رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

الضحك هو الحل .. اضحك!

رأى صاحبه وقد اسوّدّ وجهه قلقا وحزنا وألمًا فسأله: مالك يا خال؟.. أجاب: أبدًا.. صلاح جاءت له كورونا !.. ابتسم هو، وأراد الترويح عن الصاحب، وملاعبته، همس: سمعت آخر نكتة.. بيقول لك واحد سأل امرأته... هنالك فَزَّ صاحبه فلوّح بمبسم الشيشة فى وجهه ثم ألقاه على الأرض صارخًا: جرى إيه يا بنى آدم.. الإحساس نعمة يا أخى.. الناس من حولنا يتساقطون فى حبائل الكورونا وأنت غارق فى اللهو والهُزء والتنكيت.. صحيح الذين اختشوا ماتوا!

أعاد هو الابتسام ثم تمتم: صَدِّقنى.. فى مثل تلك الظروف ليس أمامنا إلا الضحك والفرفشة والتريقة «أحيانًا».. التنكيت هو الحل يا صديقى. حملق الآخر فيه بعينين بَيّضتهما نار الغضب لكنه عجز عن الكلام من شدّة الحنق.. فأكمل هو: دعنى أسألك: لماذا لم نعد نحن المصريين نضحك ونتبادل النكات والقفشات اللاذعة .. فإن حدث وضحكنا فإننا نلوم أنفسنا.. وبالذنب نشعر فنستغفر. ألم نكن طوال تاريخنا معروفين بكوننا «أبناء نُكتة» حتى فى أحلك الأحوال.. ماذا جرى لنا باللهِ عليك؟

أجاب الآخر وقد نفِدَ صبره: كُنا يا أبا العُريف نضحك لأننا كنا ناقصى عقل ووعى ومسئولية.. غافلين مخدوعين.. واليوم صَحوْنا.. فانتبهنا.. ففهمنا.. وحين فهمنا غَشِيَنا الحزن.. وركبتنا الهموم.. فاسكت أرجوك واتركنى مع أحزانى أجترُّها اجترارًا. لم يشأ هو أن يسكت.. وما كان له أن يسكت وقد نجح فى جَرِّ رِجْلِ الصاحب إلى المصيدة. ردَّ مناوشا: على العكس تمامًا.. نحن يا صاحبى لم نكن يوما غافلين ولا حالمين ولا واهمين.. وإنما نحن ناسٌ نأكلها بمزاجنا. إن الرأى عندى هو أن الغافل فينا اليوم هو من لا يضحك على همومه ويسخر منها فيُنكِّت.

أراد الآخر المقاطعة فأسكته هو برفع نبرة صوته.. قال: اسمع.. أفسِح لى المجال لأشرح لك وجهة نظرى فى عِدّةِ نقاط سريعة.. هل تسمح؟ دمدم الآخر: وهل على الكلام من جُمرُك.. هيا.. اتحفنى. استأنف هو فقال: أولًا، نحن يا عم الأستاذ واقعون فى فهم خاطئ للأمور. إننا نتصوّر زورًا وبهتانًا أن أحوالنا اليوم أسوأ مما كانت عليه فى الماضى وهذا وهم كبير. نحن الآن أفضل مما كان عليه أجدادنا الأقربون مائة مَرَّة.. وإن شِئتَ فتذكّرْ هؤلاء الحفاة العُراة ذوى الجهالة والجهل الذين فتك بهم الفقر والجوع وجَمّدت الشعوذة عقولهم قبل عشرات قليلة من السنين.

.. وثانيا، يا معلم، إن الضحك الرائق الصافى يشرح الصدر، وينير العقل، ويضىء البصيرة.. بينما الكآبة والسوداوية والغيظ وتركيم الأحزان لا تؤدى إلا إلى الاكتئاب المُرعِش لليدين، والمربك للتفكير، والذى يشُلُّ الروح. ولعِلم سيادتك.. لقد أثبت العلم هذا الذى أخبرك به الآن.. ألم تقرأ عن العلاج بالضحك؟.. وهل التنكيت إلا ضحكة؟.

.. ثم ثالثًا، إن الاستغراق فى اليأس والإحباط والزهق والوحدة ليس إلا غطاءً لكسل الكسلانين، ولركود همم الراكدين، ووسيلة التبرير المُريحة للفاشلين المُنسحبين.. ألا يقولون فى الأمثال الإفرنجية إن ادعاء المَلَلِ والزَهَق هو الجسر المُعَبَّد نحو وكر الشيطان؟.

بدا من تغير لون عينىّ الصاحب، وهدوء مقلتيه فى محجريهما، أنه آخِذٌ فى إعادة تدوير الأفكار فى دماغه.. فدمدم هامسًا: يعنى يجب ألا أحزن على إصابة صلاح؟.. ضحك هو حتى ارتجّت جدران المقهى لضحكته. قال: يا عمنا لا تخْشَ على صلاح.. فصلاح «زىّ» الفُلّ.. ولسوف يتعافى بإذن الله فلا تقلق. تساءل الصاحب ملهوفًا: فِكْرَك كِده؟ صاح هو: اسمع .. إليك روشتة من صنعى أنا لنسيان الخوف.. وكما أن هناك بروتوكولا لعلاج الكورونا فإن لدىّ بروتوكولا لعلاج الخوف منها.. فانصِتْ واستًفِدْ.

هذا البروتوكول يتلخص فى عبارة واحدة هى:«اضحك والتَزِم».. نعم.. اضحك على الخوف قبل أن يضحك هو عليك.. والتزم بالإجراءات الاحترازية التى بات القاصى والدانى فينا يحفظها عن ظهر قلب؛ كمامة.. وكحول.. ومطهرات.. وغسل الأيدى بضمير.. والذى منه.. حتى لا نلقى بأيدينا إلى التهلكة. وقد يَعِنُّ لك أن تسألنى: وإذن كيف أضحك؟ .. بسيطة خالص: ابحث عن أى شىء يثير الضحك؛ فيلم أبيض وأسود.. مسرحية.. جلسة رائقة بين الصحاب تتبادلون فيها الطرائف والنِكات بعيدا عن النكد.. والأهم الأهم.. ألا تأتى للفيروس على ذِكرٍ أبدا .. وطبعا لا تنسَ الفيتامينات!

ابتسم الصاحب. اتسعت الابتسامة فصارت ضحكة. انقشع سواد الوجه. ذابت تكشيرة الجبين فأضاء.. ثم تمتم: واللهِ ممكن.. ولماذا لا.. خذوا الحكمة من أفواه العابثين.. وبالمناسبة: هل سمعت آخر نكتة؟.. قال هو بسرعة: قُل.. فقال: بيقول لك واحد سأل زوجته: أأنا أجمد أم الفيروس فقالت... هنا قفز هو زاعقا: بايخة.. عن إذنك .. ثم غادر!.


لمزيد من مقالات سمير الشحات

رابط دائم: