رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

الثنائية الحزبية والفعالية الديمقراطية ــ أمريكا نموذجا

يبدو أن السيناتور الأمريكى (الديمقراطى) بيرنى ساندرز أحد رموز الحركة التقدمية الأمريكية كان متفائلاً أكثر من اللازم وهو يتحدث عن فرص النجاح الأمريكية المواتية بعد الإعلان يوم 7 نوفمبر الحالي عن فوز جو بايدن مرشح الحزب الديمقراطى على منافسه الرئيس دونالد ترامب مرشح الحزب الجمهورى. ساندرز ـ الذى خاض المنافسة أمام بايدن داخل الحزب الديمقراطى على الرئاسة الأمريكية وفضل خيار أن يتوحد خلف مرشح واحد، أملا فى أن يتجاوب مع مطالب التيار الليبرالى التقدمى داخل الحزب. قال فى تصريحات نقلتها شبكة «سى إن إن»: «نشكر الرب.. لقد انتصرت الديمقراطية. لذلك أتمنى أن يكون جو (بايدن) وكامالا (هاريس) الأفضل فى قيادة بلادنا». وأضاف «سواء اعترف ترامب أم لا .. ليس مهماً. لقد فاز جو بايدن بالانتخابات وسيتم تنصيبه». هل انتصرت الديمقراطية فعلا؟ السؤال مهم لأنه يفتح المجال لأسئلة أخرى لا تقل أهمية من نوع: ماذا بقى من الديمقراطية الأمريكية بعد كل الصراع العنيف والدامى على السلطة، بل إن الصراع أضحى ممتدا ومتعمقا بين الحزبين الجمهورى والديمقراطى، والأكثر من ذلك أنه يتسع أيضا داخل الحزب الجمهورى بين عقلاء اعترفوا بالحقائق المؤكدة، على نحو ما ذكر سكرتير ولاية جورجيا، بأن «الأرقام لا تكذب» وهو يجدد إعلان فوز بايدن بالولاية بعد إعادة الفرز اليدوى حسب مطالب حملة دونالد ترامب، وبين متشددين انحازوا إلى ترامب، واعتبروا أن كرامة ترامب وفوزه من كرامة وفوز حزبهم ،على غرار موقف السيناتور ليندسى جراهام (ولاية كارولينا الجنوبية) رئيس اللجنة القضائية فى مجلس الشيوخ الذى دافع عن الرئيس ترامب بعنف وتبرع بمبلغ 500 ألف دولار لمساعدة حملته فى جهودها القضائية للطعن بالنتائج فى الولايات الحاسمة: بنسلفانيا وميتشجان وويسكونسن، وقال: «أنا هنا لأقف مع الرئيس ترامب، فهو وقف معى.

ولهذا سوف نحتفظ بالأغلبية فى مجلس الشيوخ. لقد ساعد الجمهوريين فى المجلس، ونحن سنحصد مقاعد فى مجلس النواب بفضل حملة ترامب». كلام خطير لا ينافسه فى خطورته بالنسبة لتعارضه المطلق مع أبجديات القيم والمبادئ الديمقراطية التى يزخر بها «النموذج الديمقراطى الأمريكى» إلا ما ورد على لسان كيفين مكارثى زعيم الأقلية الجمهورية فى مجلس النواب، الذى لم يكتف بتبنى خطاب الاتهامات بالتزوير فى الانتخابات الذى يردده الرئيس ترامب وفريقه من المحامين وأركان حملته بل إنه اتجه إلى التحريض على العنف كوسيلة لإفشال فوز جو بايدن الذى أكدته أرقام التصويت فى صناديق الانتخابات، مخاطباً المتمردين داخل الحزب الجمهورى ومناصريه من الجماعات اليمينية المتطرفة والمسلحة قائلاً: «لا تسكتوا عن هذا (التزوير وسرقة الانتخابات)، لا يمكننا السماح لهذا بالحدوث أمام أعيننا».

تحريض ينسف أهم أسس الديمقراطية النيابية أو «ديمقراطية التمثيل» التى ترتكز على «شرعية صندوق الانتخابات». زعماء الجمهوريين لا يعترفون الآن بـ «شرعية الصندوق» التى هى ألف باء الديمقراطية النيابية، بل يحرضون أنصارهم على ممارسة العنف، لذلك أضحى ضروريا التساؤل: هل بقى شىء من الديمقراطية الأمريكية؟ وهل هناك أمل فى استعادة المسار الديمقراطى وتصحيح الأخطاء؟ صحيفة «الجارديان» البريطانية، فى مقال حمل عنوان «أمة منقسمة بشكل خطير» حاولت الإجابة عن هذا السؤال ـ حيث أشار المقال إلى أنه فى الأشهر التى سبقت الانخراط فى حملة الانتخابات الرئاسية هذا العام كانت أسيرة فرضية نظرية تقول إن «دونالد ترامب كرئيس للولايات المتحدة ليس إلا ظاهرة استثنائية أو عابرة، وأن هذه الظاهرة سوف تنتهى بانتهاء خسارته للانتخابات لكن النتائج جاءت لتؤكد عكس ذلك» فقد أكدت نتائج الانتخابات أن دونالد ترامب وأن «الترامبوية» (إن جازت التسمية) ظاهرة متأصلة الجذور فى التربة السياسية الاجتماعية بل وأيضاً الاقتصادية الأمريكية. فعندما يذهب أكثر من 71 مليون ناخب أمريكى لاختيار ترامب، بمعدل يفوق كثيراً ما حصل عليه من أصوات فى انتخاباته السابقة عام 2016 فهذا يعنى أن مصالح وأفكار هذه الملايين تتطابق مع ما يقوله ترامب ويروج له، وهو على العكس تماماً من الخطاب السياسى للحزب الديمقراطى وربما أيضا للحزب الجمهورى الذى بات يواجه فعليا خطر الانقسام بين تيار تقليدى يحمل الأفكار التاريخية للحزب الجمهورى هو الأضعف، وتيار آخر أقوى هو «تيار الترامبوية» أى التيار الذى يرجح أن يقوده ترامب ويخوض به الانتخابات الرئاسية المقبلة. خطورة هذا التيار الجديد أنه يفضح حقيقة الانقسام الذى يواجه «الأمة الأمريكية»، فهو تيار لا يقوم فقط على تبنى مصالح طبقات اجتماعية بعينها، ولكنه تيار يعبر عن ظاهرة اجتماعية- ديموجرافية وثقافية. فالتصويت الذى حدث لترامب يمكن اعتباره «تصويتا انتقاميا»، لأن غالبية السكان غاضبون ويعبرون عن الغضب برفض المؤسسات والنخبة الحاكمة هنا بالتحديد يجدر التساؤل عن مدى مسئولية نظام «الثنائية الحزبية»: الحزب الديمقراطى والحزب الجمهورى الذى يحكم الحياة السياسية الأمريكية عن هذا الانقسام. فعلى مدى عقود مضت كانت هناك تحذيرات من وجود مخاطر وشرور لنظام الثنائية الحزبية، من أبرزها أنه يشطر الأمة إلى شطرين، وإذا دخلت عوامل أخرى اقتصادية وعرقية وثقافية تغذى هذا الانقسام الثنائى فإن الخطر يصبح مروعا على نحو ما هو حادث الآن حيث انقسم الأمريكيون فى تصويتهم إلى ما يقرب من 80 مليون صوت فى صف جو بايدن والديمقراطيين،

و71 مليونا فى صف ترامب والجمهوريين. كان المفترض أن تكون التعددية العرقية للمجتمع الأمريكى أحد أهم عوامل انصهاره كأمة تقبل بالتعددية الفكرية والتعايش والسلمية، ولكن مع وجود فريق يرفض هذه التعددية وينحاز إلى عرق بعينه (العرق الأبيض)، هذا يعنى أن الثنائية الحزبية إن كان لها دور فإن الخطر الذى يتهدد الديمقراطية الأمريكية يتجاوز كل فرضيات الهيكلية الحزبية من أحادية أو ثنائية أو متعددة إلى واقع النظام السياسى- الاجتماعى الاقتصادى والثقافى الأمريكى الذى أضحى مأزوما إلى أمد غير منظور.


لمزيد من مقالات د. محمد السعيد إدريس

رابط دائم: