداف فى سوريا هى: تثبيت خريطة المصالح العسكرية والسياسية الناتجة عن التطورات على الأرض، وإعادة إحياء الاقتصاد السورى من خلال اتفاقات التعاون الثنائى فى مجال الطاقة، وعودة اللاجئين السوريين، بما يعنى ثبات الموقف الروسى على حاله دون تغيير حاد، بصورة تنفى أية احتمالات توحى بأن موسكو بصدد دعم طرح تشكيل «حكم انتقالي» عبر عملية سياسية بهدف التوصل لتسوية، وإنما هى بصدد إعادة ترسيخ «الانتصار» فى سوريا بما يتجاوز الجانب العسكرى ليشمل الجانب الاقتصادى والبنية التحتية. وقد يزيد ذلك من وطأة الضغوط الأمريكية على النظام السورى بصورة تتجاوز فكرة الإصلاح السياسى إلى فكرة الانتقال السياسى السلمى للسلطة عبر آلية التفاوض.

ملف شائك

ثانى تلك التطورات، يتعلق بمؤتمر «عودة اللاجئين السوريين» الذى عقد فى 11 نوفمبر الجارى بدمشق بدعم روسى، والذى شهد اتهامات مباشرة وجهها الرئيس بشار الأسد خلال كلمته لكل من الولايات المتحدة وتركيا بمسئوليتهما عن أزمة اللاجئين نتيجة «خلقهما ظروف مفتعلة أجبرت السوريين على الخروج الجماعي»، رابطاً مسألة العودة بضرورة رفع العقوبات لكونها عاملاً مُقوِّضاً لتلك العملية.

المؤتمر قوبل برفض من الاتحاد الأوروبى الذى رأى أن الظروف الاقتصادية والأمنية لا تشجع السوريين على العودة الطوعية لديارهم، خاصة مع استمرار التهديدات كالاختفاء القسرى والانتهاكات الحقوقية والتجنيد الإجبارى فضلاً عن تدنى خدمات البنية التحتية، بما يعنى أن سوريا لاتزال تفتقد الشروط التى تشجع السوريين على العودة.

ويبقى الهدف من المؤتمر هو محاولة روسيا كسر العزلة الدولية والحصار الاقتصادى المفروض على نظام الأسد، ما يشير إلى استمرارية الأخير، بدعم روسى، فى إنكار دوره فى أزمة اللاجئين، ويعد ذلك مؤشراً على إعادة طرح نفسه أمام الإدارة الأمريكية الجديدة بأنه صاحب الحق الحصرى فى تدشين عملية سياسية تحتاج رفع الحصار وإلغاء العقوبات، تسويقاً لفرضية أن تردى أوضاع البنية التحتية يفرض ظروفاً إنسانية واجتماعية واقتصادية تعرقل عودة اللاجئين.

ضربات مستمرة

ثالث هذه التطورات، ينصرف إلى إعادة طرح إسرائيل نفسها كفاعل رئيسى على الساحة السورية، فبالرغم من كثرة الضربات العسكرية الإسرائيلية لأهداف إيرانية فى سوريا على مدار الأعوام الماضية، إلا أن الاستهداف الأخير فى 18 نوفمبر الجارى لأهداف عسكرية سورية وإيرانية فى الجنوب السورى له دلالاته المهمة بالنظر إلى تزامن التوقيت مع فوز بايدن بالرئاسة. إذ ترغب إسرائيل فى توجيه رسالة للإدارة الأمريكية تفيد استمرارية استهدافها العسكرى للوجود الإيرانى ولنشاطات حزب الله فى سوريا، وقطع مسارات نقل الأسلحة بين سوريا ولبنان. لكن هذه السياسات لم تحجم من نفوذ إيران فى سوريا، بل استمرت فى دعم حزب الله، وهذا يعنى أن الضربات الكثيفة والمتعددة للأهداف الإيرانية فى سوريا لم تؤثر بالسلب على الإمكانيات العسكرية الإيرانية فيها، ولا على دور إيران فى تزويد حزب الله بالأسلحة.

وفقاً لتلك المعطيات، تسوق إسرائيل نفسها للإدارة الأمريكية المنتخبة بأنها قادرة على إحداث تأثير شامل على الوجود الإيرانى فى سوريا عبر تلك الضربات، مع ملاحظة أن التأثير الشامل هذا لا يتوقف على آلية الاستهداف العسكرى، بل يتجاوزها إلى آليات تتعلق بمجمل الأزمة السورية بأبعادها الدبلوماسية المختلفة، لأن فك الارتباط بين النظامين السورى والإيرانى وبينهما وبين حزب الله لا يتوقف على كثافة الضربات العسكرية فقط، وإنما يحتاج مساراًَ دبلوماسياً يهدف إلى تغيير سياسات النظام السورى بشكل عام.

سياسة مزدوجة

أما التطور الرابع، فيرتبط باتجاهات السياسة الأمريكية المحتملة مع تركيا بشأن سوريا. إذ أن احتمال إعادة بايدن للتعاون مع الحليف الكردى السورى سيصطدم بالضرورة بالموقف التركى الرافض لأى دور لـ»قوات سوريا الديمقراطية»، وهو ما يعنى أن العلاقات الأمريكية- التركية بشأن سوريا ستصبح رهينة لتقييم أنقرة لسياسات بايدن تجاه الأكراد السوريين، لاسيما وأنه أعلن رفضه لسياساتها فى المنطقة، وهو ما سينعكس بالضرورة على الملف الأهم لتركيا، وهو الوضع فى إدلب. فانطلاقاً من فرضية الاهتمام المحتمل لبايدن بالأوضاع الإنسانية المتردية التى خلّفتها الأزمة السورية، لاسيما الوضع فى إدلب، فمن المتوقع أن يشهد هذا الملف تفاعلاً ملموساً من جانبه خلال المرحلة القادمة، بما قد يفرض عليه ضرورة صياغة سياسة مزدوجة مع تركيا تقوم على رفض سياستها المُقوِّضة للأكراد السوريين من ناحية، وقبول سياستها فى إدارة ملف إدلب من ناحية ثانية، لاسيما أن ذلك سيمنع روسيا من الانفراد بترتيب الأوضاع فيها، وهو ما ستعمل أنقرة عليه بما يمكنها من اللعب على وتر تناقضات السياسة الأمريكية تجاه ملفات الاهتمام المشترك.

ختاماً، تشكل التطورات السابقة إطاراً عاماً لبعض تفاعلات القوى الدولية والإقليمية المعنية بالأزمة السورية، مستهدفة استشراف طبيعة العلاقات السياسية المحتملة بينها وبين الإدارة الأمريكية الجديدة خلال المرحلة القادمة.


لمزيد من مقالات صافيناز محمد أحمد

رابط دائم: