تمر هندى للإنتاج الفنى كان هذا اسم الشركة الفنية التى تشارك فى تأسيسها الثلاثى الفنى «شيكو ـــ هشام ماجد ـــ أحمد فهمى»، كان ذلك فى مطلع الألفية الحالية، وكان الثلاثى وقتها طلابًا فى كلية الهندسة، وكانَ أوَّل أعمالهم فيلمًا مستقلًا قصيرًا يعتمد على الارتجال وينطلق من وعيٍ قرر الثأر من عصره الذى أنْبَتَه حَاملًا عنوانًا هو «رجال لا تعرف المستحيل»، معالجة فانتازية لصورة البطل الوطنى القومى الكلاسيكية الأداء والشعارات عبر تنويعات ساخرة من أعمال الدراما والسينما التى عالجت قضية الصراع العربى الصهيوني.
على الرغم من ضعف العمَل على المستوى الفنى فإنه انطلق بلسان أجيال نمت وأخرى تنمو فى زمنٍ تنتقل فيه دفة إنتاج كل أدوات الوعي، من أيادٍ مركزية كبرى تتحكم فى صناعته، إلى مركزية جديدة مُعَولمة تمنح الفرد أدواته ليُعبر عن ذاته، ولهذا فعلى الرغم من عدم توافر أى آلية دعائية للفيلم،فإنه انتشر نُسخًا تتناقلها أيادى الأفراد وعقول حواسبهم الإلكترونية، إذ كان الوعى الجديد قد كَفَر بما فُرض عليه من نجومٍ فى كل المجالات، ويُفتش عن يد تثأر من سُلطَة الوعى المفروض بسلطان الواقع، وتتدثر فى ثأرها بالسخرية، ليضرب بسياطها الحارقة واقعه وواقعنا، مستهدفًا أن يُؤجع بدنًا طال خِدره بفعل الفساد والإفساد، عسى أن يتنبه كل مفوض بإدارة إلى أجيالٍ المستقبل التى باتت هويتها على المحك.مرتْ عشر سنواتٍ على تجربة الثلاثى الأولى خلالها التفت إلى موهبتهم صُناع السينما، فكان أنْ خرج للنور ثلاثة أعمّال سينمائية «ورقة شفرة ـــ سمير وشهير وبهير ـــ بنات العم»، وانتهى العقد بنهاية عصر مبارك وبداية التحوُّل نحو الوطن الحلم عبر ثورة 25 يناير وقبل ثورة 30 يونيو، حيث قرر الثلاثى أن يواصلوا فيما يقدمونه حالة الثأر من تابوهات الوعى الذى صنعته العقود السابقات، وصولًا حتى إلى واقعٍ هم جزء منه وأعنى به ثورة 25 يناير 2011 وما أعقبها من أحداث ودعوات وصراعات شهدتها الساحة المصرية والعربية، فكان أن قرروا تقديم أوَّل عمل درامى تليفزيونى يجمع بين أدوات سخريتهم النقادة وبدائية الأدوات الفنية المُستخدمة، حتى ظهر على الشاشات عملهم حاملًا اسم الرجل العناب، وهو العمل الذى لم يلق انتشارًا جماهيريًا تقليديًا بحيث يلتفت إليه أصحاب الياقات البيضاء، لكنّه وجد طريقه انتشارًا إلى يومنا هذا بين أجيال الثلاثى وأجيال أعقبتهم، ويُجسد فى إطاره الساخر طبيعة العلاقة بين المواطن «عصفور /أحمد فهمي» وبين النخبة «بيرم /هشام ماجد» والسلطة «تيسير /شيكو»، والمواطن بحسب رؤية الثلاثى يمتلك من القوة ما يؤهله للفعل، لكن وعيّه الذى تشوه منذ المنبت باتَ غير قادر على امتلاك اى رؤية يُجارى بها إيقاعُ عصره ومؤامراته، فقوَتُه الخارقة مُمتَهنة بسوء الاستخدام، وطاقاته العُظمى مُعَطَلة مع سبق الإصرار والترصد، وبوصلة حركته مرتعشة التوجيه، وهذه العِلَلْ جعلته قابلا للتطويع والتمييع والتوريط، وصولًا لأن يقتنع «عصفور» بأنَّه مطرب موهوب رغم اعوجاج لسانه ومخارج حروفه، ورغم ذلك لا تُمانع الإدارة العالمية من اعتماده مطربًا ويُشارك أحد نجوم أمريكا الكبار فى أغنية دويتو، ولأنَّه بهذه المواصفات فلا مانع من أن يكون له دورٌ فى نُصرة القضايا، ابتداءً من مواجهة أبطال أمريكا الخارقين، مرورًا بجولات تأييد المرشحيين فى الانتخابات، وانتهاءً بمناصرة قضية الأمة المحورية «فلسطين».
كانت نيات عصفور صادقة حين قرر أن ينتصر للقضية الفلسطينية التى لا يعلم عنها أى شيء، وكانت نيات مستثمريه أيضًا صادقة حين قررت حَرقَه جماهيريًا عبر توريطه فى مناصرة قضية كبرى وهو المنسحق بفعل المفرطين فى القضايا الكبرى والصغرى، ولهذا تعرى تمامًا حين خرج على الشاشات ـــــ فى المسلسل ـــــ مُتحدثًا عن دوره الفنى الوطنى القومى فى نصرة القضية الفلسطينية، وقدم بيديه للمشاهدين تصويرًا حصريًا للحفلة التى أقامها فى فلسطين ليكتشف الجميع أنَّه كان يغنى للانتفاضة «الانتفاضة مستمرة حتى تعود إثيوبيا حرة»!، ثم تكون الفاجعة حين تتحرك الكاميرا بين الجمهور لنكتشف أنهم صهاينة وأن الحفل كان فى عاصمة دولة الاحتلال ولجمهورها.عصفور الذى هاجم الجميع خيانته، كان ولا يزال مُنتخبًا من جمعية عمومية لأجيال مصرية نَمَتْ تسمَع ضجيج الشعارات ولا ترى طحن الأداءات، فقررت أن تعيش كما تريد ضاربة عرض كل حائط بما يُريده كبارٌ فشلوا فى أن يُترجموا عمليًا عظيم العبارات، ولهذا يؤمن أنَّه الأفضل عالميًا وإن لم يمتلك أى أدوات، ويُصدِق أنَّه الفنان رقم واحد وإن كان بينه وبين الإبداع أوسع المسافات، ومَنْ صَدَّرهُ منحه الصدارة ليقلب هرمها فيشيع فى قاعدته القبح، وبالتالى يُصبح الأنسب للتشكيل على خريطة عالم جديد، حيث كُل القضايا يجب أنْ تميع بدايةً من التمسك بالجمال ووصولًا للإيمان بقضايا الأوطان.
لمزيد من مقالات عبد الجليل الشرنوبى رابط دائم: