رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

رؤيتى لـ «القرن الحادى والعشرين» (356) نقد عقل الحاج أمين الحسينى

نقد العقل بوجه عام أمر لازم ومطلوب فى اللحظة التى يتوهم فيها الإنسان أنه امتلك الحقيقة المطلقة. وقد كان الفيلسوف كانط الألمانى الذى كان يقف عند قمة جبل التنوير الأوروبى فى القرن الثامن عشر لديه الجرأة فى إعمال عقله عندما فطن إلى تلك اللحظة.

إلا أن هذه الجرأة قد مارسها بمناسبة ما أبداه الفيلسوف الانجليزى ديفيد هيوم من رأى فلسفى وهو يلاحظ توالى الظواهر الطبيعية الواحدة بعد الأخرى فى أن هذا التوالى لم يكن مردودا فى حدوثه إلى المبدأ الذى ورثه عن فلاسفة اليونان الأقدمين وهو المسمى مبدأ السببية، الذى يعنى أن لكل ظاهرة سببا، إنما كان مردودا إلى ما سماه هيوم العادة النفسية التى تعنى أن القول بالتوالى على نمط معين هو من قبيل طغيان هذه العادة.

وبعد تروٍ وتأمل ارتأى كانط أن ما قاله هيوم قد أيقظه من سباته الدوجماطيقى، أى أيقظه من نوم متواصل للعقل بسبب استناده إلى حقيقة مطلقة وهى أن لكل ظاهرة سببا ضروريا لظهورها، الأمر الذى من شأنه أن يفضى إلى نوع من الكسل العقلى. ومن هنا بدأ كانط فى نقد العقل ليعرف مدى حدوده فى المعرفة حتى يمتنع عن مجاوزتها. وقد تمثلت هذه الحدود فى حدين: الحد الأول أو المانع الأول أن مبدأ السببية ليس له وجود فى العالم الخارجى وإن كان له وجود فوجوده فى العالم الداخلى للعقل. والحد الثانى يكمن فى أن العقل ذاته ليست لديه القدرة على امتلاك الحقيقة المطلقة إنما لديه القدرة على مواصلة البحث عن هذه الحقيقة دون أن يدركها.

هذه مقدمة لازمة لموضوع هذا المقال وهو نقد العقل ولكن ليس بوجه عام على النحو الذى ارتآه كانط إنما على النحو الذى ارتآه مؤلف كتاب: الدعاية النازية الموجه للعالم العربى, وهو مؤرخ أمريكى اسمه جيفرى هرف وقد أصدره فى عام 2010 مع مقدمة جديدة مضافة إلى طبعة 2009، وعلى غلاف الكتاب صورة للحاج أمين الحسينى مفتى القدس وهو ينصت إلى ما يقوله هتلر فى اللقاء الذى تم بينهما فى 28 نوفمبر من عام 1941 فى برلين.

أما المؤلف فيقول فى بداية مقدمته الجديدة إن الدعاية النازية المشار إليها فى عنوان كتابه فى حاجة إلى فحص قبل إثارة الأسئلة المطلوبة من الأجيال القادمة، إذ هو يزعم ـــــ سواء فى المقدمة أو فى متن الكتاب ـــــ أن الدعاية التى يقوم بها الحزب النازى باللغة العربية كانت ثمرة جهد مشترك بين النظام النازى والعرب والإسلاميين المقيمين فى برلين، إذ أسفر هذا الجهد عن بيان ما قام به الحاج أمين الحسينى قبل حضوره إلى برلين لمقابلة هتلر من عقد مؤتمر فى سوريا فى عام 1937 بحضور 400 مفكر عربى، وفى إصداره فى العام التالى كتابا عنوانه: الإسلام واليهود, جاء فيه أنه فى عام 1931 كان قد أسس المؤتمر الإسلامى العالمى وكان هو رئيسه فأعلن بصفته هذه أن الغاية من تأسيسه هى مواجهة اليهود فى أرض إسرائيل.

ومن هنا أصبح مؤيداً لهتلر عندما استولى على الحكم فى عام 1933. وعندما التقاه فى 28 نوفمبر من عام 1941 قال له هتلر: نحن الآن منخرطون فى معركة حياة أو موت ضد قلاعيْن مسانديْن لقوة اليهود: بريطانيا العظمى والاتحاد السوفيتى. ثم استطرد قائلا: على المفتى أن ينتبه إلى أن الصراع القائم فى أوروبا هو المسئول عن تحديد مصير العالم العربى. وفى نهاية اللقاء أخبر هتلر مفتى القدس بأنه إذا انتصر على الاتحاد السوفيتى فإن مواجهة اليهود ستمتد إلى اليهود المقيمين فى مصر وفلسطين والعراق والأردن.

وإثر انتهاء الحرب العالمية الثانية أصبح الحسينى أهم زعيم فى الحركة الفلسطينية إذ دعا فى عام 1948 وهو العام الذى تأسست فيه دولة اسرائيل إلى الجهاد المقدس ضدها. وقد أسهم شعار مقاومة الاستعمار فى التلاحم العضوى بين النازية والدعوة الاسلامية باعتبار أن انتصار الاستعمار هو انتصار لليهود. والمفارقة هنا أنه بعد موت النازية إثر محاكمات نورمبرج لزعمائها بقيت كراهية اليهود.

تأسيسا على ذلك كله يمكن القول فى سياق ما هو حادث الآن فى منطقة الشرق الأوسط من بداية اتفاقات التطبيع إن المفاوضات المباشرة بين فلسطين وإسرائيل أصبحت لازمة ولكن مع توافر شرطين: الشرط الأول يكمن فى الاعتراف بدولة إسرائيل فى مقابل الاعتراف بالسلطة الفلسطينية على نحو ما هو وارد فى اتفاق أوسلو المبرم فى عام 1993.

إلا أن الرأى عندى أن هذه المفاوضات المباشرة لن تكون مثمرة إلا بعد ممارسة العقل الفلسطينى لذلك النوع من النقد الذى مارسه كانط لكى تكتشف القيادة الفلسطينية حدود العقل فى مسار السلام وهى الحدود التى يمتنع عندها السقوط فى خرافة منع التطبيع الثقافى لأن هذه الخرافة تنطوى فى معناها الباطن على تدمير إسرائيل، هذا بالإضافة إلى أن مفهوم الثقافة يمتنع معها أن يكون له حدود جغرافية.

هذا عن الشرط الأول أما الشرط الثانى فيكمن فى أنه عند إجراء المفاوضات المباشرة لا يلزم البحث عن طرف ثالث يمثل منظمة إقليمية مثل جامعة الدول العربية أو منظمة دولية مثل اليونسكو، لأن هذه المنظمات أصبحت هزيلة وبلا فاعلية إثر انتهاء الحرب الباردة فى عام 1991 عندما انهارت الكتلة الشيوعية برمتها. ولا أدل على ذلك من فشل منظمة التحرير الفلسطينية فى اتخاذ قرار لمصلحتها سواء من جامعة الدول العربية أو من اليونسكو. إلا أن كل ذلك مترتب على نقد عقل الحاج أمين الحسينى.


لمزيد من مقالات د. مراد وهبة

رابط دائم: