رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

عبء الرجل المسلم!

عندى قناعة أن أحلامى تحمل لى نبوءات غيبية وكثيرا ما تحققت وكنت أشعر بالذهول من هذه الوقائع! وفى ثقافتنا نسمى ذلك رؤية، بينما فى الثقافة الغربية لا يعتبرونها إلا عمل العقل الباطن واللاوعي، ولكنى أميل لكونها رؤية كما علمنى جدى العالم الدينى ولم يكن فى زمنه إلا علماء للدين لا العلم ولا يحق للآخرين النقد، باعتبار ما أقوله غير قابل للتكذيب أو التصديق فلا دليل مادى عليه، لأنها أمور شخصية لا ألزم أحدا بالاقتناع بها، أو البناء عليها، ولا أدعى علميتها حتى تكون قابلة للتكذيب!

وأعتقد أن تلك هى المشكلة الثقافية التى تواجهنا فى مجتمعاتنا، أن ما يدور فى الخلد للفرد أو لجماعة ما من أمور غيبية، يجب أن يكون قانونا يسرى على الآخرين ويؤمنوا بصحته ماداموا هم يؤمنون! وهى حالة نفسية باعتبار الإنسان كائنا اجتماعيا يسعى للتواصل ويسعده أن تكون قناعاته مقبولة ويتبناها غيره من الناس، ولكن طبيعة البشر الاختلاف والتنوع، وكل فرد يكون قناعاته حسب درجة ثقافته وتربيته وذكائه وكذلك شعوره وإحساسه، وتوصلت الحضارة الغربية أن لكل إنسان الحق والحرية فى اختياره لقناعاته، شريطة ألا يفرضها على الآخرين، وعند التعامل فإن ما يحكم العلاقات الاجتماعية هو ضوابط العقل المشترك بين البشر، والتى تمت صياغتها فى قوانين مدروسة ومقننة علميا، وأتفق على حكم القانون كمعيار، لا ما يطرأ على أحلامنا أو معتقداتنا الشخصية غير القابلة للتكذيب!

عند تفشى الجهل والأمية الثقافية يسهل التلاعب بمشاعر الناس، لخلق وعى زائف لقضايا لا تقبل التكذيب، بمعنى أنها غير علمية، المفروض أن تخضع للقياس والمشاهدة لتكذيبها أو تصديقها، كما يرى عالم الاجتماع ( ماكس فيبر)، ويندرج تحتها كل الادعاءات بامتلاك الحقيقة المطلقة ليس فى الرؤى الدينية فقط، ولكن كل السرديات الكبرى التى تدعى امتلاك الحقيقة ونهاية التاريخ عندها، فلا توجد حقائق ولكن توجد آراء واجتهادات، وبمراجعة التاريخ الإنسانى نجد أن كل المآسى الإنسانية انطلقت من الادعاء بامتلاك الحقيقة، والمخالفين لها لا يستحقون الحياة، وقتلهم لا يؤرق الضمير، ولا يطعن فى الأخلاق، ولا يدرك أن من قتل نفسا بغير حق كمن قتل الناس جميعا.. القتل شيطنة للإنسان! الإرهاب الذى يرعب العالم أكثر من كوفيد ـ 19 ارتبط بكل الأيديولوجيات المغلقة، ويحتاج إلى مصل عقلانى علمى كمصل كورونا، وذلك بتفكيك الظاهرة ومعرفة أصلها، ومن الخطأ العلمى ربطها بدين معين، ولكن بأيديولوجية دينية معينة، أو بمعنى آخر رؤية دينية خاصة بجماعة متطرفة، وهو التوصيف الأدق، فالإرهاب الذى يطول الجميع لا دين له، ولكن له أيديولوجية دينية، أى اجتهاد زائف يقوم على القتل، أى ضد الهدف الأسمى للفكرة الدينية، وهى إعمار الأرض بالحب والخير لذا يشعر المسلم بالظلم عند التوصيف المغرض الإرهاب الإسلامي!

هناك موجة أخرى من الإرهاب الوليد يتمثل فى العنصرية والتمييز القومي، تظهر صراحة فى خطاب الرئيس الأمريكى (ترامب) وهناك موجات متنامية من الأحزاب القومية العنصرية فى أوروبا وأمريكا مرشحة للقيام بأفعال إرهابية ضد الآخرين، عبء الرجل الأبيض ادعاء عنصرى يعود بقوة، ولكن الحكمة التاريخية أطلعتنا أن القيام بهذا العبء لم يؤد إلا لمصلحة الرجل الأبيض فى الاستعمار الوحشي، ولم يساعد الدول المتخلفة فى تخطى البنى الفكرية والمجتمعية التى تعوق التقدم، وكلها تختفى خلف العقلية الماضوية والنزعة البطريركية الأبوية، وهيمنة ثقافة لا عقلانية، بل أحيانا كرسها الاستعمار لاقتناص مصالحه، ولم يحاول تغيير الوضع المتخلف إلا أبناؤها من المفكرين والمثقفين، الذين بحثوا عن مشروع للخروج من مثلث الجهل والفقر والمرض، وهذا الوعى هو الذى أدى إلى مراجعات نقدية للإجابة عن أسئلة الحداثة الباحثة عن حكم العقل والحرية الاجتماعية بتنظيم سلمى قابل للتطور.

هذا عبء المثقف المسلم الذى يعى أن التقدم ليس بتعليم اللغات والتكنولوجيا الحديثة، ولكن بتغيير نظام التفكير، وتناول دلالات الألفاظ بحرص، لتحديد مفاهيم الإيمان من التطرف والغلو، والفكر من الأيديولوجيا، فالواقع مليء بالتناقضات وقد علمنا (هيجل) فى الجدلية الهيجلية توجيه التناقض إلى تطور خلاق نحو التقدم للأمام، فالعلاقة مع الواقع ليست جامدة ثابتة، ولكن متحركة باستمرار، وتجاوز التناقضات له مناهج بحث علمية ومدروسة، لإقرار العقل النقدى المتعايش مع الاختلاف، ويقبل وجوده والعمل على حل التناقض الواقعى بالقانون، ويضاف لعبء الرجل المسلم تعديل الصورة النمطية عن الإسلام كفكر وليس بالإرهاب عندما تقع حادثة من مهووسين، أو اتهامات الاستبداد والقمع عندما نواجه الفاشية الدينية التى تفرض ثقافة لا عقلانية تشل حركة التطور الجدلية.. بينما لا توجد أى مواجهة مع التدين السلمى الأخلاقى حتى ولو اعتبروا أنفسهم أولياء الله الصالحين، وأحلامهم رؤى تتحقق بشفافية!


لمزيد من مقالات وفاء محمود

رابط دائم: