رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

النوم.. ونهضة الشعوب

أثبتت الأبحاث العلمية فى علم اللغويّات أن المخ يختزن كل ما يدخل فيه من معلومات اثناء النهار فى الجزء الأيمن منه أولاً، بصورة مؤقتة، ثم يَنقل هذه المعلومات الى الجزء الأيسر منه ثانية لكى تختزن بصورة دائمة ليمكن استرجاعها عند الطلب فيما بعد. وتتم عملية النقل هذه اثناء النوم فقط!. ويحتاج الطفل حديث الولادة الى ساعات طويلة من النًوم لعملية نقل المعلًومات هذه. أما الطفل من أربعة اشهر الى 3 سنوات فيحتاج ساعة او ساعتين مرتين اثناء النهار و 12 ساعة متواصلة اثناء الليل. ويحتاج الطفل فيما بعد الى النوم من نصف ساعة الى ساعة واحدة اثناء النهار ولكنه يظل يحتاج الى12ساعة من النوم المتواصل اثناء الليل. وفِى مرحلة سن المراهقة تحتاج هذه العملية لنقل المعلومات من 9الى10 ساعات متواصلة اثناء الليل. ويستمر تناقص عدد الساعات الى 8 ساعات لفترة كبيرة من عمر البالغين الى ان تصل الى 6ساعات متواصلة مع تقدم العمر. علماً بأن الانسان فى سن الشيخوخة تبدأ عنده ساعات النوم فى التزايد اثناء الليل والنهار بل تختلط بينهما فى كثير من الأحيان. ومن المعروف علمياً ان النوم ليلاً يختلف تماماً عن النوم اثناء النهار وذلك لما يتيحه الليل من الهدوء والسكينة والظلام الذى لا يتيحه النهار بسبب الضوء والأصوات المحيطة بالطفل، بطبيعة الحال، والذى لايؤدى الى حالة النوم العميق الضرورى لعملية نقل المعلومات هذه. ولإتاحة الهدوء والسكينة ليلاً سنت بعض الدول فى العالم قوانين صارمة مفعّلة بدقة تامة : فمثلاً فى سويسرا هناك قانون يمنع سكان العمارات من شدِ سيفون المرحاض بعد العاشرة مساءً ويعاقب الساكن بالطرد، ناهيك عن استخدام ابواق السيارات والميكروفونات والموسيقى الصاخبة الصادرة من المطاعم والملاهى الليلية، لأن ذلك محرم حتى أثناء النهار!.

وبناءً على ذلك نجد انه فى جميع البلدان المتقدمة يحرص الآباء على ان ينعم اطفالهم بنوم هادئ عميق ليلاً. فالطفل يأوى الى سريره بعد الاستحمام فى السادسة مساءً وتُقرأ له قصة قبل النوم ويُترك لينام وحده سعيداً مطمئناً الى السادسة أو السابعة صباحاً. كما يحرص الأهل على جعل الهدوء يسود البيت اثناء نومه دون أى نوع من الازعاج أو الصخب من امثال ارتفاع صوت التليفزيون أو التحدث بصوت عالٍ أو الشجار أو المزاح بين الأهل او الأصدقاء سواء اثناء وجودهم فى البيت أو عبر الهاتف. ويلاحظ فى هذه البلدان المتقدمة ايضاً انه لا يوجد أى طفل خارج المنزل ليلاً: لا فى المطاعم ولا فى المولات ولا فى الحدائق العامة الاّ فى الأحياء الفقيرة غير المتحضرة فى تلك البلدان. وكلما ارتقت الشعوب نجد العناية بنوم الأطفال لمدة 12 ساعة متواصلة ليلاً يتزايد بشكل ملحوظ. كما نجد أن أطفالهم اكثر ذكاءً وأكثر استيعاباً لكل ما تعلموه اثناء اليقظة ونتيجة لذلك يلاحظ أن شعوبهم أكثر انتاجاً وذكاءً ويتمتعون بمستوى معيشة ورفاهية عال جداً. أما فى البلدان النامية فنجد أن كثيراً من الأطفال يعانون الارهاق الشديد بسبب قلة النوم وهذا ما يؤدى الى كثرة الصريخ والضوضاء وعدم التركيز والفهم. بل الأسوأ من ذلك أن عدم النوم الكافى يؤدى الى الغباء والتخلف مع إهمال مراعاة احتياجات الأطفال من أخذ القسط الوافى من النوم. وهذا لسبب بسيط: فالمخ مقسوم، كما تعلمون، الى جزءين: الأيمن يستخدم للعواطف من السعادة والموسيقى والأغانى الى الغضب والحزن والانفعال الطائش والتهور والتعبير بالفاظ بذيئة والشتائم الجنسية منها والمهينة وجميع انواع العنف. والجزء الأيسر يستخدم للغة والتعقل والانضباط والتحكم فيما قد يصدر من أى تهورات أياً كانت من الجزء الأيمن كما أن الجزء الأيسر يستخدم أساساً للتخزين الدائم مما ينقل اليه من الجزء الأيمن اثناء النوم. وكلما ازداد المخزون من المعلومات, ارتفع مستوى الذكاء. وفِى حالة عدم النوم الكافى، فالمعلومات المختزنة مؤقتاً فى الجزء الأيمن تتبخر ولا يبقى منها الاّ مايختزن من الانفعالات والكلمات البذيئة وما شابهها من المعلومات والالفاظ. ويبقى المخزون الباقى لدى الطفل ضحلاً. وبذلك يمكن التعرف مباشرة على حالة الطفل غير المُعتَنى به وذاك المُعتَنى به: طفل عنيف بذيء اللسان عصبى المزاج هجومى شرس كثير الحركة التخريبية مثل اقتلاع الورد وتكسير كل ما يقع فى قبضة يده، كثير الصخب والصراخ والبكاء لا يعتنى بنظافته أو هندامه وطفل يتعامل مع الآخرين بلطف وكياسة ويتحكم بعناية فى حركته والفاظه وكثرة اهتماماته بما حوله من اللعب المفيد والمحافظة على لعبه ونظافته الى حبه للمطالعة والاستماع بصمت واهتمام لما يقال له لأن مخه يربطها بمعلومات مختزنة فى الجزء الأيسر مسبقاً وتثير حماسه وتشحذ اهتمامه وتشده بسعادة غامرة للاستزادة منها. والشعوب تنهض بأطفالها واذا لم يراع الأهل العناية الواجبة بأطفالهم وبنومهم ستنهار بلادهم انهياراً يصعب اصلاحه فيما بعد.

----------------------------------------

متخصصة فى علم اللغويّات ــ جامعة جورج تاون الامريكية.


لمزيد من مقالات سهير أحمد السكرى

رابط دائم: