رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

اجتهادات
الحرب والسلام

لا يصح أن تمر الذكرى العاشرة بعد المائة لرحيل الروائى الروسى العملاق ليو تولستوى دون أن نذكر تحفته الفريدة, الحرب والسلام، التى يقدم فيها رؤيته الدرامية لبعض جوانب الحياة الاجتماعية فى روسيا فى أوائل القرن التاسع عشر، من خلال خمس أسر أرستقراطية فى العقدين الأول والثانى فى ذلك القرن، وحالة المجتمع فى فترة غزو نابليون بونابرت ومحاولته احتلال موسكو. أبدع تولستوى فى تقديم صورة تعبر عن رؤيته لأحوال الطبقة العليا فى روسيا، من خلال شخصيات أهمها فى السياق الدرامى فتاة كانت تنتمى إلى هذه الطبقة, ثم ضاق بها الحال0 كما أجاد التعبير فى هذا السياق عن أنماط العلاقات بين من يُطلق عليهم النُخب والبسطاء، سواء فى المجال العام السياسى والمجتمعى، أو فى المجال الخاص حيث العلاقات الشخصية والعائلية ومشاعر الحب والكراهية. ورؤية تولستوى فى هذه الرواية ليست درامية فقط، ولا تاريخية فحسب رغم أن أحداثها تدور فى أحد أهم مراحل التاريخ الروسى الحديث وأخطرها، وقدرته على تحويل أحداث هذا التاريخ إلى عمل أدبى جمالى رائع، وبراعته فى تصوير شخصيات تاريخية وأخرى خيالية وتفاعلاتها فى أجواء حرب شرسة. إنها رؤية فلسفية أيضًا. رؤية للطبيعة البشرية والإرادة الإنسانية، وأنماط التفاعلات الاجتماعية والسياسية والشخصية فى قلب حرب تتلاشى فيها قيمة الإنسان وسط مشاهد القتل والدمار، ومشاعر الخوف والإحباط والانكسار، فيصبح البشر جزءًا من حطام يتراكم. يقدم تولستوى رؤيته لحالة مجتمع وسلوك طبقته العليا فى أجواء حرب مدمرة، وغزو لا يمكن إلا أن يترك آثارًا عميقة فى داخل الإنسان الذى يفقد ذويه أو أصحابه، ولا يعرف ما يمكن أن يحدث له. ويُبدع فى صياغة حوارات تعبر عن هذه الحالة، وتدفع فى الوقت نفسه إلى التفكير فى مغزى حياة الإنسان وموته، وما القوة التى توجهه، وحدود حريته، وماذا يفعل، ولماذا يعيش، وكيف، وهل يملك أن يحدد مصيره، ومن يضع المحددات المؤثرة فى هذا المصير،وغيرها من الأسئلة التى تجعل الرواية واحدة من أعمق الأعمال فى تاريخ الأدب الحديث.


لمزيد من مقالات د. وحيد عبدالمجيد

رابط دائم: