رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

«الورطة الثقافية».. وتداعيات العولمة

يقدم كتاب الورطة الثقافية – خرائط من ذاكرة الجنون- للدكتور محمد حسين أبو العلا بانوراما ثقافية واسعة تتناول القضايا الشائكة بين محاولات الهيمنة الثقافية الغربية والسعى لتهميش باقى الثقافات والدور المفقود للمثقفين العرب؛ ليس للدفاع عن الثقافة العربية فقط كما قد يتراءى للبعض؛ ولكن للنهوض بها لتحتل المكان اللائق بها وسط ثقافات العالم المعاصر.

استهل الكاتب كتابه بمقولة لإسحاق نيوتن؛ « كثير من البشر يبنون حوائط صد منيعة وقل من يبنون جسور التواصل». ويشير أبوالعلا إلى أن الثقافة فى معناها الحضارى لم تعرف إلا مسار الوضوح والمكاشفة والحقيقة، وتجليات اليقين بلوغًا لمراتب السمو المعرفى، ولكنها الآن لم تعرف سوى مسار الغموض والزيف والتضليل فى زمن الثورة المعرفية. ويندد بالسعى الدءوب للعزل العنصرى للثقافات لإبادتها وإحلال ثقافات أخرى، ويحذر من السعى للاغتيال الحضارى للعقل المعاصر، وينبه إلى أن الحضارة المعاصرة بسطوتها المعرفية تم توظيفها كأيديولوجية استعمارية، تسعى للتطاول، ولتهميش الآخر، وسحق الهويات، ولم تعد الثقافة تهتم بالتنوير والمعرفة والاعتقاد والفن والأخلاق والقانون.

ويطرح الكاتب عدة تساؤلات ثقافية تسعى لبحث سبل تغيير الواقع الراهن المتردى فيتساءل: كيف لنا أن نخلق ذاتًا ثقافية قوية متصدرة؟، وما العناصر التكوينية لهذه الذات؟ وما الوسائل المحققة لاستمراريتها؟ وكيف نجعلها تفكر فى اتجاه مستقبلى؟ وكيف نحررها من عقدة التراث التى أعاقتها طويلا؟ ويرى أن العلاقة بين المثقف وواقعه متشابكة وتنطوى على جدلية دائمة تحركها علاقة الفاعل والمفعول به، والفاعل لابد أن يتجرد من قصور النظر لهذا الواقع ويتمتع بعمق استقرار دلالاته. يخصص الكاتب كثيرا من صفحات الكتاب لمناقشة العولمة وتداعياتها الثقافية، ويرى أن العولمة مفهوم أو مرتع جديد للإمبريالية، وإفراز معاصر للنظام الرأسمالى، ويحذر من تيارين؛ أحدهما مع العولمة يؤيدها ويناصرها بإطلاق، دون أن يقف على أى من مثالبها التى اعترف بها منظرو العولمة أنفسهم، والثانى يأخذ على عاتقه عبء القتال الفكرى الحاد للعولمة باعتبارها مخططًا مسمومًا يود النجاة منه..بينما تنطلق العولمة ــ وفق رؤية الكاتب ــ فى اتجاهين متقابلين؛ أولهما هو الثورة التقنية المذهلة، والآخرهو تجسيد إستراتيجية الهيمنة. ويتوقف عند إسهامات بعض المفكرين المصريين، أمثال الدكتور عبد الرحمن بدوى ومحمود عباس العقاد و طه حسين ونعمات أحمد فؤاد ونضالها الفكرى وعشقها لمصر ولدورها الحضارى ومواجهتها الشرسة ضد محاولات التغريب الساعية لانتزاع المجتمعات من تاريخها وجغرافيتها فى اتجاه تذويبها وطمسها، وكيف كانت نموذجًا رفيعًا لشرف المثقف وحكمة المفكر وبراعة الأديب وشموخ الفيلسوف ووقار العالم. وعلى الجارم الذى برع بالشعر وبالكتابة القصصية، وكان إمامًا لغويًا بارزًا؛ ولذا اختير مع تسعة من علماء لتأسيس مجمع اللغة العربية، وأشاد بدوره فى السعى لتآلق الهوية العربية. ويطرح الكاتب رؤيته لعطاء الدكتور زكى نجيب محمود الحضارى والفلسفى الذى قدم مشروعا تحديثيًا لإعادة تشكيل بنية العقل العربى المعاصر بدءا من قضية تحديد المفاهيم واستخدام طرائق وادوات التفكير العلمى، والتنبيه بأن النتائج لا يمكن لها أن تسبق المقدمات وأن النتائج والمقدمات لابد أن يربطهما خط منطقى يحقق المنهجية الفكرية مع ضرورة إيجاد صيغة للحفاظ على الخصوصية الثقافية والهوية الذاتية العربية بكل عمقها التاريخى مع التمسك بإقامة جسور تواصل وآليات احتواء لمتغيرات العصر وقيمه الحضارية لتحديث وإحياء الثقافة العربية.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق