رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

بايدن وفلسطين

انتخاب الرئيس السادس والأربعين للولايات المتحدة الأمريكية، جو بايدن، الذى ينتظر التأكيد الرسمى قبل توليه مهام منصبه فى البيت الأبيض فى العشرين من يناير عام 2021، استقبل بتفاؤل كبير لدى العديد من الدول كالصين وروسيا الاتحادية وإيران ودول الاتحاد الأوروبى، ويستند هذا التفاؤل إلى تبنى الرئيس الجديد مقاربة مختلفة للعلاقات الدولية، وقيادة الولايات المتحدة للنظام الدولى، ترتكز على التعاون والحوار والتعددية فى إدارة الشئون الدولية، هذا التفاؤل فى الحالة الفلسطينية إن من جهة الشعب الفلسطينى أو القيادة الفلسطينية يكتسب طابعا خاصا، حيث ألحق الرئيس الأمريكى المنتهية ولايته حتى الآن الأذى بالقضية الفلسطينية.

الانتخابات الأمريكية تكتسب أهمية عالمية, لأن الرئيس الأمريكى المنتخب هو الأكثر حظا وتأثيرا ونفوذا فى صنع السياسات والقرارات، التى تؤثر فى مجريات الأمور والمصائر، وإذا كانت الدول والحكومات والشعوب الأخرى المستقرة والآمنة والمعترف بحكوماتها ودولها تتفاءل بانتخاب رئيس جديد ديمقراطى، له مقاربة مختلفة لقيادة أمريكا والنظام الدولى، فإنه يحق للشعب الفلسطينى ولقيادته أن تأمل فى مسار جديد للقضية الفلسطينية يصلح ما أفسدته الترامبية خلال السنوات الأربع الماضية.

ولا شك أن هذا التفاؤل الفلسطينى المشروع يجب ألا يقع فى خانة التهويل أو التهوين، لأن الأول قد ينطوى على تجاهل ضرورة إصلاح الصدع الفلسطينى الداخلى بمهماته الكثيرة، كما أن الثانى، أى التهوين، قد ينطوى على إهدار فرصة قد تكون سانحة إلى حد ما وهى فوز رئيس جديد ديمقرطى يتبنى مقاربة مختلفة فى العديد من الشئون الدولية ولا يملك الشعب الفلسطينى ترف ضياع فرصة حتى إن كانت صغيرة.

والحال أن فوز الرئيس الأمريكى الجديد يتطلب الوعى واليقظة والدراسة والاستعداد لكيفية التعامل معه، وذلك يتطلب تفهم تركيبة الحزب الديمقراطى الأمريكى وهو حزب الرئيس، والتمييز بين قاعدة الحزب وبين قمته التنظيمية والتيارات الرئيسية الفاعلة فيه، فالرئيس المنتخب ينتمى إلى تيار الليبرالية التقليدية فى الحزب، الذى يشاركه فيه كبار قادة الحزب الديمقراطى، فى حين أن القاعدة تتوزع بين اليسار التقدمى وبين اليسار الذى يتزعمه بيرنى ساندرز، وهذه القاعدة بجناحيها تؤيد إسرائيل ولكن بشروط تتمثل فى احترامها حقوق الفلسطينيين، ووقف الاستيطان، وهذه القاعدة هى التى تمكنت عند صياغة برنامج الحزب فى أبريل عام 2020 من تضمين كلمة «الاحتلال» الإسرائيلى فى هذا البرنامج، وهو الأمر الذى اضطر بايدن شخصيا للتدخل لحذف هذا المفهوم، وكذلك الأمر فيما يتعلق بمشروطية المساعدات الأمريكية لإسرائيل أى ربطها باحترام حقوق الإنسان الفلسطينى ووقف الانتهاكات، وهو الأمر الذى نفته نائبة الرئيس كامالا هاريس فى اجتماعها مع ممولى الحزب الديمقراطى من اليهود.

يعتبر الرئيس الأمريكى الجديد رئيسا انتقاليا، أى بين فترة ترامب وما بعدها، وذلك نظرا لأنه أكبر رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية سنا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن رهان انتخابات الرئاسة الأمريكية 2020 كان إزاحة ترامب، وهذا الأمر ينطوى على جانبين على درجة كبيرة من الأهمية، أولهما أن اهتمام الرئيس الجديد سينصب بجهده فى البداية على الوضع الداخلى الأمريكى الذى يتميز بالانقسام الحاد عرقيا وثقافيا وسياسيا واقتصاديا، خاصة ما يتعلق بتصويت 73 مليون ناخب أمريكى لدونالد ترامب وهى قاعدة عريضة كانت قد تضررت من العولمة والبطالة وارتفاع تكلفة التدخل الأمريكى فى الخارج، أما ثانيهما فيتمثل فى أن هذه الوضعية الانتقالية قد تؤهل الرئيس الأمريكى لتحقيق إنجازات كبيرة فى العديد من الملفات قد يكون من بينها الملف الفلسطينى.

فى كل الأحوال من المتوقع مع فوز بايدن حذف كلمة خطة ترامب للسلام من الخطاب السياسى الرسمى، قد لا نسمع هذه الكلمة مرة أخرى، وبالتوازى مع ذلك يمكننا أن نتصور عودة حل الدولتين إلى الواجهة من خلال المفاوضات الثنائية، وكذلك إحياء اللجنة الرباعية التى تؤطر هذه المفاوضات ولكنه من غير المتوقع أن يتم نقل السفارة الأمريكية إلى تل أبيب، لأنه كان قرارا متخذا من الكونجرس ورافقه التأجيل سنوات.

قد يقدم بايدن على إعادة فتح مكتب منظمة التحرير فى واشنطن أو استئناف المساعدات للسلطة الفلسطينية، ومنظمة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، كما أن بايدن سيطالب بتجميد البناء فى المستوطنات الواقعة خارج الخط الأخضر، وقد سبق لبايدن عندما كان نائبا للرئيس أن لعب دورا مهما فى تجميد البناء فى القدس؛ وعند زيارته إسرائيل عام 2010، نشرت لجنة التخطيط والبناء فى القدس خطة لبناء 1800 وحدة سكنية فى حى رماث شلومو فى أثناء زيارته، وأبدى غضبه مع معاونيه واعتبره إذلالا له فى الوقت الذى كان يحاول فيه الدفع لاستئناف المفاوضات ونشبت أزمة حادة حينئذ، وتوقف البناء عدة سنوات، وأفضى صعود ترامب إلى استئناف البناء مرة أخرى.

وتحسبا لاستئناف مطالبة بايدين بتجميد البناء فى المستوطنات خارج الخط الأخضر والقدس فإن إسرائيل طلبت من بلدية الاحتلال فى القدس وسلطة الأراضى الإسرائيلية العمل على تعزيز خطط الاستيطان فى أحياء القدس فى الفترة المتبقية من إدارة ترامب قبل وصول بايدن إلى البيت الأبيض.

وبصرف النظر عن التفاؤل والتشاؤم بمقدم الرئيس الأمريكى الجديد فإن الأداء الفلسطينى والدبلوماسية الفلسطينية فى هذه الآونة يجب أن تركز فى اتجاهين: الأول، تعزيز الموقف الفلسطينى والإسراع فى رأب الصدع وتحقيق المصالحة الوطنية وإعادة بناء مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية وتأكيد المقاومة الشعبية السلمية للاحتلال وفضح العنصرية والسياسة الإسرائيلية اللا أخلاقية وتعزيز الطابع التحررى للنضال الفلسطينى كحركة تحرر وطنية من الاحتلال تستهدف تقرير المصير والدولة بعاصمتها القدس، ومن ناحية أخرى مراقبة ودراسة الوضع الجديد الناشئ مع مقدم بايدن، أى تشكيل إدارته وخلفيات أركان هذه الإدارة وطبيعة أولوياتها وتوجهاتها الدولية وإزاء الشرق الأوسط خاصة، ودراسة تشكيل الفريق المختص بالسياسة الخارجية الأمريكية فى العهد الجديد، والأهم فى هذا السياق المبادرة بوضع أجندة فلسطينية للتعامل مع الإدارة الجديدة.


لمزيد من مقالات د.عبد العليم محمد

رابط دائم: